Menu

تدمير ليبيا.. تحالفات الاستعمار ومنافساته

طرابلس_ بوابة الهدف

في 4 أبريل/ نيسان الماضي، أطلق المشير  خليفة حفتر هجومًا على طرابلس، معلنًا أن الهدف من وراء هذه العملية العسكرية طرد الميلشيات التي تسيطر على المدينة، ورغم أن قوات حفتر، تمكنت من دخول 4 مدن رئيسية تمثل غلاف العاصمة (صبراتة وصرمان وغريان وترهونة)، وتوغلت في الضواحي الجنوبية لطرابلس، إلا أنها تعرضت لعدة انتكاسات، وتراجعت في أكثر من محور، وعجزت عن اختراق الطوق العسكري حول وسط المدينة، الذي يضم المقرات "السيادية".

منذ العام ٢٠١١ تعاني ليبيا من صراعات متعددة، تركزت مؤخرًا بين حكومة الوفاق المعترف بها دوليا والمشير حفتر الذي يقود قوات يطلق عليها اسم الجيش الوطني، وتحظى بدعم الحكومة المؤقتة والبرلمان الليبي في طبرق، الذي يخوض بدوره صراعًا على الشرعية مع حكومة الوفاق.

هذا هو المظهر لصراع النفوذ الدولي في ليبيا الذي يدفع الليبيين ثمنه من دمهم، وخلف ستارة هذا الصراع تتوارى حقائق خطرة حول منافسات إقليمية وأخرى دولية، محورها الأساسي النفط الليبي ومصيره ودوره.

سلسلة طويلة من الانتهاكات

الصراعات قتلت آلاف الليبيين، وأدّت إلى نزوح عشرات الآلاف داخل ليبيا وخارجها، ولا زالت تمنع قيام حكومة موحدة في ليبيا، وتحرم معظم المناطق الليبية من الخدمات الأساسية، وبحسب منظمة "هيومان رايتس ووتش" فإن هناك سجل موثق جيدا من الاعتداءات العشوائية على المدنيين، وإعدام المقاتلين الأسرى بإجراءات موجزة، والاحتجاز التعسفي، قامت به قوات حفتر. والأمر ذاته من قبل  الميليشيات التابعة لـ"حكومة الوفاق الوطني"، المدعومة من الأمم المتحدة، والمتواجدة في غرب ليبيا، فلهذه الأخرى سجل سيئ في معاملة المدنيين.

ومع بداية الهجوم على طرابلس قالت سارة واتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "هيومن رايتس ووتش": كلما اشتبكت القوات المسلحة المتقاتلة في المدن الليبية، فإن المدنيين هم أكثر من يعاني. على جميع الأطراف الالتزام بقوانين الحرب وتقليل الأذى اللاحق بالمدنيين.

أيادٍ إقليمية

في التاسع من مايو الجاري انطلقت السفينة "أمازون" من ميناء سامسون في الشمال التركي، متجهة إلى ليبيا، ومحملة بالعربات العسكرية وأسلحة ووسائط قتالية أخرى، أرسلتها تركيا لمساندة حكومة الوفاق عسكريا، لتصل لميناء طرابلس بتاريخ 18 مايو، فرغم الحظر الدولي لا زالت واردات السلاح متدفقة للأطراف المتصارعة.

ليس حكومة الوفاق وحدها تحظى بهذا الدعم التسليحي، فأيضًا قوات المشير خليفة حفتر حظيت بدعم إماراتي بعددٍ من صفقات الأسلحة، ونقلت العديد من المصادر أنباءً متكررة عن حصوله على دعم مصري عسكري، في مقابل الدعم التركي وال قطر ي لحكومة التوافق والميلشيات التي تسيطر على غربي البلاد، وخصوصًا تلك التي تتركز في مدينة مصراتة.

مخالب دولية

لم تستطع فرنسا إخفاء أطماعها في ليبيا، فكانت من أوائل الدول التي سارعت للمشاركة في هجوم حلف الناتو على ليبيا، والذي تستر بادعاءات العمل على إسقاط النظام السابق بقيادة العقيد معمر القذافي، إيطاليا أيضًا كانت شريكة في هذا الهجوم الذي قوّض المقدرات العسكرية والعديد من البنى التحتية للدولة في ليبيا، وتركها نهبًا للمليشيات المتصارعة، التي حظيت بدورها بالدعم والتسليح من حلف الناتو وشركائه العرب.

