Menu

إضافات الحكيم جورج حبش على الفكر القومي والماركسي

أحمد قطامش

الحكيم.jpg

قدمت في المؤتمر الأول للحكيم

في الذكرى الثالثه لرحيل الحكيم تستحضرني مقوله عرّف بها نفسه ( أنا ماركسي ، يساري الثقافه ، والتراث الأسلامي جزء أصيل في بنيتي الفكريه والنفسيه. أنا معني بالاسلام  بقدر أعتناء أي حركه سياسيه إسلامية. كما أن القومية العربية مكون أصيل من مكوناتي... إنني في حالة انسجام مع قوميتي ومسيحيتي وثقافتي الإسلامية وماركسيتي التقدمية).

  ومنذ البدايات ربط المصير الفلسطيني بالمصير العربي ، النضال الوطني بالنضال القومي . فقضية فلسطين هي قضية عربية وجوهر الصراع العربي ، ولا حل للقضية الفلسطينية إلا في إطار حل عربي ولا انتصار للقضية إلا بانتصار عربي. وكان خلافه أو تقاطعه مع الأحزاب القومية والشيوعية ينطلق من هذه الزاوية.

  في رسالته " للداخل" ، في أواسط الثمانينات ، استعار رموزاً عربية " علينا أن نكون أصحاب رسالة كمحمد وعيسى وأن نتحلى بشجاعة خالد وعدالة عمر "، أما بعد انهيار النظام السوفييتي في أواخر الثمانينات وتفكك سبيكة الدولة، فقد كتب " إن تأثري بالانهيار أقل من سواي فأنا أعرف أن الرأسماليه ليست خالدة وأن البشرية تحلم وتسعى للعدالة ".

 وفي المرحلة العولمية حيث تفاقم التقاطب الطبقي وأستشرى أحتكار الأقلية فيما إزدادت الأغلبية فقراً وقهراً ، فلا حل للتناقض في الرأسمالية بين تطور قوى الإنتاج وجمود علاقات الإنتاج ، إلا بتجاوز التشكيلة الاقتصادية -الاجتماعية ، فالتاريخ لا يتوقف ولا نهاية له .

  وعليه فالركن القومي والركن الأيديولوجي ركنان أصيلان وأداتا تحليل في البنية الفكرية – السياسية للحكيم وهو يسترشد بهما ولا ينفصل عنهما أبداً . و كثّف ذلك بمقولة شهيرة " لا ينبغي أن ينتهك التاكتيك الاستراتيجية ولا أن تنتهك السياسة الأيديولوجيا ".

   قد يبدو سؤال القومية وسؤال الماركسية مركباً ومتناقضاً ، ولكن من يتتبع الحكيم وممارسته السياسية يكتشف حلاً وعلاجاً.

      بداهة ، إن سؤال القومية والماركسية كبير وغامض ، والغوص في إرث الحكيم وبراكسيس الحكيم ، مسألة متشعبة أيضا . فالحكيم أورثنا مسيرة لم تحظ بالتّعمُل البحثي بعد ، رغم ما كتبه عشرات المثقفين العرب عنه. فشرط التّعمل البحثي أن يتم تصنيف ونشر إرثه المكون من آلاف الصفحات " لقد جمعت  95 % منه " حسب تعبيره. ومثل هذا الملف الضخم لمفكر ومنظّر وقائد سياسي في آن ، لا ينبغي حجزه في الرفوف أو السماح بتقادم الزمن عليه ، فهو يتخطى في أهميته حدود الفصائلية الفلسطينية إلى مراكز البحث والطلبة الدارسين وحركة الثورة العربية عموماً ، والذي يعرف عن صلات الحكيم العالمية يعرف أن أهميته لا تنحصر في المنطقة العربية أيضاَ.

