Menu

دراسات: التقليل من الملح خطرٌ بقدر الإكثار منه

تناول الفواكه والخضروات يحيّد الآثار الضارة للملح

بوابة الهدف_ وكالات

يحذر العلماء من مغبة الإقلال من الملح في الطعام باعتبار أن ذلك لا يقل خطرًا عن التسبب في ارتفاع ضغط الدم، بمعنى أن الإقلال من الملح إلى حد معين قد يؤدي، كزيادته، إلى الرفع من ضغط الدم. وأظهرت دراسات أن هناك أشخاصا أكثر حساسية للملح بشكل يجعلهم أكثر عرضة لارتفاع ضغط الدم جراء تناوله.

وكشفت دراسة مجمعة، نشرت نتائجها هيئة الإذاعة البريطانية “بي.بي.سي”، عن وجود صلة بين تدني الملح والإصابة بأمراض القلب والأوعية والوفاة. وقال الباحثون في هذه الدراسة إن تناول أقل من 5.6 غرامات من الملح يوميا، أو أكثر من 12.5 غراما منه، يؤدي إلى متاعب صحية.

وخلصت دراسة أخرى بمشاركة أكثر من 170 ألف شخص إلى نتائج مشابهة من وجود صلة بين تدني الملح إلى أقل من 7.5 غرامات وارتفاع إصابات القلب والأوعية الدموية والوفاة، لدى أشخاص منهم من عانى الضغط المرتفع وآخرون لم يعانوا منه، وذلك مقارنة بمن كانوا يتناولون قدرا “معتدلا” من الملح يصل إلى 12.5 غراما يوميا (أي نحو ملعقة ونصف إلى ملعقتين صغيرتين ونصف من الملح) وهذا القدر المعتدل يناهز ضعف الحد الموصى به يوميا في بريطانيا.

وقال خبير الأمراض المتعلقة بالتغذية في جامعة مكماستر بأونتاريو، آندرو مينت، والقائم على هذه الدراسة، إلى أن خفض كمية الملح من حد مرتفع إلى معتدل يقلل مخاطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم، بينما لا تعود فائدة تذكر على الصحة من خفض الملح إلى أقل من ذلك، بل قد تكون هناك فائدة من زيادة الملح من مستوى متدن إلى معتدل.

ويقول مينت “يتفق ما خلصت إليه الدراسة من فائدة الإبقاء على مستوى معتدل مع ما نعرفه عن المغذيات الأساسية.. إذ يقود الإفراط منها إلى السمية فيما يؤدي الافتقار إليها إلى متاعب أخرى. وخير الأمور الوسط”.

وأشار تقرير الـ”بي.بي.سي” إلى أن فرانسيسكو كابوتشيو، أستاذ أمراض القلب والأوعية الدموية بكلية طب جامعة ووريك، والمسؤول عن الدراسات المجمعة لثماني سنوات، يصر على أن الإقلال من الملح سيؤدي إلى انخفاض ضغط الدم لدى الجميع.

ويقول إن النتائج المغايرة هي لدراسات قليلة خلال السنوات الأخيرة، وقد اعتمدت على مشاركة أشخاص معتلين في الأصل، واستندت إلى بيانات معينة، ومنها دراسة مينت التي اعتمدت على عينات بول فورية لصائمين بدلا من الاختبار الأكثر وثوقا بأخذ عدة عينات على مدار 24 ساعة كاملة.

وتقر المديرة العلمية بالمؤسسة الخيرية للتغذية البريطانية، سارا ستانر، بقوة الأدلة القائلة إن تقليل الملح لدى مرضى الضغط المرتفع مرتبط بانخفاض ضغط الدم، والإصابة بأمراض القلب.

وتشير إلى أنه يندر أن تجد من يتناول ثلاثة غرامات يوميا فقط من الملح، وهو المستوى الذي يصفه البحث السابق بشديد الخطورة، فالطعام الذي نشتريه فيه من الملح ما هو أكثر من ذلك بالفعل دون الحاجة إلى إضافة المزيد.

