Menu

مصر والقضية الفلسطينية وضرورات التحرك

اللواء محمّد إبراهيم

تأتى المبادرات المطروحة فى مجال القضية الفلسطينية فى إطار محاولات تحريك هذه القضية وانتشالها من جمودها الراهن, وتبرز من بين هذه التحركات المبادرة الفرنسية الأخيرة ذات النقاط الثلاث التى طرحها وزير الخارجية الفرنسى لوران فابيوس على السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال لقائهما فى القاهرة يوم السبت 20 من يونيو الحالي.

بالرغم من أى جهود إقليمية ودولية مبذولة يظل الدور المصرى فى القضية الفلسطينية دوراً محورياً لا غنى عنه رغم أى ظروف أو معوقات, وهو الأمر الذى أثبتته تطورات هذه القضية المركزية فى جميع مراحلها, ويتميز الدور المصرى بمميزات متفردة تكاد لا تنافسه فيها أى أدوار أخرى لها اهتمامات مختلفة بهذه القضية, ويمكن تحديد أهم مميزات الدور المصرى المتفرد فيما يلى:-

1- أن القضية الفلسطينية هى قضية أمن قومى مصرى ومن ثم فإن التحرك المصرى فيها ليس من قبيل البحث عن دور, أو استكمال تحركات إقليمية, أو تعاطف معنوى مع قضية شعب يبحث عن هوية, وإنما هو تحرك ينبع من معطيات حقيقية تفرض حتمية هذا التحرك .

2- أن مصر هى أكثر الدول التى تعاملت عن قرب مع هذه القضية, وقدمت العديد من التضحيات دون النظر إلى أى اعتبارات أو مصالح خاصة, بل يمكن القول إن مصر تعتبر من أكثر الأطراف إلماماً بتفاصيل هذه القضية المعقدة, كما شاركت بخبرائها فى العديد من المفاوضات المتعلقة بالقضية ومن بينها ترتيبات اتفاق أوسلو.

3- أن مصر لم تسع فى يوم من الأيام إلى أن تخلق لنفسها فصيلاً فلسطينياً موالياً لها, بل تعاملت مع القضية ككلٍ متكامل ووقفت على مسافة واحدة تجاه جميع الفصائل الفلسطينية .

4- أن مصر تتمتع بعلاقات متميزة مع جميع الأطراف المباشرة والمعنية بالقضية الفلسطينية, الأمر الذى أتاح لها حرية التحرك مع هذه الأطراف وتبادل الأفكار والرؤى لحل القضية .

بالتالى فإن هذه العوامل مجتمعة - وغيرها - وفرت لمصر مساحة كبيرة للتحرك,ومناخاً مواتياً لدور مؤثر لا يمكن تجاهله أو تخطيه أو محاولة إقصائه سواء عن عمد أو غير ذلك, وليس أدل على ذلك من أن المشروع الوحيد لإنهاء الانقسام الفلسطينى منذ عام 2007 وحتى الآن هو مشروع مصرى تم بلورة بنوده بكل تفاصيله فى القاهرة وذلك بالتوافق مع الرئيس الفلسطينى أبومازن وجميع القوى والفصائل الفلسطينية دون استثناء من الواضح تماما أن القضية الفلسطينية تمر حالياً بحالة من الجمود الشديد قد يكون غير مسبوق، بل إن أولويتها تتراجع بفعل القضايا الإقليمية الأخرى التى قفزت على السطح وفرضت نفسها كمحور اهتمام على المستويين الإقليمى والدولي, ويزداد الأمر صعوبة بتولى حكومة إسرائيلية جديدة مقاليد الحكم لا تؤمن بحل الدولتين إلا بالشكل الذى يتواءم مع مصالحها ويفرغ حل الدولتين من مضمونه, بل يضع عقبات مؤكدة أمام إمكان قيام دولة فلسطينية مستقلة .

وإذا كان الأمر يشير إلى عدم وجود أى دلائل فى الأفق من شأنها تحريك القضية الفلسطينية, تبدو هنا أهمية الدور المصرى وأهمية أن يعيد القضية إلى دائرة الضوء مرة أخري, فالوقت بالتأكيد ليس فى مصلحة القضية, بالتالى ليس فى مصلحة استقرار المنطقة فى ظل استمرار سياسة الاستيطان الاسرائيلى المتسارعة فى الضفة الغربية,وتهويد القدس , وتغريد قطاع غزة حتى الآن بعيداً عن سرب المشروع الوطنى الفلسطيني.

فى ضوء ما سبق تبدو أهمية بدء مصر - التى تستعيد دورها الإقليمى عن جدارة -القيام باتصالات تمهيدية مع كل الأطراف المعنية بالقضية للتوافق حول عاملين أساسيين، أولهما تحديد مرجعيات مقبولة للتفاوض حتى لا تسير المفاوضات فى حلقة مفرغة, والثانى تحديد توقيت لاستئناف المفاوضات ضمن إطار زمنى معقول, ويا حبذا لو بدأت مصر من الآن فى الشروع فى هذه الاتصالات التى - رغم صعوبتها - لابد أن تثمر عن تغيير فى واقع الجمود الحالى .

إننى هنا وأنا أتناول طبيعة الدور المصري, لا أتحدث عن شرف المحاولة فهو أمر لم نعرفه ونحن نتعامل مع هذا الملف منذ عقود, وإنما أتحدث عن تحرك واع مرتبط بأهم القضايا المؤثرة على الأمن القومى المصرى وهى القضية الفلسطينية , وأنا على يقين بأن هذا التحرك سوف يجد ترحيباً من أطراف عديدة تنتظر المبادأة والمبادرة المصرية حتى بالتنسيق مع بعض الأطراف الأخرى بما فى ذلك المبادرة الفرنسية الأخيرة التى حرص وزير خارجيتها على التنسيق مع مصر أولاً, ويكفى أن نؤكد أن الدور المصرى يكاد يكون الدور الوحيد المرحب به تماما من جانب الشعب الفلسطينى الذى يستحق فى النهاية أن تكون له دولته المستقلة, ولا أشك لحظة أن مصر لن يألو لها جهد حتى ترى هذه الدولة الوليدة وهى تنعم بالاستقلال والاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط

 

نقلاً عن: الأهرام