Menu

كتاب موجز الفلسفة والفلاسفة عبر العصور للمفكر غازي الصوراني (ح 76)

غازي الصوراني

خاص بوابة الهدف

(تنفرد بوابة الهدف، بنشر كتاب المفكر غازي الصوراني، المعنون: موجز الفلسفة والفلاسفة عبر العصور، الصادر عن دار الكلمة للنشر والتوزيع، في يونيو/ حزيران 2020، على حلقات متتابعة.. قراءة مثمرة ومفيدة نتمناها لكم).

الباب الرابع

الفصل الحادي عشر

الفلسفة في القرن العشرين

أبرز فلاسفة القرن العشرين

جورج لوكاتش (1885 - 1971):

فيلسوف وكاتب وناقد أدبي مجري ماركسي، يعده معظم الدارسين مؤسس الماركسية الغربية، أسهم بأفكاره حول "التشيؤ reification، والوعي الطبقي، وفي الفلسفة الماركسية، وكان نقده الأدبي مؤثراً في "الواقعية" وفي الرواية باعتبارها نوعاً أدبياً. خدم كوزير للثقافة في هنغاريا في 1919 .

"قضى "لوكاتش" وقتاً طويلاً في ألمانيا وتعرف على العديد من مثقفيها وكتابها، وتعرف هناك على عالم الاجتماع الألماني الشهير "جورج زيمل". وفي مدينة هايدلبرغ، تعرف على عالم الاجتماع المعروف ماكس فيبر واصبحا صديقين. ثم تعرف على الفيلسوف الماركسي "إرنست بلوخ".

كان لوكاتش في بداية شبابه، منتمياً إلى النظام المثالي المأخوذ عن مثالية الفلاسفة الألمان المتأثرين بالفيلسوف الألماني الأشهر إيمانويل كانط وفلسفته، وبعد ذلك درس الماركسية، وأصبح عضواً في الحزب الشيوعي المجري نهاية الحرب العالمية الأولى، وهنا يقول د. صادق العظم إن "انتقال لوكاتش إلى الماركسية جاء بعد معاناة صعبة وعلى مراحل على الرغم من تأثير ثورة أكتوبر عليه وانضمامه إلى الحزب الشيوعي المجري"([1]).

فلسفته:

يقول المفكر الماركسي د. هشام غصيب: "يعود الفضل الأول في إرساء تيار الماركسية الهيجلية الجدلي إلى "جورج لوكاتش"، فيلسوف الجدل المعروف، ولعل خير من أدرك أهمية "لوكاتش" وأبرز مدلول فكره في سياق تطور الفكر الأوروبي الحديث هو تلميذه الفرنسي اللامع، "لوسيان غولدمان"، الذي كتب عن أستاذه كتيباً غنياً بالمضامين الفلسفية العميقة وضع مادته عام وفاته (1970)، ونشره تحت عنوان "لوكاتش وهيدغر"، وفيه بحث "غولدمان" العلاقة الجدلية المتشعبة بين هذين المفكرين العملاقين اللذين يعتبرهما الكثيرون أعظم فيلسوفين في القرن العشرين، وبرغم تحفظنا على بعض النزعات المثالية لدى لوكاتش وعلى جميع طروحات هيدغر، إلا أنه لا يسعنا إلا أن نقر بالأهمية الإستثنائية لهذين المفكرين في فكر القرن العشرين"([2]).

وتجدر الإشارة هنا إلى أن "الطريقة التي ينتجهجها "غولدمان" في تحليله العلاقة بين لوكاتش (أبي الماركسية الهيغلية في القرن العشرين) وبين "هيدغر" (أبي وجودية القرن العشرين) هي في حد ذاتها مثال رائع على المنهج الجدلي.

ذلك أن "غولدمان" كان من أوائل من اكتشفوا العلاقة العضوية بين "لوكاتش" و"هيدغر" اللذين يبدوان متنافرين تماماً وكأنه لا يربطهما أي رابط جوهري، باتباعه المنهج الجدلي في التعامل مع الظاهرات الفكرية، حيث استطاع بهذا المنهج أن يبين أن كتاب "هيدغر" المشهور "الوجود والزمن" جاء رداً واعياً على كتاب "لوكاتش" "التاريخ والوعي الطبقي"([3]).