وتؤكد أن أغلب ما نتناوله من ملح موجود في أطعمة نقبل عليها بشكل يومي، ومن ثمّ توصي بإدخال تغيير جذري على صناعة الأغذية لخفض مستوى الملح.  وتجدر الإشارة إلى أن دراسة أميركية سابقة وجدت أن تقليل نسبة الملح في الطعام قد لا يكون الحل الأمثل لخفض ضغط الدم، حيث توصّل باحثون في جامعة بوسطن إلى أن الأشخاص الذين يتناولون أقل من 6 غرامات من الملح يوميا يرتفع لديهم ضغط الدم في واقع الأمر، وهو ما دفعهم للمطالبة بتغيير الإرشادات التي يتم إعطاؤها لأناس عاديين بخصوص كمية الملح التي يتعين عليهم تناولها يوميا.

وقال الباحثون إن نُصح الأشخاص بتقليل كمية الملح هو أمر بسيط جدا ويتجاهل حقيقة أن الملح يمكنه أن يرفع مستويات الهرمون المسؤول في الجسم عن تنظيم ضغط الدم وإبقائه منخفضا. وبينما يمكن للملح أن يخفض ضغط الدم لدى البعض، فإن خبراء يرون أن البوتاسيوم، المتوفّر في الموز والبطاطس، يمكنه أن يساعد في إحداث توازن، إلى جانب المغنيسيوم والكالسيوم. ويمكن لمستويات تلك العناصر أن تفسر السر الذي يقف وراء انخفاض ضغط الدم لدى بعض الأشخاص الذين يستهلكون أكثر من 6 غرامات من الملح يوميا.

وعلَّق أستاذ الطب لدى كلية الطب في جامعة بوسطن، الدكتور برلين مور، بالقول “يعاني الكثير من الأشخاص المصابين بارتفاع ضغط الدم من حساسية تجاه الملح، وإقدام هؤلاء الأشخاص على تقليل كمية الملح سيساعدهم على خفض ضغط الدم وربما خطر الإصابة بأمراض القلب، ولم تدعم دراستنا تلك الفرضية التي تتحدث عن ضرورة تناول الجميع كمية أقل من الصوديوم لخفض ضغط الدم”.

كذلك تختلف آراء الخبراء حول ما إذا كان يمكن تعويض الأثر السيء لزيادة الملح باتباع أنظمة صحية في مناح أخرى، وبممارسة الرياضة كذلك.

ويقول البعض إن تناول أغذية غنية بالبوتاسيوم كالفواكه والخضروات والجوز والحليب ومشتقاته، يعمل على تحييد الآثار الضارة للملح على ضغط الدم.

وتقول المحاضرة في اقتصاد الصحة بجامعة لانكاستر، سيو ماتيو، إنه ينبغي أن تكون الأولوية للتوعية بالملح غير الظاهر في الطعام بدلا من محاولة الامتناع عنه كلية.

وتضيف “ربما ترتبط المشكلات المتعلقة بزيادة الملح في الجسم بمشكلات مشابهة تتعلق بنقصانه، ولكن يلزم إجراء الكثير من الأبحاث لفهم المزيد حول هذا الأمر، وإلى حين استكمال البحوث اللازمة، على الشخص المهتم بصحته تناول كميات أقل، فكلما زادت كميات الملح صعب التعامل معها، أما الامتناع عن الملح كلية فليس بالأمر الجيد”.

ورغم الدراسات الأخيرة التي تحدثت عن مخاطر الإقلال من الملح، ورغم أن مدى التأثر بالملح قد يختلف من شخص إلى آخر، يظل المؤكد حتى الآن أن الإكثار من الملح يرفع قطعا ضغط الدم. ويوصي الأطباء ألا يزيد ما يتناوله الشخص البالغ من الملح يوميا عن ستة غرامات، أما في بريطانيا فالفرد البالغ يتناول في المتوسط ما يقارب ثمانية غرامات، وفي الولايات المتحدة ترتفع النسبة إلى 8.5 غرامات.

وربع ما نتناوله من الملح يوميا يأتي من إضافة الملح بشكل مباشر، بينما الثلاثة أرباع عبارة عن ملح مضاف في الأغذية التي نشتريها كالخبز والمرق وإضافات الطعام والأطعمة المصنعة.

ومما يزيد الالتباس أن الشركات تشير إلى الملح الموجود بين مكونات منتجاتها من الطعام بوصفه بالصوديوم، ما قد يجعلنا نظن أننا نتناول منه كميات أقل من الواقع.

والملح يتكون من الصوديوم وأيونات الكلوريد، وفي كل 2.5 غرام من الملح ثمة نحو غرام من الصوديوم.