من أجل أن يقرر الشعب الفلسطيني مصيره بنفسه لا بد أن يحصل على حقه بالعودة، وهو حق أصيل لا يقبل الجدل ولا ينال منه مرور الزمن، لأن له كما للحق في تقرير المصير طابعاً مقدساً خالداً، ولن يعود السلام الحقيقي العادل والشامل للمنطقة والإقليم؛ إلا بعودة اللاجئين إلى وطنهم الأصلي فلسطين.
حق الشعب في العودة وتقرير المصير
عندما وُجدت إسرائيل في العام 1948 ظهرت قضية اللاجئين، فوجودها اليوم – إسرائيل – هو الثمرة المرّة للتنكر التام لحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره فوق أرضه، وحرمانه من عمق الجذور في وطنه، ووجودها أيضاً -إسرائيل – هو نتيجة لتغاضي المجتمع الدولي عن حق شعب آخر في وطنه، وإحلال مجموعات وأفراد من مختلف الأصقاع محله، لا ينتمي أي منهم إلى تلك الأرض والوطن، ولا تربطه به أي رابطة، ومثل هذا الكيان المصطنع لا ينطبق عليه وصف "الدولة الشرعية"، ولا يمكن أن ينتمي إلى المجموعة الدولية، فهذا الكيان غير شرعي، ولا يسنده الأمر الواقع المخالف للشرعية الدولية، لذلك فالأمم المتحدة في قرارها الصادر في 11/12/1949 المعرّف باسم "قرار العودة"، لم يستحدث للاجئين حقاً، بل كان مجرد تأكيد لحق العودة الأصيل، وقد صدر أول قرار بشأن حق العودة عام 1948 ويحمل رقم "194" الذي نصت المادة "11" منه على وجوب العودة في أقرب الآجال، وتكليف "لجنة التوفيق" بتسهيل إعادة اللاجئين إلى وطنهم وديارهم وممتلكاتهم وتعويضهم عن الأضرار والخسائر التي لحقت بهم. وبقيت القرارات المؤيدة لهذا الحق إلى غاية صدور القرار رقم "2628" عام 1970 الذي ربط حق العودة بالسلام العادل والدائم في الشرق الأوسط، كما أن اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف - المكرسة بموجب قرار الجمعية العامة رقم "3376" المؤرخ في تشرين الثاني عام 1976 – عبّرت عن قلقها الشديد لعدم إحراز أي تقدم نحو ممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير مصيره والعودة إلى الديار والممتلكات التي اقتلع منها.
اللاجئون والحماية الدولية
أدى اضطهاد الفلسطينيين في وطنهم التاريخي طوال أكثر من "72" عام، إلى نموذج مزمن من التهجير، لا يمكن وصفه؛ إلا بأنه شكل من أشكال طرد السكان "الترانسفير" أو التطهير العرقي. وتشير التقديرات إلى أن "ثلثي" الشعب الفلسطيني هم من اللاجئين والمهجرين، وإلى أن شخصاً واحداً تقريباً من كل ستة لاجئين في العالم هو فلسطيني، حيث يوجد حوالي سبعة ملايين لاجئ فلسطيني في العالم، منهم حوالي خمسة ملايين، هم ونسلهم لاجئو عام 1948، أربعة ملايين منهم مسجلين في قوائم المساعدة لدى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، وحوالي "800,000" لاجئ من الضفة الغربية وقطاع غزة نزحوا لأول مرة عام 1967، وكذلك حوالي "400,000" مهجّر داخل "الخط الأخضر"، كما أن هناك "150,000" مهجر في داخل الأراضي التي احتلت عام 1967، وهناك حوالي "750,000" لاجئ و "نازح" من الأراضي المحتلة منذ عام 1967، هم خارج هذه الأراضي؛ بسبب الخوف المبرر من التعرض للاضطهاد بسبب العرق، أو الدين، أو الجنسية، أو الرأي السياسي، وهم غير قادرين على العودة؛ بسبب "إلغاء وضع إقامتهم القانوني، أو بسبب إبعادهم أو رفض طلبات لم شمل عائلاتهم.. وغيرها من الأسباب".