  وفي عجالة يفرضها منطق السؤال ومساحة المكان ، أسوق جواباً ، لعله يغطي ما يكفي من جزالة السؤال والتباسه ، بما يتطلبه ذلك من تفكيك وإعادة تركيب ، منوهاً إلى أن فضاءات واسعة من رؤيه الحكيم إنما ارتبطت وتوالدت عن الممارسة السياسية ، الأمر الذي يمنحها خصوصية وقوة بما يحررها من " الكلامالوجيا " و " الأكاديميا " دون أكاديميا ، علماَ أن الحكيم قد دأب على امتداد ستة عقود على اللقاء والحوار مع أبرز المفكرين والمثقفين العرب بما يتمتع به من خاصية الاستماع ، فهو " يتقن الاستماع إليك ، وكأنه يريد أن يعرف منك أكثر مما تريد أن تعرف منه ، أنه تواضع الكبار الذين ينصتون إلى ايقاع الزمن المتغير " م . درويش ، وهو الذي انتقل من أستاذ جامعي بعد أن كان معدله كطالب 96 % إلى طبيب وثوري محترف ، فجمع الثقافي والسياسي مبكراً ، الأمر الذي حدا به لتكليف مثقف هو الدكتور أحمد طوالبه لإدارة مجلة " الرأي" التي صدرت عام 1952 ، وأيضا لم يكن مفاجئاً أن " يتعرف إلى كنفاني وبلال الحسن وفضل وعصام النقيب وأحمد خليفة " منذ تلكم الفترة …. مثلما لم يكن مفاجئاً أن يتناغم مع الدكتور وديع حداد بمزاياه الاستثنائية والنقابي – المثقف أحمد اليماني بإحساسه الطبقي الممزوج بالقاع الشعبي.

   كانت النكبة – التطهير العرقي عام 1948 ، كتراجيديا تاريخية لم تنفك فصولها مستمرة لهذا اليوم ، بمثابة المنعطف الذي قرر شخصية الحكيم وهو الذي أفنى عمره لدحر هذه النكبة ودحر أثارها . ومنذئذ استخلص أن " التخلف العربي والتجربة العربية هما السبب …" وبالتالي " سقطت النظم التقليدية والاقطاعية " دون أن يسقط حلمه الذي تشبث به ولم يتزحزح عنه " تحرير فلسطين ، كل شبر " كموقف وطني وقومي ثابت رافضاَ قرار التقسيم عام 1947 الذي يمنح الييشوف اليهودي 56 % بينما لم يكن لليهود سوى 5،6 % من الأرض ومقاوماً " ما تمخض عن نكبة 1948 …. وهو في الوقت الذي امتدح الدور الوطني للحاج أمين الحسيني راح يمهد لبناء حركه سياسيه – ثقافيه – اجتماعيه جديدة.

محطات قوميه في فكر الحكيم وممارسته

 كانت البداية تأسيس حركة القوميين العرب التي بدأت ارهاصاتها في مطلع خمسينات القرن الماضي واكتسبت هذا الاسم رسمياً عام 1956 كما يشير في كتاب " الثوريون لا يموتون أبداً " وقد امتدت إلى معظم الأقطار العربية.

  صحيح أن الحكيم استند الى نتاجات ساطع الحصري وقسطنطين زريق ، وقام مع رفاقه الأوائل بدرس التاريخ العربي والديانات ..... ولكنه أكد أن " القومية انتماء نابع من الجغرافيا والتاريخ والمصالح المشتركة والثقافة " فهي ليست مقحمة أو متخيلة، إنها سيرورة وصيرورة في آن وتتمايز على سواها من القوميات.

  وأعرب عن اعجابه المبكر " بالثوره " الناصرية ومنجزاتها، بل انخرط القوميون في حكومة الوحدة المصرية – السورية عام 1958. وتشير لقاءات الحكيم مع عبد الناصر أن الحكيم انتقد غياب الديموقراطية، وأن هذا الغياب عامل كبير في انفراط عقد الوحدة والبيئة التي استفاد منها أعداء الوحدة .... "إذ لا يمكن تعبئه الجماهير إلا من خلال الديموقراطية .... الحرية والديموقراطية هما الشرط للسير نحو الوحدة والتطور والتنمية واستثمار إمكانات الأمة ومواجهة الأعداء القوميين ".

