Menu

أموال التبرعات.. قضية بلا حسم

عبد الله السّناوي

نقلاً عن الخليج الاماراتية

كأي قضية رأي عام، فإنه لا بد أن تكون هناك في النهاية إجابات مقنعة على كل ما طرح من تساؤلات على مدار أعوام مضت تنال من سلامة التصرفات في أموال التبرعات.

هنا في مصر.. وعاماً بعد آخر تطرح القضية نفسها على رأي عام يجد نفسه حائراً وممزقاً بين ثقافة فعل الخير؛ بإغاثة المحتاجين لعلاج ومأوى وطعام، وقدر الشكوك المتراكمة في سلامة التصرفات المالية للجهات التي تصب التبرعات في خزائنها.

الأزمة مزمنة، أسئلتها متراكمة وإجاباتها غائبة، والقضية كلها معلقة على حسم لا يجيء، وتحقيق لا يحدث.

في هذا العام تبدت حالة تدافع على جمع الأموال بالتبرع لمصلحة مؤسسات ومشروعات؛ استثماراً في الجزع العام الذي أصاب المواطنين تحت ضربات الجائحة، والرغبة في التضامن، ومد يد العون للآخرين الأكثر احتياجاً.

هناك فارق جوهري بين فعل الخير كعمل إنساني تكافلي والاستثمار فيه لأهداف ليست فوق مستوى الشبهات.

باسم أعمال الخير ونجدة المحتاجين توالت بصورة غير مسبوقة على شاشات الفضائيات موجات متلاحقة من الإعلانات تطلب من المشاهدين التبرع لجهات مختلفة متنافسة، وتخاطب ميلهم لأعمال الخير والتصدق خلال شهر رمضان.

من حق الرأي العام أن يطلع على أوجه التصرف بأموال التبرعات، كم بلغت؟.. وكيف صرفت؟

هذان سؤالان في صلب أي تحقيق يطلب إجلاء الحقيقة.

بعض الإعلانات بالغت في التفزيع لجلب التبرعات، وبعضها الآخر حشدت شخصيات فنية ورياضية؛ لإقناع المشاهدين بالتبرع، أحياناً بحق وأحياناً أخرى بغير حق.

إحدى المؤسسات الخيرية بثت في الموسم الرمضاني إعلانات أكثر من شركات المحمول والمياه الغازية، كأنها في سباق محموم على أموال المتبرعين.

في اندفاعها دعت الفلاحين شبه المعدمين لتخصيص بعض قراريط أراضيهم وقفاً لمصلحة المستشفى. هذا توحش في جلب الأموال من جيوب الفقراء وأشباه المعدمين باسم أعمال الخير، فيما المستشفى نفسه لا يعلن كُلفة الإعلانات، التي وصلت في عام سابق إلى (133) مليوناً، ولا قدر ما يتلقاه العاملون فيه من أطباء وإداريين من أجور، فيما الأصل التطوع لا تلقي المكافآت الباهظة.

ما تكاليف علاج المرضى بكل مشتملاته من مستلزمات وأدوية وتجهيزات طبية؟

هذا هو السؤال الأساسي في الحكم على شرعية جمع الأموال باسم التبرع لمرضى ليس بمقدورهم الحصول على علاج.

بقدر ما هو متوفر من وثائق ومستندات منشورة ومتداولة عن أحد المستشفيات الخيرية لعلاج مرضى السرطان، فإن الفجوة هائلة بين حجم ما يجمع من تبرعات وحجم ما يصرف على المرضى، على الرغم من أن هذا الصرف موضوع التبرع وهدفه الأصيل، وربما الوحيد.

فتح الملفات حق عام واستبيان الحقيقة انتصار للعمل الخيري حتى تذهب أمواله إلى أغراضه. إنها قضية مجتمع بأسره من حقه أن يرى الخطوط الفاصلة بين ما هو جائز وما هو غير جائز، ما هو خيري وما هو مُجرم.

إجلاء الحقيقة أمام الرأي العام مسألة عدالة وحساب وانتصار في نفس الوقت ل«ثقافة التبرع لأعمال الخير».

إذا غاب الحساب بشفافية وعدالة فإن تلك الثقافة سوف تتقوض ويصبح العمل الأهلي كله دون ذنب ملطخاً بالشكوك والريب.

كأي قضية رأي عام، فإنه لا بد أن تكون هناك في النهاية إجابات مقنعة على كل ما طرح من تساؤلات على مدار أعوام مضت تنال من سلامة التصرفات في أموال التبرعات.

قبل نحو عامين ثارت تساؤلات حول سلامة التصرفات المالية لأشهر مستشفى لعلاج الأطفال المصابين بالسرطان في مصر، أنشئت لجنة من وزارة التضامن الاجتماعي؛ لتقصي الحقائق قالت: إن أعمالها سوف تشمل كل المؤسسات المماثلة غير أن نتائجها لم تساعد على إعادة بث الثقة بدور الدولة في حفظ أموال التبرعات، والتأكد من سلامة التصرف فيها.

هذا العام أعادت القضية طرح نفسها مجدداً على شبكة التواصل الاجتماعي، طرحت الأسئلة القديمة وشابتها نبرة يأس هي ترى أمامها تنافساً ضارياً على طلب التبرعات من دون أن يكون واضحاً أنها سوف تصل إلى مقاصدها.

أسوأ ما قد يترتب على «نظرية الضباع» أن يمتد أثرها السلبي إلى مؤسسات لها سمعتها واحترامها مثل مستشفى مرضى القلب بأسوان الذي يشرف عليه الدكتور مجدي يعقوب، أو «بيت الزكاة والصدقات المصري» الذي يشرف عليه شيخ الأزهر.

في بلد مثل مصر فإن العمل الأهلي لا غنى عنه، هناك نحو (47) ألف جمعية أهلية تعمل أغلبها على توفير خدمات صحية وتعليمية لأعداد كبيرة من المواطنين.

مراجعة السياسات والأولويات من ضرورات مواجهة التحديات والجوائح. ومن بين ما يستحق المراجعة بالشفافية سؤال: أين تذهب أموال التبرعات؟