"لقد حاول لوكاتش في كتاباته تجديد الفكر الماركسي، وإلقاء الضوء على جوانبه الثورية، خصوصاً البعد الجدلي منه. ففي كتابه "التاريخ والوعي الطبقي" الذي يحمل عنوانا صغيرا آخر: "دراسات في الجدلية الماركسية" يعمل لوكاتش على إعادة الاعتبار للذات، فالتاريخ برأيه يَنْتُجْ عن التفاعل بين الذات والموضوع أي عن وعي الناس بالقوانين التي تحكمهم، وبعيداً عن إقامة التوازن بين الطرفين، كان لوكاتش يميل نحو إعطاء الأهمية للوعي.

هذا الوعي، يجد فعاليته في وعي الطبقة العاملة التي أحالتها الرأسمالية إلى بضاعة، ولا يمكن لهذه أن تتحرر إلا برفضها الكامل غير المشروط لوضعها كبضاعة، فالبروليتاريا في هذه الحالة، تمثل المبدأ السالب والعنصر المحرك في الجدلية، لأنها عندما تناضل من أجل تحررها، فإنها تناضل في الوقت نفسه ضد الخضوع بشكل عام، وعندما تناضل لإنقاذ نفسها فإنها تناضل أيضا من أجل إنقاذ البشرية كلها من التشيؤ حسب طروحات "لوكاتش".

في هذا السياق، نشير إلى أن أبرز مرحلة من مراحل التطور الفكري عند لوكاتش تمثلت في كتابه "التاريخ والوعي الطبقي"، "الذي يحتل مكانة ممتازة جداً ويتمتع بأهمية خاصة، ليس بالنسبة إلى تطور لوكاتش الفكري والسياسي فحسب، بل بالنسبة إلى الفكر الماركسي عموماً، فقد شَكَّلَ صدور كتاب لوكاتش حدثاً ثقافياً – سياسياً ليس كغيره من الأحداث بالتأكيد، حيث أنه أشار في مقدمة الطبعة الإنكليزية لـ "التاريخ والوعي الطبقي"، كتبها سنة 1967، إلى أن فكرته عن وعي البروليتاريا "الممكن" كانت محاولة مستقلة من جانبه لِتَلَمُّسْ الطريق إلى أطروحة "كاوتسكي" – " لينين " الشهيرة القائلة بأن النظرية الثورية المناسبة تدخل على الطبقة العاملة وعلى وعيها من الخارج، وهي ملاحظة دقيقة من لوكاتش -كما يقول د. العظم-، ولكن لإيضاح المسألة لا بد من التمييز بين([4]):

  1. وعي البروليتاريا كما هو قائم فعلياً في أي وقت من الأوقات أي وعيها العفوي أو المباشر.
  2. وعي البروليتاريا كما يمكن أن نتصوره (أو يتصوره أي شخص آخر) طوباوياً أي كما ينبغي أن يكون عليه مثالياً.
  3. طبيعة الوعي المناسب الذي على البروليتاريا أن تحققه أو تتجلى به، كي تتمكن من إنجاز ثورتها وإسقاط الرأسمالية، أو بعبارة أخرى الوعي الذي "يمكن" لها أن تتحلى به فتنجز الثورة على أثر اكتسابه.
  4. من هنا عبارة "الوعي الممكن" الملتبسة، يقع الفارق الأساسي هنا بين "وعي الطبقة" العفوي من جهة وبين "الوعي الطبقي" المطابق من جهة ثانية، أي ان وعي البروليتاريا المباشر في المجتمع البورجوازي زائف وكله تشييء بتشييئ.

حقاً "هذا هو الوعي الذي تسجله استفتاءات الرأي العام، مثلاً، في أوساط العمال، بعبارة أخرى الوعي البروليتاري بالمعنى الجدي للعبارة ليس مجرد ما يقوله أفراد الطبقة عن أنفسهم في أية لحظة من اللحظات، كما أنه ليس مجرد حاصل جمع وعي كل فرد من أفرادها أو معدل عام ما له، فلكي نقترب من الفكرة التي يعمل لوكاتش على بلورتها، لنحاول أن نتصور، مثلاً، كيف يكون وعي العمال وتكون أفكارهم وانفعالاتهم ومشاعرهم وردود فعلهم..الخ في لحظة ثورية معينة أدركوا فيها مصالحهم الحقيقية ومصادر قوتهم في عملية الانتاج ومنابع بؤسهم في المجتمع وما إليه"([5]).

