Menu

بقاء الدولة الوطنية في مواجهة تحديات التقسيم!

أهمية-الوطن-العربي

بقلم / محمد صوان

تمكنت الدولة الوطنية العربية من المحافظة على بقاءها في مواجهة التحديات المحلية والإقليمية التي واجهتها منذ تأسيسها حتى نهاية عام 2010، حيث شهد نهاية هذا العام حدثاً (درامياً) ترتب عليها تغيير الأنظمة السياسية في كل من (تونس، ومصر، و ليبيا ، واليمن) ولم تفلح المحاولات المماثلة في عدد من الدول العربية الأخرى.

ويبدو أن المهتمين والمحللين لم ينتبهوا إلى صمود الدولة الوطنية خلال النصف الأخير من القرن الماضي. وظنوا أن لحظة اضمحلال هذه الدولة قد جاءت بعد طول انتظار. انبرى بعض المحللين من انصار تأسيس نماذج أخرى من الدولة(اسلامية، ديمقراطية، طائفية، مذهبية.. أو غيرها)، للحديث عن أن الدولة الوطنية المركزية لن تعود كما كانت قبل عام 2010 لقد اثبتت تطورات الأحداث في السنوات السبع الماضية أن كلاً من مصر وتونس قد تجاوزتا ما عرف بأزمة تماسك الدولة، ورسختا أقدام الدولة المركزية العميقة, بالمعنى الايجابي للتوصيف. أما في الحالة الليبية، لم تكن مؤسسات الدولة، التي حكمها معمر القذافي لأكثر من أربعين عاماً، راسخة بالقدر الذي يمكنها الخروج (الآمن ) من أحداث2011, وقد لعبت العوامل القبلية والجهوية دوراً مهماً في انهيار مؤسسات الدولة، كذلك الحالة اليمنية التي لم ينجح (الحل الوسط) بواسطة خليجية، في الحفاظ على الدولة التي توحدت عام 1990... كما في الحالة الليبية، اضطلعت العوامل القبلية، والمذهبية، والجهوية بدور مهم في عدم الاستقرار، وفي وجود أكثر  من سلطة تدعي احتكار حق استخدام القوة المادية. وبالتالي دخل اليمن في حرب أهلية طاحنة مستمرة منذ ثلاثة أعوام في بلد يعاني محدودية الموارد، وتدني مستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

بينما مثلت سوريا حالة وسطية بين كل من مصر وتونس من جهة وليبيا واليمن من جهة أخرى. وبالرغم من الحرب الطاحنة المستمرة منذ أكثر من ستة سنوات، والتي نتج عنها مئات آلاف من الضحايا، ملايين المصابين واللاجئين والمهجرين، وتدمير العديد من المدن والقرى والأحياء، لا تزال مؤسسات الدولة قائمة وتمارس عملها في كل المناطق التي ظلت تحت سيطرة الحكومة المركزية في دمشق.

السيناريوهات المحتملة:

هل تعني تطورات الأحداث للأعوام السبعة الماضية أن الدولة الوطنية العربية التي خبرناها منذ منتصف أربعينيات القرن الماضي قد حان وقت اضمحلالها؟!

ثمة ثلاثة سيناريوهات أو احتمالات لمستقبل الدولة الوطنية العربية, هي:

  • البقاء دون تغيرات أو تحولات جوهرية.
  • اضمحلال هذه الدولة لمصلحة نموذج أخر قائم على أسس (عرقية, مذهبية،  طائفية ،قبلية)
  • تحول الدولة البسيطة الى دولة مركبة عبر تطبيق النموذج الاتحادي ا(لفيدرالي(ويمكن دراسة وتحليل الاحتمالات الثلاثة المشار اليها على النحو التالي.

الاحتمال الأول- بقاء الدولة الوطنية:

يبدو هذا هو الاحتمال الأقوى في كل من دول الوفرة الاقتصادية ،والتي لا تعاني ازمات اجتماعية ،أو اقتصادية أو ثقافية حادة، وكذلك الحال بالنسبة للدولة العربية ذات الدولة الوطنية العميقة وتضم هذه المجموعة دول شمال افريقيا (مصر وتونس  والجزائر والمغرب.(

اضافة لدول مجلس التعاون الخليجي الستة بالرغم من تعرض مملكة البحرين لبعض الهزات والضغوط الاقليمية والمذهبية المحلية... فلا يتوقع أن يمثل ذلك تحدياً جاداً للدولة الوطنية التي يدعم بقاءها العوامل المحلية والاقليمية والدولية.

