Menu

إصلاح أم تغيير؟

حاتم استانبولي

إصلاح يعني ان نقوم بتجميل ما هو قائم وتنفيذ الاجندات الاقتصادية والسياسية في اطار النهج القائم الذي ادى للحالة القائمة . الصراع بين الجهاز البيروقراطي الذي راكم المديونية عبر (ادارة سيئة لمقدرات البلاد في الحد الادنى والنهب وانتشار الفساد في حده الأعلى ) وبين الليبرالي الذي دخل من اجل الاصلاح ولكن من على قاعدة شروط صندوق النقد الدولى ورؤيته وطرح رؤية للحل هي جيب المواطن التي هي اصلا فارغة ولا يمكلك المواطن الحد الادنى من العيش الكريم . فقد توصل الطرفان ان حل صراعهما يكون من خلال تحميل الشعب فاتورة الدين وفوائده.

المشكلة القائمة غير عادية وتتطلب عقلية وادوات ووسائل غير عادية للخروج منها.

المشكلة تحمل عدة عناوين سياسية واقتصادية وثقافية وعدم حلها بالطرق السليمة وبعقلية من خارج الاتجاهين البيروقراطي والليبرالي ستؤدي الى حالة من التكرار للتجارب الحكومية السابقة وستراكم الازمات التي ستؤدي الى خلل في البنية الأجتماعية مما يؤدي الى تصدعات لا يمكن ترميمها او اصلاحها .

الاهم في العناوين الثلاث القائمة هي المشكلة الثقافية التي يجب ان نخرج من اهم عناوينها التي تشكل عامل كابح ومعطل لأية رؤية تسعى للتغيير .

نتيجة السياسة المتراكمة السابقة نرى ان الجهاز البيروقراطي في كافة القطاعات بنى على اساس عقلية ترى ان هنالك جزأ من المجتمع هو احق في المناصب الادارية والتنفيذية في الدولة ومؤسساتها ورهن هذه المؤسسات لهذه العقلية وانعكس ذلك على كل مؤسسات الدولة والمجتمع ووصلت حتى مؤسسات المجتمع المدني مما ترك انطباعا لجزء كبير من المجتمع على انهم خارج منظومة الدولة . هذه الثقافة التي شكلت بؤرة خصبة لأنتشار عدم المحاسبة وتفشى عدم الكفاءة في اخذ المناصب العامة واعتمدت معايير للتوظيف قائمة على اساس القرابة والمحسوبية .

وللحفاظ على هذه الثقافة التي لا تعتمد على معايير المواطنة وسيادة القانون على الجميع كان بالضرورة اعتماد قوانين وتشريعات تعزز هذه الثقافة واهمها قانون الأنتخاب والاحزاب . واجتمع الأتجاهين البيروقراطي والليبرالي على محاربة العمل السياسي والفكري المنظم عبر الأحزاب التي تشكل نقيض لسياسة الحلف ودائما ما كانوا يشنون هجمات اعلامية ضد العمل الحزبي المنظم عبر اطلاق مجموعة من المصطلحات التي تقلل من دور العمل الحزبي والسياسي . وبذات الوقت كانوا يدعموا انتاج شخصيات فردية في كل مرحلة لتكون بديلا للعمل الحزبي المنظم واختيارهم من صفوف القوى والأحزاب ليشكلوا عامل نزف وضعف للاحزاب بغض النظر عن لونها وفكرها .

هذه المشكلة افرغت الساحة السياسية من معارضة جدية للاتجاهين في الفترة السابقة بالاضافة الى ان حل المشكلات كانت تقوم على اساس الحل الخارجي من خلال استحضار المساعدات والديون الميسرة التي تراكمت فوائدها . ومع ازدياد حجم المديونية كان الضغط السياسي يزداد من اجل تمرير اجندات سياسية خارجية التي لم يستطع راس الدولة تحملها وادرك ان الحل لا يمكن ان يكون الا داخلي وفي هذا السياق تفهم مناشداته من اجل تطوير الأداء الداخلي حتى وصل به الامر للطلب بالضغط القاعدي على السياسيين من الواضح ان هنالك عقبات جدية وتحالف متين بين الاتجاهين الليبرالي والبيروقراطي ضد اي تغيير جدي حتى لو صدر من اعلى سلطة في الدولة .

والاتجاهان يحاولان توحيد صفوفهما من اجل حل المشكلات على حساب معيشة المواطن على قاعدة عدم المحاسبة للجهاز البيروقراطي عبر تمرير الأجندة الأقتصادية وتبعاتها السياسية لليبرالي (الكمبرادوري) .

اما سياسيا فان راس الدولة ادرك ان تمرير صفقة القرن تستلزم تنازلات تاريخية وعقائدية لا يمكن ان يتحملها وستترك اثار تدميرية على صيغة الدولة وهنا فان مجابهة هذه السياسات لن تكون الا من خلال الاستناد الى العامل الداخلي لتمتينه وتعزيز الوحدة المجتمعية وهذا لن يكون الا من خلال تغيير في الاداء واعطاء حيز واسع لسيادة القانون على قاعدة المساواة في الحقوق والواجبات . ولكي تكتمل هذه السياسة علينا ان نحدد الخطر الرئيسي الداهم خارجيا وداخليا .

خارجيا ما زالت قيود وادي عربة وملحقاتها واسلو ونتائج فشله تشكل الخطر الداهم على المجتمع والدولة واذا ما اخذنا موقف موقع اسرائيل في نادي باريس الذي مهمته اعادة جدولة الديون فاننا ندرك مدى الخطر الذي تشكله ان كان سياسيا او اقتصاديا . ان اية رؤية للأمساك بمدخل الحل تاكيد على وحدة المجتمع اولا بكل اطيافه ومكوناته وان الظلم لا يفرق بينهم . ثانيا تحديد ان الخطر هو استمرار التحالف بين البيروقراطي والليبرالي وامتداداتهم الداخلية والخارجية . التاكيد ان اي حل يجب ان يقوم على اساس تمتين الوحدة الداخلية عبر فصل السلطات الثلاث على قاعدة سيادة القانون واحترام حقوق المواطنة . وانجاز قانون انتخابي يخرج من قمقم المحاولات الدائمة لتفصيله على مقاس التحالف بين البيروقراطي والليبرالي (الكمبرادوري). دعم ثقافة العمل الحزبي القانوني . تفعيل قانون المحاسبة للمسؤولين الذين يستخدمون مواقعهم للكسب الشخصي او العائلي او العشائري . التعامل مع المواطن حسب كفائته وخبرته ودوره في المجتمع .

والأهم اعادة الثقة بين المواطن والدولة والحرص على ان يقوم ممثليها بتغيير نمط سلوكهم وحياتهم ليتوافق مع حجم المشكلات القائمة. تشكيل حكومة انتقالية لتصيغ قوانين وتشريعات تتوافق مع حقوق المواطن وحريته ومشاركته الفاعلة. ان ما تشهده شوارع المدن والقرى يؤكد ان الشعب بكل فئاته هو مع التغيير في المنهج وليس في الشكل هذا التغيير الذي يتطلب عقلية جديدة عبر ادوات ووسائل جديدة.تكون مصلحة الشعب ووحدته هي الناظم والحفاظ على الدولة هو المعيار.