فقد طرح لوكاتش فكرة "الوعي الممكن" لأن اهتمامه حركي وجدلي، ويتركز على عملية التوسط بين وعي الطبقة المباشرة العفوي من ناحية، وبين الغاية الثورية المطلوب إنجازها من ناحية ثانية، لهذا لا يمكن أن نفهم اللينينية جيداً، فكراً وممارسة، إلا على أنها واحدة من عمليات التوسط اللامعة الكبرى في القرن العشرين بين الوعي المباشر والغاية الثورية في آن معاً، من هناأهمية دور التنظيم والمثقفين والعلم والموضوعية والدراسة والنظرية والطليعة في عملية التوسط الثورية الناجحة، ولا شك عندي -يضيف د.العظم-"أن لوكاتش كان يحاول في القسم الأخير من "التاريخ والوعي الطبقي" – أن يتلمس الطريق إلى مواقع لينينية، لكن مثالية الكتاب منعته من معالجة مسألة الوعي البروليتاري الممكن على أسس اقتصادية وسياسية وايديولوجية فعلية وحقيقية، نتيجة لذلك يظهر الوعي الممكن في الكتاب وكأنه "روح موضوعي" هيجلي يتحرك باتجاه تحرير البروليتاريا من وعيها المباشر الزائف والمُشَيَّأ"([6]).

وفي سياق تقييم د. العظم لكتاب لوكاتش "التاريخ والوعي الطبقي" يقول: "لقد استمد هذا الكتاب وقعه وتأثيره من كونه أبرز محاولة تجديدية "يسارية" جريئة للماركسية الغربية بعد سقوط ماركسية الأممية الثانية عموماً وماركسية الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني تحديداً، كما استندت محاولة لوكاتش التجديدية إلى عناصر مُستَمَدَّة من الفلسفة الحيوية، ووجوديته الأولى، والكنطية الجديدة وإلى إنجازات فلاسفة ومفكرين مثل هيجل وماكس فيبر وغيرهما"([7]).

"لم يقتصر لوكاتش في أعماله على دراسة البعد الجدلي في النظرية الماركسية، بل ساهم عبر كتابه "نظرية الرواية" في وضع أسس علم اجتماع الأدب الجدلي، كما أنه يعتبر أحد واضعي حجر الزاوية في علم الجمال الماركسي.

في هذا السياق، لا يمكن إنكار ما قدمه لوكاتش للفكر السياسي من إضافات وعناصر جديدة، فهو يعد بالنسبة لخصومه أو مؤيديه من بين أهم المفكرين الماركسيين منذ ماركس، لا بل يعتبره البعض من أهم فلاسفة النصف الأول من القرن العشرين، حيث ترك تأثيره على كارل مانهايم، ومارتن هيدجر، على وجه الخصوص.

لودفيغ فتغنشتاين (1889 - 1951):

فيلسوف نمساوي، رائد "الفلسفة التحليلية" الحديثة، وأحد أهم فلاسفة القرن العشرين، ولد في فيينا بالنمسا، ودرس بجامعة كمبردج بإنجلترا وعمل بالتدريس هناك، وحصل على الجنسية البريطانية، وفي تلك المرحلة نمت بينه وبين أستاذه برتراند راسل صداقة عميقة ورِفْقة فلسفية ثمينة، أثمرت ثمراً وفيراً في مضمار الفلسفة التحليلية.

يعتبر لودفيغ فتغنشتاين "من أشهر الأسماء في الفكر الفلسفي في القرن العشرين رغم قلة عدد أعماله – نسبياً- ورغم قصر المدة التي كرسها للفلسفة من حياته، نشر عام 1921 كتاباً تحت عنوان: "بحوث منطقية- فلسفية"، وتُرجم في العام التالي إلى الإنجليزية، وهو الكتاب الوحيد الذي نشره فيتجنشتاين في حياته.

