حيثما وليت وجهك شرق بلدة جباليا ومخيمها تغطي نظرك أطنان من القمامة خلال ساعات النهار، وبالطبع لن تستطيع النوم حتى في بيتك مع حلول الليل، لأن القلوب ستحترق حين تصبح أعمدة الدخان سماء لأهل شمال غزة.
ما طرأ على حياة سكان المناطق الشرقية شمال قطاع غزة مؤخرا، هو 150 طن من القمامة تلقى يوميا بجوارهم، مواد صلبة، بلاستكية، حيوانات ميتة، جيف، تبث رائحتها لعشرات العائلات القريبة شرق بجباليا مرغمين طائعين. هذه النفايات تشتعل فيها النيران – بفعل مجهول-لتطلق ادخنتها القاتلة التي تغطي سماء شمال القطاع في امسيات هذا الصيف القائظ.
يقول أبو العبد وهو مواطن يسكن قرب محرق النفايات الجديد شرق جباليا " نحن نموت كل يوم بهدوء بعدين عن كل شيء لا نستطيع التنفس بفعل إحراق القمامة لا أحد ينظر إلينا".
وأضاف أبو العبد الذي له 3 أطفال يعمل في السلك الحكومي لذلك احتفظ باسمه كاملا " بلدية جباليا تحرق عشرات الأطنان هنا يوميا لأنها لا تستطيع نقلها الى مكب النفايات الرئيسي في جحر الديك (وسط قطاع غزة)".
يستطرد أبو العبد "لا أحد ينظر إلينا قبل مكب النفايات ولا بعده كما قلت لك نحن نموت بهدوء هنا البلدية لا يوجد لديها المال لنقل النفايات الى حجر الديك وحرقها يوفر عليهم الكثير"
ابو العبد قطع مسافات طويلة للحصول على مياه صالحة للشرب من مكان منزله/ يضع منشفة مبللة أثناء زيارة مراسل بوابة الهدف الى مكب النفايات بفعل استمرار تصاعد الدخان الناتج عن احتراق النفايات في المنطقة التي تحوي منازل ومزارع للمواطنين.
وعن وجود آثار لإطفاء الحريق قال أبو العبد" بالفعل البلدية تأتي لإطفاء الحريق في حالة واحدة فقط عندما يقوم الاحتلال بالاتصال على الصليب الأحمر لإطفائها فتأتي البلدية على الفور لإخمادها".
المواطن نائل خضر والذي يقطن في حي الجرن وسط جباليا والتي تبعد قرابة الـ2كم عن مكب النفايات يقول " كل يوم تخنقنا هذه السموم والسرطانات التي تنشر في الهواء دون مقابل، وبدل ان تحارب البلدية هذه الأوبئة تنشر بالمجان في الهواء دون رقيب او حسيب، الإنسان مهان في كل لحظة في غزة ، والحياة هنا غير مشجعة على الإطلاق ونحن تحت الأغطية نشعر بضيق صدورنا من الروائح التي أصبحت تدخل البيوت دون أي مانع".
عزبة عبد ربه والتي تطل على مكب النفايات ويقطنها مئات العائلات، هجرها ذويها في ساعات المساء بفعل الأدخنة التي ترافقهم في منازلهم بدل راحة العبادة والتهجد في رمضان كما يقول رامي عبد ربه.
يكمل رامي وهو طالب ثانوية عامة "في فترة الاختبارات كنا نضع كمامة أثناء الدراسة داخل المنزل نعم كمامة لأننا كنا نشعر بدوار حقيقي وغثيان من الرائحة، شقيقي كان يغادر الى منزل أخي في منطقة أخرى هربا من الرائحة لا نستطيع فعل شيء على البلدية ان تدرك انها مسئولة عن توزيع السرطان هذا".
بلدية جباليا النزلة على لسان مدير دائرة الصحة والبيئة المهندس ناصر النجار نفي بشدة أن تكون البلدية هي من تحرق القمامة قائلا إنها "بفعل فاعل مجهول، تحاول البلدية والأجهزة الأمنية معرفته".
وتابع النجار في حديث لبوابة الهدف الإخبارية" في مقر عمله بالبلدية " ان البلدية تقوم بإطفاء الحريق في اغلب الأحيان وتحرك سيارتها رغم الأزمة المالية الحادة التي تضرب البلدية وهي التي تعتمد على إمكانات ذاتية من الجباية في تحسين وضعها المالي ودعم البنية التحتية في جباليا".
يقول النجار "بلدية جباليا النزلة تقوم بأعمال مضاعفة عليها بسبب الأزمة المالية ما يدفعها لنقل القمامة الى شرق جباليا، سيارات النقل أصبحت قديمة لا يوجد ميزانية لشراء السولار لنقلها ننتظر مشاريع من عدد من المؤسسات أحدها مشروع من UNDP ،لذلك نضطر لنقلها الى شرق جباليا، في انتظار مشروع من المؤسسات الدولية خلال الفترة القريبة القادمة وسيتم التخلص من المكب في أقرب فرصة بعدها، البلدية عاجزة تماما من نقلها بصورة ذاتية لأنها تجد مشقة أصلا في توفير 60% من الرواتب الشهرية للعاملين فيها بسب الحصار وعدم تلقي البلدية أي دعم من الحكومة (حكومة الوفاق) او حتى من حماس".
وطالب النجار المواطنين بالإبلاغ فورا عن أي شخص يقوم بإحراق القمامة لأنها تشكل مكره صحية كبيرة على أهلي جباليا وشمال غزة، وتقع المنطقة التي تقدر بعدة دونمات خلف مقبرة "الشهداء "شرق جباليا.
ويبلغ سكان شمال غزة يقدر بـ300 ألف نسمة ما نسبته 20 % من تعداد سكان القطاع أغلبهم في مخيم جباليا يبرحوا الى نومهم قسرا في ساعات الليل حيث تتسرب إليهم أدخنة سامة بفعل حرق هذه الأطنان من القمامة شرق جباليا فتحرق القلوب التي في الصدور. مع دخول شهر رمضان الكريم أصبح استنشاق هذه الأدخنة أمر روتينا لألف السكان في ليل سحورهم فأصبحا الرائحة الكريهة تتجرع لأنها ما فتئت تكرر موتا عاشوه بكل الوانه.
وتفرض "اسرائيل" حصارا برا وبحري وجويا على قطاع غزة منذ أكثر من 9 أعوام، كانت قد سبقتها سنوات أخرى من التضييق المعيشي على القطاع من قبل الاحتلال، وفي الأعوام الأخيرة الماضية نال الحصار، من كافة تفاصيل وشؤون الحياة في القطاع وجعلت من غزة وفق وصف المؤسسات الأممية "مدينة لا تصلح للحياة" .