Menu

لماذا يبقى هؤلاء الأسرى الأبطال وراء القضبان؟ ولماذا تعجز الفصائل الفلسطينية عن تحريرهم؟

نواف الزرو

خاص بوابة الهدف

تفتح حملة الاعتقالات الجماعية التي شنتها قوات الاحتلال فجر الثلاثاء8/9/2020، وشملت أكثر من خمسين مواطنًا فلسطينيًا في أنحاء الضفة الغربية، وخاصة في محافظة الخليل، ومعظمهم أصلًا من الاسرى المحررين الذين كانوا أمضوا سنوات طويلة في معتقلات الاحتلال، تفتح ملف الأسرى الفلسطينيين من جديد، لتثير أسئلة كبيرة على أجندة الفصائل والقوى الوطنية الفلسطينية: فلماذا يبقى هؤلاء الأسرى العظام الأبطال؛ مانديلات فلسطين في معتقلات الاحتلال…؟! ولماذا تعجز القيادات والفصائل الفلسطينية عن تحريرهم…؟! ثم لماذا لا تتحرك المنظمات الأممية وجمعيات حقوق الإنسان من أجل الضغط على حكومة الاحتلال لإطلاق سراحهم في الوقت الذي يتعرض العالم كله الى هجوم كبير لفيروس الكورونا...؟! 

وليس ذلك فحسب، بل تشن قوات الاحتلال على مدار الساعة حملات اعتقالات بالجملة ضد الاسرى المحررين وغيرهم، ونهج الاعتقالات الجماعية لم يتوقف فلسطين أبدا... ففي المشهد الصراعي الفلسطيني مع الدولة الصهيونية، نتابع كيف قامت تلك الدولة منذ البدايات ب ”أكبر عملية اعتقال جماعي في التاريخ الحديث”، فاعتقلت أكثر من مليون فلسطيني أمضوا نحو مليون سنة اعتقالية وراء القضبان الصهيونية، كما نتابع في السياق حكايات الدم والألم والبطولة في معتقلات الاحتلال الصهيوني، وحكايات المفاوضات والمعركة على ما أطلق عليه "الأسماء من العيار الثقيل، أولئك الملطخة أيديهم بالدماء اليهودية"، وكيف ارتهن مستقبل آلاف الاسرى الفلسطينيين  في مهب رياح المعايير الاسرائيلية؟
فمنذ البدايات الأولى للاحتلال أعلن جنرال حربهم آنذاك موشيه ديان معقباً على انتهاج سياسة الاعتقالات والمحاكمات بالجملة: ”سوف تخرج السجون الإسرائيلية معاقين وعجزة يشكلون عبئاً على الشعب الفلسطيني”، وعززه اسحق رابين وزير قمع الانتفاضة حينما أعلن أمام مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية بمنتهى الوضوح أيضاً على: ”أن الانتفاضة هي مواجهة بين كيانين، ودليل ذلك هو العدد الكبير جداً من المعتقلين الفلسطينيين”، مشيراً إلى: ”أن حل مثل هذا الصراع لن يكون إلا بواسطة عسكرية”، مؤكداً في ختام كلمته على: ” أنه طالما هناك انتفاضة سيبقى كتسيعوت“، مشيراً بذلك إلى معسكرات الاعتقالات الجماعية للفلسطينيين، والتي كان من أبرزها معسكر كتسيعوت في صحراء النقب، وهي السياسة التي انتهجتها تلك الدولة بصورة مكثفة واسعة النطاق خلال سنوات الانتفاضة الفلسطينية الكبرى الأولى 1987-1993، وخلال سنوات انتفاضة الاقصى أيضاً.

إلى ذلك، على قدر الأهمية والخطورة التي نظرت وما تزال فيها الدولة الصهيونية للأسرى الفلسطينيين، وعلى قدر الأهمية الاستراتيجية التي أولتها لهم، بوصفهم القيادة الطليعية للشعب الفلسطيني، واستهدفتهم معنوياً وسيكولوجياً بغية تحطيم صورتهم وإرادتهم ورمزيتهم للشعب والقضية، فتبنت تلك السلطات على مدى عقود الاحتلال الماضية سياسة متشددة جداً إزاء مساومات “تبادل الأسرى” و”تحريرهم”، على قدر ما احتلت قضية آلاف الأسرى الفلسطينيين في باستيلات الاحتلال قمة الأجندة السياسية الوطنية الفلسطينية على الدوام، باعتبارهم نخبة وطليعة النضال الفلسطيني ضد الاحتلال.

