Menu

قمة بوتين وأردوغان: التفاوض بالنار!

نصّار إبراهيم

بوتين وأردوغان

هدد أردوغان وتوعد، بعملية عسكرية أطلق عليها اسم "درع الربيع"، وحدد لها موعدا وهدفا بإعادة الجيش العربي السوري إلى ما وراء الخطوط التي وصل إليها، وإلى ما وراء نقاط "المراقبة التركية" المحاصرة من قبل الجيش السوري.

فكانت المواجهة الطاحنة، وبقي الجيش العربي السوري وحلفاؤه ممسكين بزمام المبادرة، وثبّت الجيش السوري سيطرته على طول الطريق الدولي حلب – دمشق ( M5) وأمّنه شرقاً وغرباً. كما تمكّن الجيش وحلفاؤه من إبعاد خطر المسلحين عن مدينة حلب بالكامل، ولاحقوهم إلى أقصى ريفها. وتم تحرير المدينة الأستراتيجية سراقب التي شهدت أعنف المعارك وأكثرها ضراوة.

وفي سياق المواجهة المشتعلة تم تحرير مئات البلدات في أرياف إدلب الشمالية والجنوبية والغربية بما في ذلك جبل الزاوية الاستراتيجي.

لقد تلقى أردوغان وكل المجاميع الإرهابية المكدسة في إدلب، هزيمة ساحقة، وفوق هذا بقي وحيدا رغم نداءاته لأمريكا والناتو، فأطلق المهاجرين نحو أوروبا في عملية ابتزاز مهينة.

شهر من المواجهات التي ألقى فيها الجيش التركي بثقله مباشرة إلى جانب عشرات الآلاف من المجموعات الإرهابية، حيث دفع إلى ميدان الحرب بأحدث المسيِّرات وأنظمة المدفعية والصواريخ المضادة للطائرات. ومع ذلك ما كتبه الجيش العربي السوري الأسطوري وحلفاؤه الشجعان قد كتب، فتم سحق آلاف الأرهابيين بذات القدر الذي سحقت فيه أوهام أردوغان التوسعية. الهزائم والخسائر الفادحة التي مني بها أردوغان في مغامرته في إدلب اشعلت في وجهه أسئلة الشعب التركي وقواه المعارضة: "ماذا نفعل في إدلب!؟".

في ضوء ما أسفرت عنه وما استقرت عليه حقائق الميدان، جاءت قمة بوتين وأردوغان، لتتوج عملية التفاوض بالنار من على قاعدة الحفاظ على استقلال وسيادة ووحدة أراضي سورية، و مواصلة الحرب على الإرهاب، وأن ما حققه الجيش العربي السوري من انتصارات وتقدم ميداني هو خارج التفاوض. فما قبل تحرير حلب وسراقب ليس كما بعدهما.

وهكذا "خرج الدخان الأبيض من قمة موسكو بنجاح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإقناع الرئيس التركي رجب أردوغان، وفقاً لمصادر روسية متابعة، بأن الفرصة المتاحة اليوم لحفظ الأمن القومي التركي وتجنّب مواجهة ستكون نتائجها أليمة وستُترك فيها تركيا وحدها من الذين يزيّنون لها الدخول فيها، وعنوان الفرصة هو التأقلم مع اعتبار الإنجازات التي حققها الجيش السوري بمثابة تطبيق لشق من اتفاقات سوتشي التي تردّدت تركيا في تطبيقها وأخفقت في الوفاء بتعهداتها حولها، واعتبار تطبيق تركيا لما تبقى من الاتفاقات يفتح الباب لعلاقات سورية تركية على أساس اتفاقات أضنة، ويضع حداً بالتالي لمخاطر نشوء دويلة كردية في شرق سورية يريد الأميركي توريط تركيا بإقامة مثلها للجماعات الإرهابية شمال غرب سورية لتبرير بقاء الدويلة الكردية والحصول على تغطيتها لبقاء القوات الأميركية. وهذا ما لن تقبل به روسيا ولا سورية ولا الحلفاء، كما قالت المصادر، ويشكل نسفاً لتفاهمات سوتشي ومسار أستانة وقرارات مجلس الأمن الدولي

