لعل أهم نتائج الانتخابات البرلمانية التركية الأخيرة، تتجاوز فشل اردوغان التحول إلى " سلطان " كما تتجاوز انتصار حزب الشعوب الديمقراطي الذي شكل حضوراً رسمياً للأكراد في البرلمان التركي إلى ما هو أبعد من ذلك، هنا نشير إلى نتائج هذه الانتخابات التي قد تشكل عقبة حقيقية أمام نجاح أحمد داود أوغلو بتشكيل حكومة ائتلافية، ليس فقط لأنه قد تعود طوال ما يزيد عن عقد من تشكيل حكومات تركيا إلى الاعتماد على حزبه، العدالة والتنمية، في مثل هذا التشكيل، بل لأن حزباً واحداً فقط أبدى استعداده للمشاركات في حكومة ائتلافية بشروط لن يقبل بها حزب العدالة والتنمية برئاسة أوغلو.
النتيجة الأهم لهذه الانتخابات هي أنها قد تكون الدعوة إلى انتخابات جديدة بعد مرور 45 يوماً على فشل أوغلو بتشكيل حكومة ائتلافية، بالتوازي مع إمكانية الدعوة إلى استفتاء شعبي حول تعديل الدستور، الأمر الذي يعني تحول أردوغان من رئيس للبروتوكول الرئاسي، إلى سلطان حقيقي بصلاحيات واسعة ومطلقة، هذه الدعوة ممكنة لأنها تعتمد على موافقة ثلث أعضاء البرلمان، وهو ما يستطيع حزب العدالة والتنمية توفيره بسهولة، وبالتالي هناك سباق محتمل بين فشل أوغلو بتشكيل حكومة ائتلافية والدعوة إلى استفتاء شعبي حول تعديل الدستور.
حزب الشعوب الديمقراطي، الذي وصل رسمياً إلى البرلمان، ضارباً استطلاعات الرأي التي منحته 8 بالمئة على وجهها، إذ تمكن من حيازة مايزيد 12 بالمئة من المقاعد، وكان الأكراد في البرلمان السابق، قد حصلوا على29 مقعداً، بشكل فردي مستقل تهرباً من نسبة الحسم التي لم تكن تمنحهم في السابق فرصة تجاوزها.
حزب الشعوب الديمقراطي، هو الواجهة لحزب العمال الكردستاني، كما يرى معظم المراقبين، أعلن أنه لن ينقذ أردوغان وحزبه المتسلط وسيظل شوكة في حلق تطلعاته إلى السلطنة، وذلك من خلال رفض الحزب، بأي حال من الأحوال المشاركة في حكومة أوغلو.
أما حزب الشعب الجمهوري، وهو حزب اشتراكي ديمقراطي علماني، فقد أعلن هو الآخر رفضه المشاركة في حكومة ائتلافية برئاسة أوغلو، نظراً للخلافات الأيديولوجية الأساسية مع حزب العدالة والتنمية، لكن الفرصة الوحيدة أمام تشكيل ائتلاف حكومي برئاسة أوغلو فتأتي بالمشاركة مع حزب " العمل القومي " الذي أعلن استعداده للمشاركة في الائتلاف الحكومي، شريطة عدم طرح مسألة تعديل الدستور، أو الاستفتاء عليه، وهو الأمر المرفوض من قبل حزب العدالة والتنمية في مثل هذه الحالة، فإن الاحتمالات القائمة تتلخص في إمكانية حقيقية للدعوة إلى من انتخابات جديدة بعد 45 يوماً من تكليف أوغلو بتشكيل الحكومة، في حال فشله بهذا التشكيل، وإمكانية أخرى للدعوة إلى استفتاء شعبي حول تعديل الدستور بموافقة ثلث أعضاء البرلمان.
المهم في إطار هذه الإمكانيات والاحتمالات، أن لا ضمان أكيد من خلال انتخابات برلمانية جديدة، أو استفتاء على الدستور، بتحقيق حلم أردوغان بالسلطنة، وسيظل القصر الذي شيده لهذا الغرض، والذي يشبه في تصميمه مقراً سلطانياً، وليس رئاسياً، مجرد قصر ساهم في إبعاد الناخبين عن التصويت لصالح العدالة والتنمية، كما جرت الأمور طوال 12 عاماً.