الاحتمال الثاني - اضمحلال الدولة القائمة:

يدعم هذا الاحتمال في عدد من الدول جهود بعض القوى المحلية المتحالفة مع محاور اقليمية دولية للانقضاض على الدولة الوطنية، وانشاء دول جديدة على اساس مغاير للدولة الوطنية القائمة، ويبدو كل من البعد المذهبي أو الاثني أو الطائفي هو القاعدة التي يستند إليها أصحاب هذا المسعى.

سوف تستمر محاولات استهداف الدولة الوطنية وتقسيمها إلى عدة أقاليم أو ولايات في كل من العراق، واليمن، وليبيا، و سورية.

في العراق تستمر محاولات  اقليم كردستان في اتجاه الانفصال عن الدولة العراقية، على غرار انفصال جنوب السودان في دولة مستقلة.. بالرغم من الاخفاق الاخير, ووصول استفتاء ايلول 2017 إلى نهاية غير سعيدة بالنسبة للحزب الديمقراطي الكردستاني وزعيمه مصطفى برزاني الذي استقال من الحياة السياسية.

وفي اليمن، ثمة محاولات جادة لعودة انفصال الجنوب عن الشمال، إلى جانب محاولات اخرى لإنشاء دول جديدة على أُسس قبلية ومذهبية. وفي ليبيا ثمة محاولات لتقسيم الدولة الوطنية إلى ثلاث أقاليم أو ولايات ويلمس السعي للعودة  إلى الولايات الثلاثة السابقة (برقة في الشرق، وطرابلس في الغرب، وفزان في الجنوب) كما توجد أيضا مساع أخرى، مع وجود اتجاهات قبلية واثنية مثل (الامازيغ، والطوارق، التبو) .

وثمة محاولات انفصالية أيضاً في السودان، أبرزها في دارفور التي قد تسير في نفس الاتجاه  الذي سار عليه إقليم الجنوب.

وفي سورية، ثمة محاولات إقليمية ودولية لتقسيم سورية إلى عدة أقاليم  على أساس (مذهبي، وإثني، وطائفي) وكانت فرنسا إبان فترة الانتداب قد قسمت سورية إلى أربع ولايات هي: (دمشق في الوسط، وحلب في الشمال، واللاذقية في الغرب، والسويداء في الجنوب).. وأعيد توحيدها بعد رحيل الانتداب الفرنسي عن المنطقة عام 1945.

الاحتمال الثالث - تطبيق  نموذج الدولة (الفيدرالية):

يعتبر هذا الاحتمال وسطاً بين استمرار الدولة الوطنية المركزية أو انقسامها إلى عدد من الدول.. وكان الدستور العراقي قد منح اقليم كردستان وضع (الإقليم الفيدرالي) وكان السودان قد حاول حل ازمة الجنوب عبر ذات النموذج.. وكانت المملكة الليبية قد بدأت حياتها كدولة  مستقلة ذات نموذج فيدرالي يضم ثلاثة أقاليم فيدرالية, حتى عام 1962.

ويعتبر نموذج الدولة الفيدرالية محاولة للجمع بين عوامل الوحدة، وعوامل الانفصال، وفي حالة الفشل، يكون الانفصال هو الحل، ولهذا الاحتمال بعض الفرص في عدد من الدول العربية.

خلاصة القول: إن المساعي والمحاولات الجارية لإعادة هندسة المنطقة من وجهة النظر الغربية، ولا سيما الأمريكية، كان وسيظل هدفاً مؤكداً، وثمة مشاريع عديدة حول ضرورة إعادة تقسيم وتفتيت الدول العربية على أُسس مذهبية، وطائفية وأثنية، حيث لم يعد تقسيم (سايكس - بيكو) محققاً للأهداف الأمريكية والاسرائيلية.. ومن المرجح أن يتنافس خيار الانقسام والفيدرالية في عدد من الدول العربية ويلاحظ أن  التقسيم, حال حدوثه, سيعني تأسيس المزيد عن الدول الوطنية، وقد تكون بعض هذه الدول غير عربية.. ومن الواضح أن الخطورة على بقاء الدولة الوطنية تنبع من قوة تأثير العوامل الخارجية ( إقليمية ودولية), وفي حالة اتفاق المحاور الإقليمية والدولية على التقسيم, أو الفيدرالية, سيكون من الصعب على القوى المحلية منع تحقيق هذا الخيار... وكما اتفقت كل من بريطانيا وفرنسا في أعقاب الحرب العالمية الأولى, على اقتسام المناطق العربية ووضعها تحت الانتداب فيما بينها, قد يكون من المحتمل توافق الدول الكبرى على تقاسم مناطق نفوذ لها في الدول العربية التي لا تتمكن من البقاء كدول وطنية مركزية بمواصفات الدولة  الوطنية الحالية.