مسعى حفتر من الهجوم على طرابلس بعد سيطرته على الحوض النفطي الليبي، يمكن فهمه كجزءٍ من أطماع الرجل في إقامة نظام حكم استبدادي في البلاد، ينسجم مع تطلعات حلفائه الإقليميين المناصرين للديكتاتوريات العسكرية، ولكن هذا كله قد يبدو كلعبة أطفالٍ "إقليميين" بواسطة "دمى ليبية"، إذا ما تم النظر في الأهداف النفطية لأعضاء الناتو التوّاقين للمخزون النفطي الليبي الهائل والقريب من أوروبا، والذي قد يعني الكثير لاقتصاديات بلدان مثل إيطاليا وفرنسا.

في كانون ثاني الماضي، اتّهم وزير الداخلية الإيطالي ونائب رئيس الوزراء، ماثيو سالفيني، فرنسا بأن ليس من مصلحتها استقرار ليبيا، مُرجعاً ذلك إلى أن لباريس "مصالح نفطية تتناقض مع المصالح الإيطالية"، تلك كانت أكثر الإشارات صراحة لموضع الخلاف، وهو النفط الليبي الذي تستغلّه شركة «إيني» الإيطالية، وتسعى فرنسا بواسطة حفتر إلى نقله إلى شركة توتال الفرنسية، إيطاليا في مسعاها للحفاظ على مكتسباتها النقطية في ليبيا تحظى بدعم من الحكومة البريطانية، فيما تحظى فرنسا بدعم من الولايات المتحدة أفضى بدوره للتغاضي عن "غزوات حفتر" من قبل الولايات المتحدة، بل وإظهار دعم نسبي لها، مثّلته مكالمة خليفة حفتر مع دونالد ترامب.

معركة طرابلس كشفت استعداد كل من إيطاليا وفرنسا للتمادي في الرهانات، فسلسلة من الغارات مجهولة المصدر شنتها طائرات غربية حلقت على ارتفاعاتٍ شاهقة، استهدفت تارة قوات حفتر وتارة قوات حكومة التوافق، تلك كانت كما يصفها الليبيون طائرات إيطالية وفرنسية حاولت كل منها دعم حليفها.

مآلات الهجوم

أسابيع طويلة من مراوحة هجوم حفتر لمكانه على التخوم الجنوبية لطرابلس، كانت كفيلة بتراجع حماس حلفائه لغزوته، في ظل قناعةٍ بعجزه عن حسم هذه المعركة على الأقل في هذه الجولة.

على وقع النيران التي تفتك بالليبييّن، تجري المساومات بين الأطراف الغربية على شروط وقف القتال، فيما يبدو النفط الليبي كما الدماء مرشح للتقاسم بين الشركاء الأوروبيين المتنافسين، ويبدو الاستقرار حلم بعيد المنال، في ضوء وجود مصلحة غربية وخصوصًا أمريكية، في إبقاء البلاد قيد التنافس المسلح، الذي يبقيها مستباحة أمام التدخلات الغربية محدودة الكلفة.

إذا كانت الأزمة الليبية كفيلة بفضح شيء فهو عجزُ تلك القوى العربية الأكثر تقدمية، عن التأثير في المعادلات الأكثر حيوية في المشهد العربي، فليبيا كانت ولا زالت محورًا أساسيًا في أيّ إستراتيجية حقيقية ترمي إلى تحديد مستقبل هذه المنطقة، وفي هذه الساحة بالذات، غابت وغيبت أي قوى جدية منحازة لحقوق الليبيين واستقلالهم، وترك الميدان لقوى رجعية، تحالفة ذيليًا مع المستعمرين الغربيين والأقطاب الإقليمية، وقوى أكثر رجعية ووحشية تدعي حمل الهم الوطني وتسعى لاستعادة ديكتاتورية بائدة بوجوه جديدة.