Menu

الصدام مع أميركا والخوف من العزلة الدولية

حلمي موسى

لا شيء أشد إثارة للمخاوف لدى الكثير من عقلاء الإسرائيليين أكثر من أن تُفرض العزلة على دولتهم وأن تضطر لمواجهة مصير كمصير نظام التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا. ويقود هذا الخوف الكثير من الإسرائيليين للإعراب عن القلق من طريقة تعاطي رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مع الإدارة الأميركية التي تبدو أكثر خوفاً على إسرائيل حتى من نفسها. وتحاول الإدارة الأميركية خوض نضال لإنقاذ إسرائيل من مخاطر جموحها عبر استخدام سياسة العصا والجزرة.

وهي من جهة تعرض على إسرائيل رزمة معونات عسكرية هائلة بقصد تعويضها عما تعتبره خسائر أصابتها جراء الاتفاق النووي وتلوّح لها بعصى التهديد بالمقاطعة، ليست الأميركية وإنما الدولية، وفق ما قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري. وتعمد الإدارة الأميركية عبر منظمة جي ستريت اليهودية اليسارية لتشكيل ثقل مضاد للوبي الصهيوني اللاهث خلف نتنياهو والجمهوريين. ولم يكن عابراً قيام عدد من الساسة الإسرائيليين وبعضهم أمنيون سابقون مثل رئيس الشاباك الأسبق وقائد سلاح البحرية الجنرال عامي أيلون بتأييد الاتفاق النووي واعتباره جيداً لإسرائيل.

كما لم يغيّر كثيراً من موقف إسرائيل قناعة الأغلبية حتى بين الجمهوريين الأميركيين بضعف فرص الإطاحة بالاتفاق، خصوصاً إذا أصرّ الرئيس أوباما على استخدام حق النقض ضد قرار الكونغرس. بل هناك مَن يذهب إلى أبعد من ذلك ليقول إن العالم، بعد إقرار مجلس الأمن الدولي للاتفاق النووي، ترك أميركا تواجه منفردة قرارها بأن تكون مع الأسرة الدولية أم تبقى وحدها. ولا ريب في أن الجميع يدرك أن استمرار العقوبات الأميركية وحدها على إيران لا يُضرّ بطهران كثيراً، خصوصاً أن الدول الأخرى تتسابق لملء الفراغ والتعويض عن المنتجات الأميركية. وروسيا والصين وأيضاً دول أوروبية عديدة ترى هذا الرأي وتطمح لنيل حصة كبيرة من الكعكة الإيرانية.

وأمام هذا الواقع يحتدم السجال داخل الدولة العبرية حول المكاسب والأضرار من الحرب التي يخوضها نتنياهو ضد الإدارة الأميركية بشأن الاتفاق النووي. ويشعر كثيرون بأن هذه حرب خاسرة، حتى لو انتصرت فيها إسرائيل، لأن النتيجة ستضعف أميركا عالمياً ولأنها ستبين مقدار تأثير إسرائيل في الحلبة الداخلية الأميركية ما سيقود فعلاً إلى تحميلها المسؤولية عن تبعات ذلك. وقد يكون كلام أفيغدور ليبرمان الأكثر وضوحاً والأشد في توصيف مقامرة نتنياهو والتحذير من عواقبها. وبديهي أن كلام ليبرمان يبين جانباً من الصورة التي يمكن أن يكون عليها وضع نتنياهو إذا فشلت مساعيه لإفشال الاتفاق وعاد من معركته بخفيّ حنين: لا أُسقط الاتفاق ولا حقق لإسرائيل المكاسب التي كان يمكن أن تنالها لو أنها قبلت بالعروض السخية لتعويضها عن الاتفاق. فهناك قناعة راسخة بأن عروض ما قبل قرار الكونغرس ستكون بالحدّ الأقصى في حين أن تعويضات ما بعد القرار ستكون بالحد الأدنى.

غير أن كلام ليبرمان يوضح حقيقة أخرى وهي أن مساعي نتنياهو لاستخدام الاتفاق النووي كفزاعة تقود إلى توسيع حكومته فشلت. وكان زعيم «المعسكر الصهيوني، اسحق هرتسوغ قد أفرغ بالون توسيع الحكومة بإعلانه أن كتلته لن تشكل حبل نجاة لحكومة نتنياهو الغارقة في مشاكلها. وهذا يعني أن الإقرار بأن الاتفاق النووي خطر على إسرائيل لا يشكل دافعاً للدخول في حكومة ستسقط من تلقاء نفسها إن لم تجد من يسقطها.

ولا تقف المخاوف عند بعض الإسرائيليين عند حدود التّحسب من عواقب الاتفاق. وكتب المعلق إيتان هابر في «يديعوت» أنه «حسب تعليمات رئيس الوزراء، هكذا نشر، لن نجثو على ركبتينا؟ لماذا؟ لأن لنا كرامة وطنية. وهكذا، على ما يبدو، خرج من اسرائيل وزير الدفاع الاميركي اشتون كارتر من دون أن يمنحنا هدايا باهظة القيمة. مثلا، المزيد فالمزيد من قنابل اختراق الاسمنت المتطورة. غير أن الكرامة الوطنية لا تساوي في قيمتها قدرة قنبلة واحدة. ففي الكارثة قتل اليهود الذين كانت لهم كرامة وطنية ولم تكن لهم قنبلة واحدة».

ولا يغيّر من الواقع شيئاً محاولة إسرائيل التأكيد بأن مخاوفها هي نفسها مخاوف دول عربية معينة في المنطقة. فالإسرائيليون عادة لا يلقون بالاً لمخاوف الدول العربية متطرفها ومعتدلها على حد سواء ما يدفع الكثيرين في إسرائيل لاعتبار إشارات نتنياهو المتكرّرة لهذه الأقوال مجرد تبريرات غير مقنعة. فإسرائيل كانت حليفاً لنظام الشاه في إيران، حينما كان النظام عدواً لكل العرب وحلــــيفاً لكل أعدائهم وكان على الدوام مصـــــدر قلق لهم وفزاعة تعتــــرض طموحاتهم. وواضح أن المخاوف العربية من إيران النووية لا تشكل عنصر جــــذب فعلي للتحالف مع إســـرائيل التي كان قادتها إلى وقت قريب لا يبدون استــــعداداً لدفع أي ثمن مقابل الجلوس إلى جانب مرتدي العباءات من القادة العرب.

في كل حال يشكل الخوف من العزلة دافعاً لدى الإسرائيليين لرفع الصوت ضد سياسة نتنياهو. وهم يعرفون أنه إذا كان الموضوع الفلسطيني قد فرض أشكالاً مختلفة من العزلة والمقاطعة في أوساط عالمية مختلفة وإذا كانت جرائم الحرب الإسرائيلية وضعت قادة تل أبيب أمام جرائمهم سواء في محاكم ذات صلاحيات دولية أو في المحكمة الجنائية الدولية، فإن الشأن الإيراني سيزيد الطين عندهم بلة. لقد كانت أميركا تقف إلى جانب إسرائيل في كل الأزمات السابقة، لكن هذه الأزمة باختيار إسرائيل كانت تحديداً مع الولايات المتحدة، وهي ما تخيف الكثيرين.

المصدر: السفير