انتهت القمة دون ذكر أي ترتيبات للمناطق التي استعاد الجيش السوري السيطرة عليها من الجماعات الإرهابية والجيش التركي معاً، واعتبرت الطريق الدولية بين حلب ودمشق ضمناً خارج التفاوض ومثلها الأرياف الغربية والشمالية لحلب خارج التفاوض، الذي حصر نتائجه بالطريق الدولي بين حلب واللاذقية حيث المعارك الدائرة بين الجيش السوري من جهة وتحالف جبهة النصرة والتركستان والإيغور والشيشان ومن خلفهم الجيش التركي من جهة مقابلة، بحيث أعلن عن وقف للنار وترتيبات لفتح الطريق الدولي وتعهّد الجيش التركي بتحييد الجماعات الإرهابية عن المنطقة وعن مناطق وجود المدنيي." (المحرر السياسي – جريدة البناء اللبنانية – 6 آذار 2020)؟.

على أيقاع هذه الانتصارات، وبصورة لا تخلو من دلالة، جاءت مقابلة الرئيس الأسد مع مع قناة (روسيا 24) والتي تم بثها بعد انتهاء القمة بين بوتين وأردوغان كنوع من التاكيد على التناغم والتنسيق مع روسيا وتأكيد على الثوابت، وأيضا لفتح الأفق أمام تركيا كي تتخلى عن أوهام أردوغان العثمانية الإخوانية والطورانية وتعود لثوابت حسن الجوار بين الشعبين السوري والتركي.

من أهم القضايا التي أكد عليها الرئيس الأسد:

- الثقة بالتحالف مع روسيا والحلفاء الأوفياء.

- القدرة الأسطورية الموجودة لدى الشعب السوري بسبب وعيه الوطني الشعبي على التضحية، والتي رأيناها بشكل أساسي من خلال الجيش العربي السوري.

- استعداد الدولة الوطنية السورية لاحتضان مقاومة بوجه الاحتلال الأميركي في مناطق شرق الفرات.

- لا يوجد شيء اسمه "القضية الكردية" في سورية، لسبب بسيط.. هناك أكراد يعيشون في سورية تاريخياً، ولكن تلك المجموعات التي قدمت إلى الشمال أتت خلال القرن الماضي فقط بسبب القمع التركي لها واستضفناهم في سورية، لقد أتى الأكراد والأرمن ومجموعات مختلفة إلى سورية.. ولم تكن هناك مشكلة. لا توجد مشكلة سورية – أرمنية مثلاً، وهناك تنوع كبير في سورية.. فلماذا تكون المشكلة مع الأكراد؟! المشكلة هي مع المجموعات التي بدأت تطرح طروحات انفصالية منذ عدة عقود.

- مخاطبة الشعب التركي وتاكيد الحرص على أفضل العلاقات إذا تمّ تحييد مصالح جماعة الأخوان المسلمين عن مصالح الدولة التركية

- الإشارات والرسائل التي تتحدث عن علاقات طيبة بالدول العربية يحجبها الضغط الأميركي

- تراجع في دور أوروبا بسبب الخضوع للهيمنة الأميركية.

- المحدد الحاسم لنا هو الحفاظ على استقلال وسيادة ووحدة أراضي سورية.

وهكذا تتواصل الانتصارات الحاسمة وفق استراتيجية القضم والهضم التي ينفذها الجيش العربي السوري وحلفاؤه بصبر ورباطة جأش وتناغم وتنسيق على مختلف المستويات، عسكريا وشعبيا وديبلوماسيا وسياسيا.

لقد تم حسم هذه الجولة، وما بقي فهو مفتوح على احتمالات حسم جديد أو استثمار اللحظة، ونأمل أن تكون هذه التجربة قد علمت أردوغان درسا ، فالمواجهة القادمة ستبني على ما تأسس وربما لن يكون حينها أي فرصة للمناورة أو سلالم إنقاذ.