نشر تلامذته بعد موته عدة كتب مهمة هي: "استقصاءات فلسفية" ثم "ملاحظات حول أسس الرياضيات" ثم "الكتب الزرقاء والكتب البنية" وهي مجموعات من الملاحظات والأفكار والفقرات تدور كلها حول اللغة وعلاقتها بالتفكير والمنطق وقضية الاتصال (نقل الأفكار والمعلومات) ثم: "فلسفة النحو اللغوي"([8]).

يقول جورج طرابيشي "كان غريباً المصير الذي عرفه نتاجه: ففتغنشتاين لم ينشر في حياته سوى مؤلف واحد باللاتينية بعنوان "البحوث المنطقية – الفلسفية"، أما مباحثه الفلسفية الأخرى فلم تنشر إلا بعد وفاته: محاضرة في الأخلاق (1965)، وكان ألقاها بالانكليزية سنة 1929؛ ملاحظات فلسفية (1964)، وكان كتبها بالألمانية في عامي 1929 و1930؛ مباحث فلسفية (1953 –1958)؛ ملاحظات حول أسس الرياضيات (بالانكليزية، 1958)، وهو عبارة عن مذكرات كان أملاها فتغنشتاين بالانجليزية"([9]).

وقد "حظي بالتقدير بفضل كتابيه "رسالة منطقية فلسفية" وتحقيقات فلسفية، عمل في المقام الأول في أسس المنطق، والفلسفة والرياضيات، وفلسفة الذهن، وفلسفة اللغة.

فتغنشتاين واللغة – اللعبة :

اللغة عند فتغنشتاين هي الطريق إلى المعرفة باعتبارها وسيلة لفهم تكوين المعنى في الخطاب. ونظراً لعلاقة التضمن أو التوازي بين اللغة والتفكير، فلا سبيل إلى فلسفة التفكير والمعرفة والفهم دون اللغة، إذ أن "كل شيء يحدث داخل اللغة".

تقول د. يمنى طريف الخولي "إن فتغنشتاين تميز بوصفه صاحب الأثر الواسع والعميق في صبغ فلسفة القرن العشرين بالصبغة المنطقية، تقنيناً وتنضيداً للغة، وإحكاماً وضبطاً للتفكير بواسطة قصر اللغة على صياغة العبارات التجريبية والعلاقات المنطقية، إذ أنه يمثل نقطة التقاء الخطوط السابقة، المد التجريبي والمنطق الرياضي كعصب الفلسفة، وكيف يتبوأ تلاقيهما معاً وتفاعلهما في التجريبية وهي تتمنطق في شكل فلسفة للغة، فقد كان فتغنشتاين نموذجا لفئة الفيلسوف / المنطقي، بل هو حاد في الاتسام بالسمة المنطقية، الفلسفة في عرفه إما هي منطقية وإما أنها لا شيء وقول فارغ يخلو من المعنى أو الجدوى"([10]).

ففي كتابه "الرسالة المنطقية الفلسفية"، أوضح فتغنشتاين "أن المنطق ما هو إلا صورة للفكر كما يتمثل في اللغة، إذن فالمنطق ما هو إلا صورة للغة، وكل ما يمكن التفكير فيه يمكن التعبير عنه بوضوح، يقول فتغنشتاين:

"تهدف الفلسفة إلى التوضيح المنطقي للأفكار، وليست الفلسفة عِلماً إنما هي نشاط، حصيلة الفلسفة ليست عبارات فلسفية، وإنما توضيح للعبارات، يجب أن تعمل الفلسفة على توضيح الأفكار وتحديدها تحديدا قاطعا، وإلا ظلت تلك الأفكار مبهمة وغامضة". فقد كشفت "الرسالة المنطقية الفلسفية" عن المفاهيم عميقة الجذور المشتركة بين اللغة والعالم، وطبيعة الصورة المنطقية والضرورة والصدق وما إليه من زوايا منطقية محورية"([11]).

فتغنشتاين والفلسفة التحليلية كممارسة:

يمكن تقسيم "فلسفة" فيتغنشتاين إلى مرحلتين رئيسيتين، المرحلة الأولى تمثلت في كتابه الكبير الأول: "بحوث منطقية / فلسفية" وفيها عالج اللغة بوصفها تصويراً للعالم المادى، والمرحلة الثانية تمثلت أساساً في كتابي: "الاستقصاءات" و: "فلسفة النحو" وفيهما عالج اللغة بوصفها أداة للتعبير عن مجموع الفرضيات – والصور- والمعاني، بعد أن تتحول في الذهن إلى رموز من ناحية وإلى بناء منطقى من ناحية أخرى، وتخضع – أخيراً- للمواضعات الاجتماعية والتاريخية وللخصائص الثقافية الخاصة – التي تكتسبها رموز اللغة نفسها من ناحية ثالثة.

