عقدت بوابة الهدف الإخبارية ندوة الشهيد غسان كنفاني التي تُنظّمها بصورة دورية، تحت عنوان "الانتخابات الإسرائيلية.. التفاعلات والتداعيات"، وأدارها الصحفي والكاتب السياسي هاني حبيب، واستضافت عبر تقنية "الفيديو كونفرنس" من الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، الباحث في الشؤون الصهيونية الكاتب سليمان أبو رشيد، وفي الأستوديو من غزة: مدير عام "شبكة أطلس للدراسات الإسرائيلية" عبد الرحمن شهاب، والباحث المُتخصص في الشؤون "الإسرائيلية" شاكر شبات.
وفي تقديمه للندوة أشار الصحفي حبيب إلى إنّ الدولة العبرية شهدت خلال العام الماضي 3 انتخابات، إحداها محلّية ودورتان تشريعية، والبعض قد يرى في ذلك حياة سياسية نشطة لدى الدولة العبرية، في حين قد يرى آخرون أنّها دليل أزمةٍ تتمثل بعدم قدرة النظام السياسي على تشكيل حكومة.
وأضاف حبيب أنّ "هناك من يُشير إلى أنّ عقد الانتخابات مرتين متتاليتين حتى الآن، يدل على وجود شرخ عمودي في السياسة الإسرائيلية، وهناك عودة ليمين الوسط، أو (يسار وسط)، من خلال حزب (أزرق أبيض)"، مُوجًها سؤاله إلى ضيفه في الأستوديو عبد الرحمن شهاب، حول مدى صحة هذا الرأى، في ظل ما نشهده من تداعيات فشل تشكيل الحكومة.
دينية أم علمانية؟
من جهته، قال شهاب إن نتائج انتخابات نيسان، وسبتمبر بشكل خاص، تعكسان مخاضًا فاشلًا لولادة و خروج إسرائيل الثانية، إسرائيل الدينية/ التوراتية، من عنق الزجاجة. نتنياهو واليمين وفي أكثر من 10 سنوات عمل على صناعة الدولة بشكل جديد وصبغتها بالصبغة الدينية، وسن قانون يهودية الدولة، والانتقال إلى "إسرائيل" اليهودية، وربما يكون نتنياهو أقل تطرفًا لكنه يُريد تسجيل شيء في تاريخ إسرائيل، يُحسب له.
وأضاف أنّ انتخابات نيسان أفشلت تشكيل الحكومة، في حين كان للعرب الدور الحقيقي في تعزيز هذا الفشل، في انتخابات سبتمبر، بالمشاركة الكبيرة، التي جعلت اليمين غير قادر على حسم الكتلة البرلمانية بما يجعله يُواصل الحكم 4 سنوات مقبلة".
وتابع أنّ "ليبرمان، لا يريد الدولة الدينية، وبالتالي صهيونيًا هو أقرب إلى غانتس من التيارات الدينية المتطرفة، لكنه يحسب نفسه على اليمين، ولا يريد أن يسجَّل عليه أنه أسقط حكومة اليمين أو إخراج اليمين من الحكم وتسلّم اليسار مكانه، لذا ليبرمان لن يُشارك غانتس إذا ما اعتمد الأخير على العرب في تشكيل حكومته". لافتًا إلى أنّ الأمر يتلخّص في ارتكازية الدولة الدينية والعودة إلى توازن الدولة العلمانية التي أسس لها بن غوريون، وبالتالي "ما قام به أزرق أبيض وتحالفه مع لابيد كان بفعل الخشية من وصول إسرائيل إلى الفناء إذا ما تحولت إلى دولة دينية".
"لا تأثير للعرب"
وفي مداخلته، تحدث الكاتب سليمان أبو رشيد، عن الجانب العربي في الانتخابات "الإسرائيلية"، من حيث المشاركة فيها، ومواقف الأحزاب، ومدى تأثير الصوت العربي في انتخابات "إسرائيل".
وقال أبو رشيد إن "القضية الفلسطينية كانت في سنوات سابقة تحتل طاولة النقاش الأساسية في المجتمع الإسرائيلي، أما اليوم فقد هُمِّشت هذه القضية لصالح قضايا الفساد والقضايا الأمنية والاجتماعية التي تهم الدولة العبرية، وبموازاة هذا جرى تهميش الصوت العربي داخل إسرائيل وتأثيره، إذ تم نزع الشرعية عنه، وتحديد تأثيره على التشكيلة السياسية في إسرائيل.
وأوضح الباحث بالشأن الصهيوني "أنه بغض النظر عن عدد المقاعد التي تحصل عليها القائمة العربية، هذه المقاعد لا تُحتسب ضمن التشكيل الحكومي، أي كأنها غير موجودة"، وتابع أنّه ورغم المعارضة الشعبية الواسعة واستنكار توصية قيادة القائمة العربية المشتركة على غانتس، بالنهاية أصواتها لا تحتسب لأنها لن تكون ضمن التشكيلة الحكومية".
