تتزايد تحذيرات الخبراء من مخاطر الإفراط في التعرض للشاشات خصوصا شاشات الهواتف الذكية والألواح الإلكترونية والحواسيب والتلفزيون، مع التأكيد على ضرورة تأطير استعمالها في نطاق الأسرة بالنسبة للأطفال والمراهقين.
ويقول الخبراء إنّ "هذه المنتجات التي تحظى باهتمام الأطفال تأخذ أهمية متزايدة في تفكيرهم وتصل إلى إبعادهم عن الحياة الحقيقية، بما في ذلك الحصول على المودة الأبوية والتمتع بها، الأمر الذي يمكن أن تكون له عواقب وخيمة على التطور النفسي للطفل وتحقيق الذات عند البلوغ".
إنّ الحاجة إلى العلاقات أهم من الحاجة البيولوجية خصوصًا في مرحلة الطفولة، وفق المختصين، لدرجة أنه من الممكن للطفل -وبالرغم من معاناته من سوء التغذية مثلًا في مقابل حصوله على ما يكفي حاجاته من المودة- أن يصبح "شخصًا بالغًا مسؤولًا ومتوازنًا وقويًا"، في حين أن الطفل الذي حرم من عاطفة الوالدين قد يصبح "بالغا خاملًا وخاضعًا".
وبالإضافة إلى ما تتسبب به هذه الشاشات من عزل تدريجي للطفل عن واقعه وعن أسرته، فهي تشكل خطرًا على صحته بسبب الإشعاعات المنبعثة منها؛ ويلفت الخبراء إلى محتوى البرامج الموجهة للأطفال عبر مختلف الشاشات، والتي تتضمن عمومًا رسائل تسبب اضطرابات في طريقة تصميمه للأشياء ثم تؤثر في سلوكه عند البلوغ.
ومن خلال التقليل من خطر التعرض للعنف، ندفع حدوده في المجتمع إلى المقبول. وفي هذا الصدد يجب الانتباه إلى أنّ ألعاب الفيديو ذات الشعبية العالية بين الأطفال والشباب، والمليئة بمشاهد العنف، تشكل حوافز مباشرة للجريمة والجُنوح.
كما أنّ الرسوم المتحركة بدورها باتت مليئة برسائل مُموّهة، غير محسوسٍ بها للوهلة الأولى، ولكن الأخصائيين بدأوا بالعثور عليها تدريجيًا، بما في ذلك التلميحات الضارة التي يمتصّها المستهلك: الطفل أو المراهق الشاب، باللاوعي. وتساهم هذه الرسائل التي يصعب اكتشافها في تكوين شخصية الطفل وقد تؤدي إلى انحراف سلوكياته عند البلوغ.
كما أن طريقة صنع الرسوم المتحركة التي تبث للأطفال اليوم بصورها السريعة والحية والفوضوية والمرفقة بأصوات حادة وعنيفة، تعد مصدر تأثير سلبي على شخصية الطفل، وتشكل بمرور الوقت وكثرة متابعتها إدمانا تلقائيا لصالح مصمميها.
وبالإضافة إلى الأطفال، فإن الشباب والبالغين ليسوا أقل تأثرا بالإفراط في استخدام الشاشات الإلكترونية كونها تلفت الانتباه إلى العديد من المعلومات الفوضوية والمتفرقة، وبالتالي تزعزع الاستقرار المعنوي والجسدي لدى المتقبل، بحسب مجاني.
كما أنّ التعرض المفرط للشاشات يقود الصغار إلى التوحد غير الوراثي، أي التوحد “المكتسب”. ويعتبر هؤلاء حاملين لنفس الأعراض التي يعاني منها الطفل المولود بالتوحد مع خطر البقاء بها مدى الحياة. "بات هذا واقعًا علميًا تم إثباته من العديد من فرق البحث في بلدات مختلفة"، وفق الخبراء.
وبالإضافة إلى التوحد المكتسب يمكن أن يعاني الأطفال بسبب التعرض المفرط للشاشة من اضطرابات إدراكية ومعرفية بما في ذلك عسر القراءة وخلل الحساب وخلل النطق والصعوبات اللغوية واضطرابات التفاعل مع بيئتهم.
هذه الظواهر، الناتجة عن الاستعمال المفرط للشاشات الإلكترونية بأنواعها، تنتشر بسرعة، سيّما بين الأطفال.
في هذا السياق، يدعو الخبراء إلى ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة ضد هذه الظواهر و"إنقاذ الأطفال" وذلك عن طريق الحد من الوقت الذي يقضونه أمام الشاشات وعلى شبكة الإنترنت انطلاقا من البيت والأسرة. وبالإضافة إلى محدودية الوصول إلى هذه المصادر فإن الرقابة الأبوية والتفاعل القوي مع الطفل يعدان أمرًا حتميا لإدماج الطفل في الحياة الأسرية والاجتماعية وتدعيمه.
وفي نتائج أوّلية لدراسة حديثة واسعة أجرتها المعاهد الوطنية الأميركية للصحة وكشفت، تبيّن أن دماغ الأطفال الذين يمضون وقتا طويلا أمام الشاشات يظهر تغيّرات. وفحصت الدراسة أدمغة 4500 طفل بين سن التاسعة والعاشرة ووجدت "مسارات مختلفة في دماغ الأطفال الذين يمضون أكثر من 7 ساعات يوميًا أمام جهاز ذكي". وبيّنت تراجع في سماكة قشرة الدماغ بشكل مبكر وهي القشرة الخارجية التي تعالج بيانات الحواس المرسلة إلى الدماغ.
وأظهرت البيانات أن الأطفال الذين يمضون أكثر من ساعتين في اليوم أمام الشاشات يحققون نتائج أسوأ في امتحانات اللغات والتحليل المنطقي.