نظر فيتغنشتاين إلى الفلسفة بوصفها: "نشاطاً عملياً وليست نظرية"، ولذلك فقد انشغل كفيلسوف بالتحليل العملي للغة بوصفها أكثر نشاط يمثل عقل الإنسان كما يعكس كلاً من علاقته بالعالم، وتأثره بالعالم وتأثيره فيه"([12])، ولذلك تظهر الفلسفة التحليليه بشكل بارز في تفكير فتغنشتاين، الذي يقول "إن العالم هو: مجموع الحقائق، وليست الأشياء".

في عرضهما لفلسفة فتغنشتاين، يرى مؤلفا "تاريخ الفكر الغربي" أنه "بقدر ما برهن التمييز بين الجُمَل التي يمكن تكذيبها مبدأياً، والجمل التي لا يمكن تكذيبها مبدأياً، أنه لا يعمل كمعيار كافٍ للتمييز بين المعنى المعرفي واللامعنى المعرفي، وبالتالي، نشأ سؤال يتعلق بكيفية تمييزنا بين ما له معنى وما ليس له معنى، فقدمت مدرسة فلسفية أنجلو – أميركية جواباً عن ذلك السؤال تلقت وحيها فيه من الكتابات الأخيرة للودفيغ فتغنشتاين، هذه المدرسة المسماة الفلسفة التحليلية انطلقت من تحليل اللغة اليومية كما تعمل في استعمالاتها المختلفة – أي إن الفلسفة التحليلية تجاوزت تحليل الجُمَل ذات المحتوى الوصفي، نعني: أن العبارات اللغوية لها معنى عندما تكون في الاستعمال العام، ويجب فهم اللامعنى بأنه انقطاع عن الاستعمال اللغوي العام"([13]).

وباختصار "يمكن القول إن الفلسفة التحليلية ترفض الأطروحة التي تقول بعلاقة التطابق بين اللغة والواقع، وبالتالي وجود لغة خاصة واحدة هي اللغة الصحيحة بشكل رئيسي، وهي: لغة العلوم الطبيعة. فالفلسفة التحليلية تؤكد أن الكلمات والجمل لها أشكال متنوعة من الوظائف المختلفة. والكلمات "خمس تفاحات حمراء"، على سبيل المثال، لها معنى يختلف باختلاف السياق. فمثلاً، إذا نطق بها في دكان بقالة خضروات فإن الكلمات تفيد طلب شراء، وإذا لفظها تلميذ في صف رياضيات فقد تعبر الكلمات عن الجواب الصحيح لحساب. وبالمثل يمكننا القول إن قطعة الخشب ذاتها يمكن أن تكون قطعتين مختلفتين حسبما تستعمل في لعبة الشطرنج (كبيدق قليل الشأن) أو في لعبة الداما (كحجر الداما). فالسؤال عن نوع القطعة لا يمكن الإجابة عنه إلا بالرجوع إلى اللعبة التي تستعمل فيها القطعة. لذا، فإن للكلمة نفسها معاني مختلفة في سياقات مختلفة، والسؤال عن معنى الكلمة لا يجاب عنه إلا بالإشارة إلى الطريقة الحسية العملية التي بها تستعمل. إما إذا نظر إلى الكلمات والجمل وهي في حالات الانعزال، فلن يكون لها سوى معان خفية. ولا يكون لها معنى واقعي إلا عندما توضع في سياق معين. وهكذا، يمكننا القول إن الاستعمال يعرف المعنى. ولما كان يمكن وضع الكلمة أو الجملة في سياقات عديدة، فإن للكلمة أو الجملة معان كثيرة. لذلك لا وجود لعلاقة تطابق بين اللغة والواقع، ولا وجود للغة واحدة صحيحة. "اللغة العلمية" تعطي صورة عن العالم كما هو في الواقع"([14]).