وأضاف أنه "في احتساب المعسكرات، لا يزال معكسر اليمين الديني الاستيطاني مع ليبرمان يُشكل أغلبية، قادرة على تشكيل حكومة، لكن ليبرمان تمرّد وهو لا يُريد الحريديين والمتدينين، لأنه معنيٌّ بجمهور المصوتين الروسي، وهو يسعى ليكون بيضة قبّان بين غانتس الذي يمثل تيار اليمين الوسط العلماني، والتيار اليميني الديني الذي يمثله الليكود، ويسعى لتشكيل حكومة وحدة وطنية علمانية، بدون المتدينين".
وبناءً على هذه المعطيات، لفت أبو رشيد إلى أنّ حكومة اسرائيل المقبلة، ستكون حكومة يمين استيطان ديني بقيادة نتنياهو، أو حكومة وحدة وطنية علمانية ستُشكل من حزب الليكود وحزب كاحول لافان، وفي كلا الحالتين العرب خارج اللعبة السياسية، ولا يستطعيون التأثير عليها، وإنّ التأثير الذي حصل بإسقاط نتنياهو كان بسبب ليبرمان وليس بسبب العرب، إذ ساهم تمرّد ليبرمان بتقليل عدد الأصوات التي يمتلكها نتنياهو وبالتالي قلص من فرصته لتشكيل الحكومة، وزيادة المقاعد العربية لم يُؤثر على معسكري نتنياهو وغانتس، إذ بقي التوازن كما هو".
فُرص تشكيل الحكومة
من جهته، طرح مُدير الحوار، الصحفي والكاتب هاني حبيب، تساؤلًا حول إمكانية نجاح أو فشل نتنياهو بتشكيل حكومةً ضيقةّ، على ضوء جملة من العبارات الساخنة التي تم تداولها مُؤخرًا بين الليكود وليبرمان في إطار الصراع بينهما، خاصةً بعدما تردّد حول جر ليبرمان أو بعض أطراف حزب العمل أو أزرق أبيض لهذه الحكومة.
وفي معرض الإجابة على هذا التساؤل، أوضح الباحث شاكر شبات، أنّ "هناك حالة استعصاء لإمكانية تشكيل الحكومة، وهذه الحالة تزداد حدةً يومًا بعد آخر، فليبرمان حسم أمره عندما قال فليذهب الليكود للجحيم، وهو يعلم أنّ رفعَه شعارَ الفصل بين المتدينين والعلمانيين في اسرائيل أعطاه دفعة ومقاعد وبالتالي لن يتراجع، وعليه؛ ليبرمان مع الليكود والأحزاب المتدينة: شاس ويهدوت هتوراه، هذا شبه مستحيل، لكن هناك خيار آخر".
والخيار الآخر وفق ما طرحه الباحث شبات، والذي قال إنّه ربما يكون مفاجأة للجميع، في حال تقدمت المفاوضات وصارت أكثر جدية بين الليكود وأزرق أبيض، سيسبق حزب العمل أزرق أبيض باتجاه التحالف مع نتنياهو والأحزاب المتدينة، وفقط ما يمنع حزب العمل من التحالف مع الليكود هو خوفه من أن يكون تراجع عن شعاره الذي رفعه خلال الانتخابات بأنه لن يكون شريكًا لليكود".
ولفت إلى أنّ حزب العمل أصدر مؤخرًا تصريحًا قال فيه إنّه على حزب أزرق أبيض التعامل بجدية مع مقترح الرئيس الذي قدمه لحل الإشكالية، التي جاء فيها أنه إذا تم توجيه لائحة اتهام ضد نتنياهو لن يكون رئيسًا للحكومة.
وهناك احتمالٌ آخر، وفق شبات، وهو أن تشتغل المؤسسة القضائية في اسرائيل كرافعة لحل الاستعصاء في تشكيل الحكومة، مثل مكتب رئيس الدولة، وهؤلاء ليس لديهم القدرة على التأثير وفق القانون، إلا أنهم قادرين على العمل ضمن آليات أخرى، كتوجيه لائحة اتهام إلى نتنياهو خلال الاستجواب الذي يحدث الآن، وهذا من شأنه فكفكة الأزمة، وعليه سيكون تشكيل الحكومة خلال 24 ساعة".
هذا وناقش ضيوف الندوة العديد من المحاور الأخرى، منها: الرأي الذي يعتبر نتنياهو في هذا المشهد هو "الحل والمأزق" في الوقت ذاته، وأن إزالته لسبب أو لآخر سيُسهّل من تشكيل الحكومة، ومدى صوابية هذا الطرح، بالإضافة إلى إمكانية توجيه لائحة اتهام لنتنياهو، والتي يُقال أنّها "جاهزة"، إلى جانب مسألة صلاحيات النائب العام الإسرائيلي في هذا الجانب، وكذلك جرى نقاش الفرص أمام تولى ليبرمان رئاسة الحكومة، بالإضافة إلى موقع الحزب الوحيد العلماني في اسرائيل "دُر يمينًا" في التكتل اليميني الحريدي، وغيرها من المحاور الهامة تحت عنوان التفاعلات والتداعيات في ملف الانتخابات داخل كيان الاحتلال.