ومن الأسباب لهجرة ونزوح الفلسطينيين "مصادرة حقهم في تقرير المصير، والقهر اليومي، والاستيطان الكولونيالي، والتمييز العنصري، وممارسات الفصل الإثني والديني المشابهة لأشكال "الأبارتهايد".. ونتيجة لعدم وجود قيود على اضطهاد وقهر الشعب الأصلي في وطنه، إضافة إلى غياب المعالجة الفعالة، فإن هناك أهمية خاصة للحماية الدولية لهذا الشعب اللاجئ الذي لا دولة سيادية ناجزة له، حتى اليوم.
يمكننا القول بأن الجمعية العامة للأمم المتحدة – رغم ما كان ولا يزال يكبل أيديها من قيود وسيطرة أمريكية وغربية - حاولت من خلال قرارها "194" العمل على عودة اللاجئين، وفي سبيل ذلك، وإلى أن تتم هذه العودة قامت بإنشاء وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى "الأونروا"، بموجب القرار رقم "302" لعام 1949، بهدف تقديم المساعدات المادية والعينية لهؤلاء اللاجئين، كما أنشأت "لجنة التوفيق الدولية" ل فلسطين كي تكون الأداة الرئيسية لتقديم الحماية القانونية، والعمل على إيجاد الوسائل المناسبة لإعادتهم إلى وطنهم وفقاً لما نص عليه القرار "194"!
حماية مؤقتة تستند إلى الحقوق المشروعة
الحماية المؤقتة ليست مفهوماً جديداً، رغم أنها حديثة نسبياً في كونها وضعاً معترفاً به، له صفة رسمية، تمنحه الدول لمجموعات يشملهم تعريف اتفاقية اللاجئين لعام 1951، ولعل أكثر ما هو لافت للنظر في حالة الشعب الفلسطيني اللاجئ على اتساع العالم، هو التزامه المبدئي والصامد بالعودة إلى أرضه ودياره التي هجّر منها منذ "72 عاماً"، ويجري التعبير اليوم عن الرغبة الجماعية والفردية في العودة؛ عبر كفاحه المتواصل وإنشاء لجان وجمعيات ومنتديات وملتقيات، هدفها الحفاظ على ذاكرة حية تحفظ مدن وقرى المنشأ، وتنشر ثقافة العودة، علاوة على ظهور "ائتلاف عالمي تضامني" مع عودة اللاجئين إلى وطنهم الأصلي.
تتنكر "إسرائيل" وهي الكيان المسؤول عن كل المآسي والكوارث التي حلت بالشعب الفلسطيني من مسؤوليتها، وترى أن الاعتراف بحق العودة يعني "تدميرها"، وينص تشريع أبرمه الكنيست مؤخراً على منع عودة اللاجئين إلى ديارهم؛ إلا بموافقة أغلبية ثمانين عضو كنيست من أصل "120" عضواً، ومن المعالم الأخرى اللافتة للنظر في قضية اللاجئين؛ الغياب غير المسبوق لالتزام القوى الغربية بإطار قانوني دولي لمعالجة مسألة حماية هؤلاء اللاجئين، وعند المقارنة بالمبادئ التوجيهية المطبقة في حالات لاجئين آخرين.. نجد أن القوى الغربية؛ عالجت قضية اللاجئين الفلسطينيين بشكل مجتزأ ومن منظور مصالحها الجيوبوليتكية في المنطقة، وفي مقدمها أمن إسرائيل ورفاهها، وحيث أن إسرائيل تعتبر عودة اللاجئين غير اليهود، تهديداً لأمنها، وبالتالي فإن القوى الغربية تعتبر حق العودة في القضية الفلسطينية "أمراً غير عملي"، وتجري صياغة حلول إلى حد كبير في " سياق إنساني"، ولا تختلف اتفاقيات أوسلو ولا صفقة القرن الترامبية عن هذا التوجه، وربما أكثر سوءاً وانتقائية!