الفلسفة التحليلية لا تجاهد "للتشخيص" وحسب، وإنما "للعلاج" أيضاً: إنها تسعى لتوفير "علاج نفسي" لحالة الفوضى اللغوية التي سببتها إساءة استعمالنا للغة العادية. وبالنسبة إلى الفلاسفة التحليليين، مثل فتغنشتاين "قصدت المسائل الميتافيزيقية الكلاسيكية بخاصة بتلك المعالجة النفسية، والنظرة إلى الفلسفة بوصفها علاجاً نفسياً تحتوي على ميل معاد للميتافيزيقا، وإلى هذا الحد يتفق الفلاسفة التحليليون مع التجريبيين – الحسيين المنطقيين، وعندما يعتبر فلاسفة تحليليون مثل فتغنشتاين، الفلسفة ممارسة علاجية نفسية، فإنهم يعتقدون أيضاً أن الفلسفة لا توفر أجوبة عن شكل أطروحات ووجهات نظر، فالفلسفة، كعلاج نفسي، تعني أنه يجب فهم الفلسفة بأنها ممارسة ونشاط يحل العقد (الفكرية) اللغوية من دون ان تدعي أي شيء. وهنا نجد قرابة معينة مع الطريقة السقراطية"([15]).

في هذا الجانب، يقول المفكر الراحل صادق العظم "لو طلب مني أن أضع عنواناً عاماً لمشروع فتغنشتاين الفلسفي لاقترحت التالي: "نقد العقل اللغوي المحض" بالمعنى الكنطي الدقيق للعبارة، أقول ذلك لان بنية اللغة القائمة حلت عند فتغنشتاين محل بنية الذات المتعالية عند كنط وأخذت تقوم بوظائفها كاملة. وكما أن كنط أراد في كتابه الشهير تعيين الحدود التي لا يمكن للعقل العلمي الوقائعي الخالص أن يتجاوزها دون الوقوع في الكلام الميتافيزيقي الفارغ عن طبيعة الأشياء كما هي في ذاتها (العالم الخارجي) فإن فتغنشتاين بَيَّنَ في مقدمة "التراكتاتوس" ان هدفه هو تعيين حدود اللغة الوقائعية الخالصة التي لا يمكن للكلام أن يتجاوزها دون الوقوع في اللغو الميتافيزيقي الفارغ أيضاً عن طبيعة الأشياء، وكماأن الوقائع التي يتعامل معها العقل العلمي الخالص عند كنط هي في حقيقتها من صنع الذات المتعالية وإنتاجها، فإن الوقائع التي يتعالمل معها العقل اللغوي الخالص عند فتغنشتاين هي من صنع بنية اللغة السائدة ومن إنتاج تواضعاتها وإصطلاحاتها وقواعدها كما تم الاتفاق عليها بين أصحابها، وكما أن تجاوز "الوقائع الظواهرية" التي انتجتها الذات المتعالية عند كنط إلى الكلام عن طبيعة الأشياء في ذاتها هو الخطأ الفلسفي الميتافيزيقي المميت بعينه، فإن تجاوز "الوقائع الخطابوية" التي انتجتها تواضعات اللغة السائدة إلى الكلام عن طبيعة الأشياء غير اللغوية وكما هي في ذاتها، هو الخطأ الفلسفي الميتافيزيقي المميت بعينه عند فتغنشتاين أيضاً"([16]).

وكما أن كانط أراد تعيين هذه الحدود، كي يفسح مجالاً للإيمان والدين والأخلاق والجمال بإخراجها كلها من حيز الطبيعة والمجتمع والتاريخ، وإدخالها في حيز الذات والحرية والروح، فإن فتغنشتاين أراد تعيين هذه  الحدود أيضاً لتحقيق الأغراض ذاتها تماماً،  بعبارة أخرى نحن في حضرة المشروع الفلسفي المثالي السكوني قبل الهيجلي في طبعته "اللغوية" الأكثر معاصرة وتقنية ولمعاناً حيث أصبحنا حبيسي "الدائرة اللغوية المسحورة" بعد حلول ميتافيزيقا اللغة التواضعية وابستمولوجيتها ومنطقها محل ميتافيزيقا الذات المتعالية وابستمولجيتها ومنطقها، وعلى هذا النحو نكون قد ضَمَنَّا في وقت واحد تقنية الفلسفة ودقتها التحليلية من ناحية وروحانيتها ومثاليتها من ناحية ثانية"([17]).

