Menu

ثورة 23 يوليو المجيدة: نحو استعادة الدور القومي المفقود

محمّد جبر الريفي

ثورة 23 يوليو المجيدة رغم تراجع  سياساتها المعروفة عن الأهداف التي انطلقت من أجل تحقيقها، ستبقي ماثلة بقوة في الذاكرة القومية لما جعلت من مصر الدولة العربية المركزية الأولى  في المنطقه لقيادة النضال القومي التحرري  في فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي،  ضد الاستعمار والكيان الصهيوني والقوى الرجعية العربية.

دور سياسي كفاحي مشهود بفاعلية لم تشهده مصر منذ تولي محمد علي المملوكي حكم مصر، وإعلانه عدم طاعة فرمانات الباب العالي العثماني في الأستانة، في محاولة لتأسيس دولة عربية، تضم مصر والحجاز وبلاد الشام، غير أن  مشروعه السياسي اصطدم في تلك الفترة الزمنية بحركة الاستعمار الأوروبي الطامع في وراثة الهيمنة على ولايات دولة الخلافة العثمانية التي سميت آنذاك بالرجل المريض. 

الدور السياسي والكفاحي الذي اخطته مصر بقيام ثورة 23 المجيدة،  لم يعد للأسف قائمًا الآن، فقد أصبح تجربة سياسية وطنية وقومية تحررية في ذمة التاريخ، في وقت الأمة كلها اليوم بحاجة إليه في مواجهة التحديات والأخطار التي تهدد وجودها وأمنها ومستقبل أجيالها. 

كانت معاهدة الصلح التي أبرمها الرئيس الأسبق أنور السادات بعد حرب أكتوبر عام 73،  بواسطة الرعاية الأمريكية، في عهد الرئيس الأمريكي كارتر ووزير خارجيته اليهودي كيسنجر، بداية مرحلة جديدة من الصراع، تخلت فيها مصر عن دورها النضالي القومي العربي الذي أكسبها موقعًا إقليميًا ودوليًا بين الدول، خاصة في بلدان العالم الثالث، وبين حركات التحرر العالمية، يتناسب مع تاريخها الحضاري وإمكاناتها البشرية، لدرجة أصبح تأثيرها السياسي الآن لا يتناسب مطلقًا وبكل المقاييس مع هذه المميزات الفريدة التي تتمتع بها الدولة الوطنية المصرية، وهو الأمر الذي أتاح الفرصة لجيش العدو الإسرائيلي بعد ذلك؛ محاصرة بيروت أول عاصمة عربية، يصل إليها في إطار عملية أطلق عليها اسم  (سلام الجليل)،  بقصد القضاء على الثورة الفلسطينية.

وقد تبع هذا الغزو الصهيوني للبنان؛ قيام سلام الجو الإسرائيلي بقصف المفاعل النووي العراقي الذي كان يشكل وجوده بغرض امتلاك القوة النووية، خطرًا على عملية الخلل الحادث في التوازن العسكري القائم  لصالح الكيان، ثم احتلال الأمريكيين للعراق، وهذا التغول الإسرائيلي الأمريكي، قاد بدوره  إلى تنامي أدوار دول الخليج العربية النفطية؛  كقطر والسعودية والإمارات والبحرين، على حساب الدور السياسي للمناطق الحضارية التاريخية في الوطن العربي؛ مصر والعراق وبلاد الشام،  لتصبح المنطقة العربية مهيأة لتحقيق المشروع الصهيوني الأمريكي؛ عبر خلق شرق أوسط جديد، تذوب فيه الرابطة القومية العربية لتحل بدلًا عنها دول ذات انتماءات دينية وطائفية وعرقية، وقد قطع هذا المشروع خطوات على طريق تصفية القضية الفلسطينية من خلال الاعتراف الأمريكي ب القدس الموحدة عاصمة للكيان الصهيوني ونقل السفارة الأمريكية إليها؛ هكذا بارتداد مصر عن سياسة ثورة 23 يوليو المجيدة واتخاذها وجهة إقليمية بصلحها المنفرد مع الكيان الصهيوني وخروجها من المواجهة، جعلت شعبنا الفلسطيني وحيدًا في مواجهة أمريكا وإسرائيل، وبينما الدور الذي تقوم به الآن وهو دور الوساطة  مع الكيان الصهيون،  في ما يتعلق بالحالة الأمنية في قطاع غزة، والتي تقوم على التصعيد العسكري بين الحين والآخر؛ بين جيش الاحتلال وفصائل المقاومة، رغم أهميته السياسية والإنسانية في اللحظة الراهنة، إلا أن  هذا الدور  للمخابرات الحربية المصرية  من المنظور النضالي لمكانة مصر في الخارطة الجيو سياسية  العربية والإقليمية،  ليس هو  الطريق الصحيح  لاستعادة زمام المبادرة لإعادة الدور السياسي  القومي المفقود.