  كما أن فرع القوميين العرب في اليمن قاد النضال التحرري ضد المحتل البريطاني وانتزع  الاستقلال لليمن الجنوبي. فيما فرعهم في إقليم ظفار خاض قتالاً ضارياً.

   دون التهوين من دور الحركه في نشر الثقافه التنويريه والنهضويه المنحازة للعلم والعقل والمواطنة والمطلب الديموقراطي التعددي والانتخابي ... جنباً إلى جنب مع تبني سياسات قومية معادية للاستعمار ومعسكر الأعداء وتبيان الترابط بين حلقاته.

   أما هزيمة حزيران 67 فقد اعتبرها الحكيم " هزيمة للنظم وبرامجها " ولا تنتقص من قدرة الأمة العربية على النهوض والانتصار ..... وبالتالي هلّل كثيراَ للانتفاضه الكانونيه 1987 كمبادرة شعبية وضعت الاحتلال في حالة دفاع ، وكان يردد بغتة في أحاديثه أو أثناء تناوله وجبه طعام " لا شيء يعلو على  صوت الانتفاضه " ، و الأمر نفسه كان في انتصار المقاومه اللبنانيه عامي 2000 و2006 ... وبالتأكيد كان يمكن أن يرى في انتصار الجيشان الأنتفاضي التونسي اليوم  مصداقاً لثقته بالشعوب ورهانه على الأمة.

  وحتى عندما حكم عليه القضاء السوري بالإعدام في بداية الستينات واعتقاله عام 1968من  قبل رئيس المخابرات الجنيدي الذي ذهب لمقابلته لعله يحصل على تسهيلات لنشاط المقاومة ، ليجد نفسه في زنزانة انفرادية لمده ثمانيه أشهر إلى أن حرره الشهيد وديع حداد في عملية ذكية دون إراقة دماء ... اختلف مع عبد الناصر على مشروع روجرز 1970 ، واجتثاث البندقية الفلسطينية من الأردن ودوره مع فصائل المقاومة الأخرى في تثوير وإسناد الحركة الوطنية اللبنانية التي سيطرت على 82 % من البلد عام 1976 قبل أن تذبحا ... وكامب ديفيد 1978 وأوسلو 1993.

     والحكيم وقف مليا وعن كثب على التحولات الطبقية – الاقتصادية – السياسية – الثقافية التي طرأت على مصر في فتره السبعينيات وأفضت لكامب ديفيد ، وبين أبعاد ذلك على الأمة العربية والقضية الفلسطينية ، وما نتج عن ذلك من سلخ مصر عن جبهه الصراع وو.... ولم تهتز ثقته بالقومية العربية.

  أما خلاف الحكيم مع سياسات الرئيس صدام فلم تمنعه من المجازفة والسفر من دمشق لبغداد وسط قرع طبول الحرب ، وهو يعلم أنه قد يمنع من العودة ل سوريا ، غير أن الرئيس الأسد قال " هذا رجل قومي صادق وإن اختلفنا معه " وهو أكد للرئيس الأسد " أنا عربي ومن حقي الإقامه في سوريا". وبالتالي مشاركته في مؤتمرات شعبية عربية عديدة ضمت كافة ألوان الطيف السياسي والفكري.

      فالحكيم حكاية قومية. وحكايته تبدأ من أرض القضية القومية الأولى ( قضية فلسطين ) والتي كرّس حياته لها ، بكل ما في الكلمة من معنى ، صانعاً للتاريخ ومشاركاً في خلجاته ومخاضاته ومعاركه ، بما تعرضت له الثورة من مذابح سياسية وعسكرية ، و( كانت بنيته الفكرية والأخلاقية الواضحة شديدة الإحكام والتماسك والعناد ) م . درويش ... وهو لم يتردد في التلاحم المصيري مع شقيقه أبو عمار في معركه بيروت الكبرى عام 1982 والخلاف الاستراتيجي معه على خيار أوسلو ورفضه العودة " تحت راية أوسلو، ودون عودة ملايين اللاجئين " وتصديه المثابر للميول اليمينية التي تمسس بالحقوق التاريخية والوطنية ".