لقد شكّل الحصار الجائر وارتفاع نسبة البطالة وانعدام فرص العمل في العديد من المناطق التي يقيم فيها اللاجئين؛ مصدراً كبيراً لفقرهم، وبؤسهم وعدم استقرارهم، وسيكون برنامج الحماية المؤقتة أكثر قبولاً إذا تمكن متلقوه من العمل المنتج، بدل الإعانات الإنسانية، كما تعتبر حقوق السكن والتعليم والرعاية الصحية والتملك والتنقل، حقوقاً أساسية بموجب المواثيق والمعاهدات الدولية ومعايير اللجوء، ويظهر ذلك جلياً في صكوك حقوق الإنسان الدولية الرئيسية.
خلاصة القول: يتلقى معظم اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية الحد الأدنى من الرعاية الاجتماعية والصحية والتعليمية؛ من خلال "الأونروا" وسيكون من غير المنطقي بناء برنامج حماية مؤقتة، لا يوفر ضمانات مساوية لمعايير "الأونروا" وتمكينها من الاستمرار في مهماتها ووظائفها إلى حين تطبيق القرار "194" المتضمن عودة اللاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هجّروا منها عام 1948. وكي تكون الحماية المؤقتة ذات معنى، ومرتبطة بالعودة والحل الشامل والدائم لقضية اللاجئين، فإنها ينبغي أن تشمل عناصر تدعم التوصل إلى حلول عادلة ومقبولة من الفلسطينيين، ومن الضروري إعطاء اهتمام أكبر لمجالات المساواة في النوع الاجتماعي، والتعليم العالي، والتدريب المهني، والنظام الصحي، ومنح فرص عمل مساوية لما يتمتع به المواطنون في الدول المضيفة، وحقوق اقتصادية واجتماعية وثقافية إضافية!
إن الحماية المؤقتة تدعم الحجة القانونية القائلة: لا يتوجب على اللاجئين الفلسطينيين التخلي عن حقهم المطلق في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم؛ من أجل تحسين ظروف حياتهم إلى أن تتحقق العودة، أما الحماية المؤقتة، فتقدم للاجئين في الدول العربية والغربية، وفي دول الشتات الأخرى، وضعاً قانونياً معترفاً به، وانسجاماً مع مؤشرات الحماية المؤقتة في جميع دول العالم، فإنه ينبغي أن تمنح للفلسطينيين، ذات حقوق الحماية الرئيسية التي يتمتع بها آخرون، عندما يضطرون إلى الفرار من أوضاع طارئة؛ سواء كانوا لاجئين بحسب تعريف "اتفاقية اللاجئين لعام 1951" أم لا.. وتعالج الحماية المؤقتة تحديداً الحاجات الحقيقية للاجئين الفلسطينيين، كالحاجة إلى العمل، والتنقل بحرية، والعيش وفق الاختيار في دولة الحماية، والانضمام ثانية إلى أفراد العائلة، والسفر إلى الخارج والعودة، بتصريح خاص، كما تعالج الحماية المؤقتة أيضاً، مخاوف الدول المضيفة، من أن يكون عليها أن تختار بين منح اللجوء للاجئين وإعطائهم نوعاً من الوضع القانوني الأكثر ديمومة من جهة، أو أن ترفض استقبالهم من جهة أخرى.
إن الحماية المؤقتة تعالج قلق اللاجئين الفلسطينيين ومعهم منظمة التحرير الفلسطينية بوصفها ممثلهم الشرعي والوحيد؛ من أن تؤدي مرحلة ما بعد أوسلو إلى إفساد الإجماع الدولي، على أن الحل العادل والدائم للاجئين هو العودة إلى ديارهم، واستعادة ممتلكاتهم، والتعويض عن كل الأذى والأضرار التي لحقت بهم، وبالتالي ممارسة حقهم الكامل في تقرير مصيرهم فوق تراب وطنهم، كما هو مجسد في قرارات الشرعية الدولية وبالمقدمة القرار"3376" المؤرخ في تشرين ثاني عام 1976، والقرار "194" لعام 1948.