أعتقد أن الرئيس عبد الفتاح السيسى سجل نقطة هامة فى مواجهة خصومه، حين نجح فى الوفاء بوعده، وتمكن من إنجاز مشروع قناة السويس الجديدة فى موعده المحدد بعام واحد.
لكننى أظن، وليس كل الظن إثمًا، أنه لم يكسب بعد معركته النهائية، ولا تزال أمامه عقبات جسام يتعين عليه اجتيازها بنجاح قبل أن يتمكن من تثبيت أركان نظامه على نحو قابل للدوام. وربما يتصور الرئيس السيسى أن القدرة على إنجاز المشروعات التنموية هى أهم ما يميز النظام الحالى، غير أننى أظن، وليس كل الظن إثمًا مرة أخرى، أن هذه الميزة لا تكفى وحدها لضمان انعتاق هذا النظام وخروجه من عنق الزجاجة.
تنطلق رؤية السيسى لما يتعين القيام به للخروج ب مصر من مأزقها الراهن، فى تقديرى على الأقل، من فكرة أساسية مفادها أن مشكلة مصر الحقيقية ليست سياسية بقدر ما هى اقتصادية- اجتماعية، وبالتالى يكفى أن ينجح فى تحريك عجلة الاقتصاد الوطنى، التى كانت قد غاصت فى الركام المتساقط تحت تأثير زلزال ثورة يناير، كى يتمكن من الحصول تدريجيا على ما يحتاج من شرعية سياسية تمكنه من طىّ مرحلة الثورة والشروع فى بناء الدولة الجديدة. وفى هذا السياق يمكن فهم اهتمامه بالمشروعات الاقتصادية العملاقة، عبر حديث لم ينقطع منذ أيام الحملة الانتخابية عن ضرورة تحويل مصر إلى «ورشة عمل ضخمة»، يحتشد فيها المواطنون للعمل والإنتاج بدلا من الاحتشاد فى الميادين للتظاهر والاحتجاج، كما يمكن أيضا فهم أسباب إهماله التام لكل ما له صلة بالسياسة، بدليل: 1- تأجيل الانتخابات البرلمانية إلى ما بعد تحقيق إنجاز ملموس على الأرض يسهم فى تثبيت دعائم النظام. 2- الإقدام على إصدار كمّ هائل من التشريعات دون تشاور مسبق مع الأحزاب والقوى السياسية، وأحيانا ضد رغبتها، وهى تشريعات تناولت أمورا ليس لها صفة الاستعجال، وبالتالى كان يفضل عدم إصدارها إلا بعد عرضها ومناقشتها وإقرارها من جانب البرلمان. 3- عدم الالتزام بقواعد وأحكام دستور جديد سرعان ما تحول إلى نص ميت، بل والانتهاك الصريح لعديد من هذه القواعد والأحكام، خصوصا ما تعلق منها بحقوق الإنسان الفردية والجماعية.
غير أننى أعتقد أن السياسة هى التى تتحكم فى توجيه الاقتصاد وليس العكس، لذا أتوقع أن تؤدى الرؤية التى ينطلق منها النظام إلى مزيد من التعقيدات فى المشهد السياسى المصرى، وذلك لأسباب عدة، أهمها: 1- عجزها عن إيجاد صيغة ملائمة للتعامل مع تيار الإسلام السياسى ككل، وليس فقط مع جماعة الإخوان، سواء باستبعاده واستئصاله، أو بإضعافه وتهميشه، أو بإعادة تأهيله ودمجه. 2- إسهامها فى تجريف الحياة السياسية وإعادة تفريغها من مضمونها مرة أخرى، بإضعاف دور الأحزاب والقوى السياسية المدنية والاعتماد على «أهل الثقة» وليس على «أهل الخبرة». 3- عدم اكتراثها لمصداقية البرلمان القادم، وبالتالى احتمال تحول هذا البرلمان إلى مجرد آلية شكلية لصك ما تمليه السلطة التنفيذية من تشريعات، مما يشى بحرص النظام الحالى على إعادة استنساخ نفس آليات عمل النظام القديم الذى أسقطته الثورة.
لذا أظن أن مصر فى أمسِّ الحاجة إلى إعادة ترتيب أوراقها الداخلية قبل الشروع فى إجراء الانتخابات البرلمانية القادمة، وتلك نقطة جديرة بأن نحاول إلقاء الضوء على جوانبها المختلفة فى مقالات قادمة.
المصدر: جريدة التحرير