  وسواء نشاط حركه القوميين العرب التي قادها كرجل أول أو تأسيس الجبهه الشعبيه وقيادتها كرجل أول أيضاً ، عندما كانت قوة ثانية تملأ الدنيا بحضورها ، إنما كان الهدف " تحرير فلسطين وعودة أهل البلاد لوطنهم ". والجبهة مسيرة متشعبة ، تستحق كما سواها من الفصائل الأساسيه إجراء دراسات بحثية حولها، وفي الطريق كتاب لي على صله بالأمر.

                 محطات ماركسية في فكر الحكيم وممارسته

" من أراد أن يفهمنا عليه أن يدرك أننا نفكر " ، نقش الحكيم هذه المقولة مبكراً بما يتقاطع مع مقولة لينين " تحليل ملموس للواقع الملموس " وأن " النظرية مرشد للعمل لا عقيدة جامدة " ...

   فالحكيم الذي أثار أسئلة فكرية وسياسية مركبة مستوحاة من الظروف المعقدة والمركبة ، راح يبحث عن الإجابات كعملية عقلية طليقة وحوارية مع رفقائه والقوى الفاعلة وكمونولوج ذاتي ( يفضل أن تخلو بنفسك وتفكر أثناء المشي ولو داخل حجرة مغلقة " وكديالوج مع الواقع ومعطياته ومتغيراته ، فهو دائم التفكير " بعد تفكير بعمق " ينصهر فيها الذاتي والموضوعي " من المعرفة الحسية إلى المعرفة المنطقية " و " الإبداع ، يستخرج ( هذه مفردة يستخدمها كثيراً ) أستخلاصات وتحليلات ... ويحاور ويصغي بعمق للآخرين ، وفي أغلب الأحيان يتكلم بعد الأخرين. فسلاحه ، أولاً ، العقل ، لكن " حزب الطليعة يسترشد بنظرية الطليعة " لينين ، وعلينا أن نفهم " ما هو جوهري في الماركسية وما قيل في زمان ومكان محددين ,,, علاوة على أستيعاب المتغيرات " فديالكتيك النظريه يفرضه ديالكيتك الواقع " ، تنتقد نفسها وتطور نفسها دون توقف ، فهي ليست نصاً مقدساً ولا نهائياً ، وكل شيء في حركه ..." علينا أن نكون ديالكتيكيين " كاسترو . حيث درس الحكيم التجربة الكوبية والتقى بالرئيس الكوبي مرات ... فعقل الحكيم مرتبط بالممارسة ودروسها رغم دراساته المتنوعة وثقافته الغزيرة في مختلف الميادين ... ولأنه كذلك لم تستهوه الجمل الجاهزة ولا المواقف المستوحاة من الآخرين.

   إذ رغم انتقاله إلى المواقع الفكرية اليسارية الماركسية – اللينينية ، ودعوته الثابتة للتحالف مع المعسكر الاشتراكي المناهض للامبريالية... كان على خلاف في عدة قضايا محورية مع الاتحاد السوفييتي:

1- الموقف من إسرائيل ، حيث كان الاتحاد السوفييتي الدولة الثانية التي تعترف بإسرائيل بعد الإعلان عنها عام 1948 ، خلافاً للموقف السوفييتي قبل عامين الذي اعتبر من المتعذر تقسيم فلسطين نظراً للتداخل الاقتصادي – الجغرافي بين المجتمعين العربي الفلسطيني الذي يشكل ثلثي السكان واليهودي الذي أصبح ثلث السكان ... فيما تحدث حبش عن " الجسم الغريب " "الكولونيالي والعنصري " الذي " استحدث المعضلة الفلسطينية " و " مصدر الحروب في المنطقة " الذي " لن يتعايش معه التاريخ " كما " نظام الأبارتهايد في جنوب أفريقيا "... داعياً " لدولة ديموقراطية " وما تخلل ذلك من أشكال نضالية ...