لقد درجت تلك الدولة على اعتبار الأسرى الفلسطينيين ”مخربين” أو ”إرهابيين” أو” مجرمين” وليسوا أسرى حرب، ولذلك وضعت تلك الدولة معايير قولبت على شكل "تابو" خاص بشروط  إطلاق سراح معتقلين فلسطينيين، وعلى هذه الخلفية دارت خلال سنوات المفاوضات حول صفقة التبادل-التي توجت في الصفقة الاخيرة بإطلاق أكثر من ألف أسير فلسطيني.

كان النائب عيسى قراقع رئيس نادي الأسير الفلسطيني تساءل قائلاً: إن سؤال الاشكالية هو: هل أزمة الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال هي أزمة سياسية أم تربوية؟، مضيفاً: ”ولأن الأسرى فرضوا وجودهم كأمر واقع على الحياة السياسية الإسرائيلية، فإن التعامل معهم يجري وكأنهم أرقام لا بشر، بل فئران كما قال الصحفي “عاموس هرئيل” ليس لهم حقوق، والذي يقرر حقوقهم هي نظرية القوة والأمن والأوامر والتعليمات العسكرية الصادرة عن الضابط أو من الجهاز القضائي الاسرائيلي…”. وربما يكون الاستخلاص الأبرز والأهم في سياق قراءة المشهد هو ذلك الاستخلاص المتعلق بملف الآلاف من الأسرى الفلسطينيين والعرب الذين ما زالوا صامدين في باستيلات الاحتلال الصهيوني، وأن الطريق الوحيد لتحريرهم، كما برهنت التجربة المثخنة بالجراح الفلسطينية حتى الآن هو طريق القوة والقوة فقط.

فهكذا، كما أقيم ذلك الكيان على الحراب والحروب والقوة والإرهاب، فإنه لا يرتدع ولا يتراجع ولا يهزم؛ إلا بالقوة، وليس ذلك فحسب… ففي القناعات الفلسطينية المتبلورة الراسخة على امتداد الفصائل والجماهير الفلسطينية، فإنه لن يتم تحرير آلاف الأسرى؛ إلا بالقوة فق، ناهيكم عن أن هناك الكثير أيضاً من الاعترافات والشهادات الإسرائيلية على مختلف المستويات التي تقول صراحة أن: “إسرائيل لا تفهم سوى لغة القوة “…! فبالقوة فقط يمكن تحرير الآلاف من الأسرى، وبالقوة وحدها فقط، يمكن تحرير الوطن المغتصب، وبالقوة وحدها يمكن تحرير شعب كامل يرزح تحت الاعتقال في معسكرات الاعتقال الجماعي الصهيونية، وكان الكاتب الاسرائيلي المعروف جاكي خوجي، ثبت هذا الاستخلاص في معاريف قائلاً: "إن التجربة علمت إسرائيل أنه بخلاف مفهومها عن نفسها، فإنها لا تفهم سوى لغة القوة، وهذه الحقيقة ثبتت من قبل الفلسطينيين".

غير أن معاناة الشعب الفلسطيني لا تتوقف عند حدود القتل والاعتقالات والمحاكمات الجماعية، واعتقال  أكثر من مليون فلسطيني، وإنما تمتد إلى كافة مجالات الحياة الاجتماعية والتعليمية والاقتصادية؛ فنحن نقرأ الاجماع السياسي الإسرائيلي هناك وراء: الموت للعرب، و”فليضرب السجناء القلسطينيون حتى الموت”، و”لن يعالج أي سجين مضرب في المستشفيات الإسرائيلية“، ولنعود بالتالي إلى بديهيات الصراع الموثقة على لسان رابين، أنه: "صراع بين كيانين"، ولذلك أيضاً ليس غريباً حسب تصريح بالغ الأهمية للسفير البلجيكي -سابقا- لدى ”إسرائيل” ولفريد جينز قال فيه: ”حولت إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة إلى أكبر معسكر اعتقال في العالم”، وذلك بغية تحقيق أهم وأخطر هدف لسياسة البلدوزر الصهيوني وهو "الإبادة السياسية للشعب الفلسطيني".

ولعلنا نثبت في ضوء كل هذه المعطيات حول الحركة الأسيرة الفلسطينية ومسيرة النضال والدم والألم والمعاناة والبطولة للأسرى الفلسطينيين، وفي ضوء معطيات المشهد الفلسطيني كله على امتداد خريطة الأراضي المحتلة التي حولها الاحتلال إلى أضخم معسكر اعتقال على وجه الكرة الأرضية: "إن فلسطين تدق على جدران الصمت والعار العربي، وتعلن حاجتها الملحة والعاجلة جداً إلى أزمة ضمير وأخلاق ومواقف وطنية وقومية، وليس إلى بيانات واستعراضات، وتعلن حاجتها إلى من يتطلع إلى الحقول الخضراء في إنسان يحصد قمح حريته منذ أن حل الاحتلال ولم يتعب".