Menu

حنظلة يعود إلى عكا!

نصّار إبراهيم

أزهار

حزينا يركض الولد حنظلة ... خلفه منفى ومنفى أمامه... لم يتوقف منذ ولادته يركض... يتبع قمرا يضئ الذاكرة ويوقظها... قمر موروث منذ نار الكنعانيين الأولى... غربا سار... تنهض في البال سفوح مقمرة... ونحو البحر تنحدر... كل غروب يرسل عينيه نحو عكا وخط البحر وينتظر عصفورا لم يلوثه النفط، ليبشره بورقة برتقال زهرة ليمون أو قصفة زيتون...

يسأل: ما هو المنفى؟

قال الشيخ: أن لا تكون أنت أنت.

صمت الشيخ ثم تابع: نم قليلا أيها الولد... سأحرس أحلامك...

أراح الولد على الصخرة رأسه... يهدهده البحر وهمس الأشجار... كان في تلك اللحظة يحلم بالليل على سفوح الجليل... بفكرة تنبض في ضوء القمر كما البذرة.

صمت الولد تأمل وجه البحّار... قال: أيها البحّار العارف بالأوطان وبالأنواء وقناديل البحر ينبؤني الحدس البحريّ أنك تشبه "صاحب قبر له رقم (230191)" هو صديقك... أليس كذلك...؟ عنيد مثلك، ويحمل أيضا قلما ولا يرسم إلا بالأسود والأبيض... يقول لكي يبقى الحد الفاصل بين الليل الداجي ونهار يشرق كالصبح... اسمه ناجي... لم يستطع العودة مثلك أيضا... فنام هناك بعيدا... بين الصنوبر في لندن... هو أيضا يرفض أن ينسى... بل ومنذ عام الرّماد الأول يرفض حتى أن يكبر... طفل في السادسة وينسي أن يكبر... ينتظر ويحلم بقمر معلق فوق الجليل حتى يعود إلى "الشجرة"...

نظر البحّار بعيدا... غامت عيناه... ارتجف القلب... همس: نعم ... هو صاحبي... كما كان صاحبي أيضا صديق مات على سرير له رقم أيضا... (السرير رقم 12) .

نظر الولد في عمق الليل قال: ما هو الوطن؟

- أن تكون أنت أنت... هو نقيض المنفى...

- وكيف يكون...؟

- إنه يشبه فكرة... تتحقق بالبأس وبالفرح! تابع سيرك... تفهم.

- حسنا... وكيف تفقد البذرة فكرتها؟

- حين تصبح أنت مجرد كذبة.

- لن أصبح كذبة

- إذن ستكون فلسطين حقيقتك الأزلية

ابتسم الولد... فأضاءت عكا تتحدى البحر.. كما غزة.