2- الموقف من الأمة العربية والوحدة العربية ، لم يتحمس الموقف السوفييتي حيناً ولم يعبأ أحياناً بهذه المصطلحات ، أما حبش فتشكل هذه المصطلحات ركن ركين وأهداف عظمى في مشروعه الفكري – السياسي ... وراح يتحدث لاحقا عن استنفاد المشروع ال قطر ي لطاقته التقدمية ، وأن لا مخرج من " التجزئه والتخلف " إلا بإقامة الدولة القومية... وهنا تحدث عن ثلاثة أبعاد :

أ – التدرج طالما أن الوحدة الفورية غير متاحة ، خليجية ، مشرقية، مغاربية .... في تجاه اتحادي أو وحدوي ، اقتصادي نحو " سوق مشتركة " وسياسي نحو سلطة مركزية.

ب- الديموقراطية ، فهي شرط لازم وضروة تاريخية ، ودونها لن تستمر أية صيغ وحدوية ، بما تعنيه الديموقراطية من مواطنة وتعددية وسلطة قانون وفصل سلطات ... وأيضا ديموقراطية اجتماعية.

ج – المضمون الطبقي ، فالقوى الاجتماعية التقليدية والبرجوازية القطرية عاجزة عن إقامة دولة الوحدة ناهيكم أن مصالحها الضيقة المحلية وارتباطاتها الخارجية تتناقض معها ، وبالتالي فالطبقات الشعبية من عمال وفلاحين ومثقفين وبرجوازيه صغيرة هي القادرة على تحقيقها كعملية نضالية مديدة.

  3- التطور اللارأسمالي : فالاتحاد السوفييتي ابتكر هذه النظرية مسوغاً علاقاته مع العديد من البلدان في العالم الثالث ، بما في ذلك عدد من الأقطار العربية ، التي تنتهج سياسه ولا تدور في الفلك الإمبريالي ، كالهند ومصر و العراق .... وفي مرحله غورباتشوف دعا الأنظمه في العالم الثالث للتصالح مع الرأسماليه ( المركز الإمبريالي ) .

  أما حبش فقال بأن لا خيار أمام العالم الثالث إلا بالتنميه بالاتجاه الاشتراكي بما يشترطه ذلك من قيادة طبقية ثورية على الطريقة الكوبية والفيتنامية، وبالتالي فالصراع مفتوح مع الإمبريالية والقوى الاجتماعية المحلية المرتبطة بها ( كراكيز الإمبرياليه ) أو ستنهج بلدان العالم الثالث الطريق الرأسمالي الممحوط، وبالتالي ستدور في الفلك الإمبريالي بما يعنيه ذلك من نهب لثرواتها وحجز لطريق تطورها.

  وعليه ابتكر حبش قانون "التحالف والصراع" مع الأنظمه " البرجوازية القومية "، وقال بأن قانون تطور قوى الإنتاج سيقود هذه البلدان نحو الرأسمالية التابعة ، وليس التطور اللا رأسمالي ، في ضوء ما ستشهده القوى الاقتصادية – الاجتماعية من تحولات باتجاه كومبرادوري وبيروقراطي ... وجاءت التحولات في مصر مصداقاً لرؤيته وتتوجت في كامب ديفيد 1978.

     الماركسية ، أساساً ، هي نظرية الصراع الطبقي في البلدان الرأسمالية ، دون نسيان إضافة  لينين عن النضال الوطني ضد الاستعمار ، فتم تحويل شعار البيان الشيوعي " يا عمال العالم اتحدوا " على أيدي لينين إلى " يا عمال العمال وشعوبه المضطهده اتحدوا ". وكان للمنظرين الماركسيين إضافات وإبداعات أيضا، أي كيف حضر الصراع الطبقي؟ وكيف حضر النضال الوطني في بلدانهم؟ وكيف فهموا خصوصية أوضاعهم؟ هنا أضاف الحكيم.

   دأباً على النهج التجديدي والاجتهادي بادر حبش في أواخر 1969 لتأسيس حزب العمل الاشتراكي العربي كحزب ماركسي – لينيني امتد في معظم البلدان العربيه ... متوافقاً في ذلك مع أطروحه لينين بإقامه حزب العمال الاشتراكي الديموقراطي في روسيا (وليس الروسي)، الذي قاد ثورة أكتوبر لاحقاً ، ومتقاطعاَ مع تنظيرات المفكر العربي الماركسي إلياس مرقص في مؤلفه " الحزب البروليتاري العربي ".

  وفي أواخر السبعينات راح يسعى لإقامه جبهه تقدمية عربية ، الشيء الذي وجد صداه في بند برنامجي صريح في قرارات مؤتمر الجبهه الشعبيه الرابع 1981 ، دون أن يقطع صلاته بالمؤتمرات القومية الشعبية التي تضم كافه ألوان الطيف السياسي والفكري والمدني .

  أما على صعيد فلسطين فقاد الجبهة الشعبية كفصيلة يسارية ماركسية – لينينية فدائية ترفض القرار 242 وتسهم مع سواها من الفصائل المقاتلة في اجتراح المأثره الثورية المعاصرة ، وبقي أميناً ومؤتمناً على هذه المأثرة دون التهيب أو التردد في خوض كل المعارك الفكرية والسياسية والإعلامية مع النهج الذي أوصل المسيرة الفلسطينية إلى أوسلو ... بما نتج عن ذلك من حصار وعقوبات مالي ... بل وأرسى قيماً حضاريه في إداره التناقضات الداخلية محرّماً اللجوء للسلاح مميزاً بين جملة التناقضات ( الأساس والرئيس والثانوي والعارض والمؤقت ..) في مقاربة حيوية لفهم الملموس وجدليته ... ولم يكن صدف أن ينأى عن أية صراعات داخليه دمويه.

  وللذود عن المسيره التحرريه وتكريس الهويه الوطنيه وتوحيد إراده الشعب جمع النقيضين :

 أ – الذود عن م . ت . ف.

ب – السعي لحمايتها من الانزلاق والتصدي للهيمنه والقرار الفردي وشطب الميثاق. داعياً لإعادة بنائها كمرجعية شاملة تضم كافة المركبات على أسس ديموقراطية ... وفي حديثه عن قوى الإسلام السياسي ميّز بين " إسلام تقدمي " يتصادم مع الإمبرياليه وإسرائيل وبين " إسلام رجعي " معتبراً الإيمان مسألة ضميرية شخصية ، وإن كان علمانيا يسعى لدولة مرجعيتها القوانين التي تصنعها السلطات التشريعية لا النص الجامد سواء كان دينياً أو غير ديني ... فالحياة متغيرة وكل شيء متغير.

  من منطق الأشياء أن ينظر للحكيم كرمز لامع من رموز حركه التحرر العربية  والفلسطينية ، رمز يحلق في سماء الأحلام الثورية ، فهو حالم كبير ، يبث الثقة بمن حوله ولا يعرف الاستسلام واليأس والتشاؤم ، دائم  الانشغال بسؤال ما العمل؟ و ما يتصل بالغد . حتى أنه حينما أسس " مركز الغد العربي " وكنت أحد المشاركين في مجلس إدارته، كان باعثه الأساس الإجابه عن سؤال: لماذا أخفقنا وما العمل؟ بما يتطلبه ذلك من دراسات معمقة ... وفي هذا السياق صدر كتاب ( إسرائيل من الداخل ) كما نشرت عائلته كتاب ( الثوريون لا يموتون أبداً ) بما يشبه مذكرات مقتضبة يجيب فيها عن أسئلة صحافية محدودة، حيث تتجلى لغته الطبقية والوطنية والقومية وملامح من مشروعه السياسي – الفكري الذي ينأى عن النخبوية والتراخي والزئبقية والمراوغات البهلوانية و " يا وحدنا " والأذدناب للنظام الرسمي والمشروع الأمريكي.

  لقد أصبحت مسيرة الحكيم صفحة في التاريخ العربي المعاصر ، وعامل في صناعة التاريخ .... وبرسوخه على أهدافه وأستشعاره لمسؤوليتة السياسية الممزوجة بأخلاقية الفضيلة، إنما أرسى قوة مثال محرضة ومرشدة لمن يدافع عن هويته الوطنية في إطار هويته القومية ، ولمن ينتمي لهويته الفكرية اليسارية المستندة لهويته الثقافية التاريخية.