فمن المعروف -كما يضيف د. العظم- "أن طريقة فتغنشتاين المفضلة في شرح فكرته هي القول: إن اللغة ليست إلا مجموعة من "اللعب" حيث تحمل كل واحدة منها قوانينها الداخلية المتفق عليها، وقواعدها الخاصة المتواضع عليها ويكمن الخطأ كل الخطأ في تجاوز قواعد اللعبة اللغوية التي نكون منهمكين فيها أو خرقها، من هنا إصراره على تشبيه اللغة عموماً بلعبة الشطرنج ، يعني هذا أن مصدر الخطأ الفلسفي الميتافيزيقي يكمن كله في تجاوز قواعد اللعبة التي نلعبها أو إهمالها أو خرقها أو الخلط بينها وبين قواعد لعبة أخرى، كما يعني أن وظيفة الفيلسوف الحقيقية هي في تأدية دور الحارس الأمين على تلك القواعد والتواضعات بتنبيه كل من يُخِلْ بها (والفلاسفة بصورة خاصة) إلى ضرورة العودة إلى التقيد بها وإلا عَرَّضَ نفسه إلى اللغو الميتافيزيقي واللا معنى"([18]).

وفاته: اكتشف فتغنشتاين أنه مصاب بسرطان البروستاتا سنة 1949م، وتوفي بكمبردج بعد 3 أيام من احتفاله بعيد ميلاده الستين،أي يوم 29 نيسان/أبريل، سنة 1951.

قالوا عنه([19]):

  • "لقد أثر فتغنشتاين وهيمن حقاً على كل الفلسفة الانكلو–ساكسونية المعاصرة، ففكره سبق أو واكب معظم المحاولات التي يعتد بها في تطور التحليل منذ أربعين سنة" (دينيس زاسلاسكي).
  • "لقد انطلق فتغنشتاين من ذرية راسل المنطقية ليؤكد أن للمنطق طابعاً حشوياً صرفاً: فهو تحصيل للحاصل، ولا يدل على شيء، والاحكام المنطقية فارغة، ولا يمكن أن تعطينا أي إيضاح عن الواقع، والفلسفة لا يمكن أن تكون مذهباً، فهي مجرد فاعلية". (إ. م. بوشنسكي).

مارتن هايدغر (1889- 1976 ):

فيلسوف ألماني،"أحد أبرز الفلاسفة الألمان في القرن العشرين، وأحد الوجوه البارزة، في الفلسفة الوجودية وفي الفكر الغربي المعاصر بشكل عام، وكان "له على وجه الخصوص تأثير بالغ العمق على عدد من أكبر فلاسفة النصف الثاني من القرن العشرين، على رأسهم جان بول سارتر، إضافة إلى فلاسفة ما بعد البنيوية وعلى رأسهم ميشيل فوكو وجاك دريدا"([20]).

درس في جامعة فرايبورغ تحت إشراف إدموند هوسرلمؤسس الظاهريات، ثم أصبح أستاذاً فيها عام 1928، وفي تلك المرحلة وجه اهتمامه الفلسفي إلى مشكلات الوجود والحرية والحقيقة وغيرها من المسائل.

"وفي العام (1927) نشر كتابه المؤَسِّس: "الوجود والزمان"، وضع فيه أسس نظرية عامة عن الوجود تركزت حول النوع الخاص بالانسان من الوجود، قائلا إن الوعي بالزمان هو ما يميز البشر عما يحيط بهم من "مادة" وجدوا أنفسهم وقد "طوح" بهم وسطها، وهذه حالة تتميز بالوعي القلق المتوتر، بالمستقبل، وهي حالة تجمع بين "ضرورة الاختيار" الحر، وبين الموت الحتمي الذي يعني نهاية الوجود، وقال إن الحياة الحقيقة والأصلية ممكنة إذا واجه الإنسان حقيقة الموت، ومارس حريته في الاختيار على أساس أنها "حرية الابداع" وأن الإنسان هو الكائن الوحيد القادر على "تصميم المشروعات وتنفيذها" ولذلك فان عليه أن يصوغ "عالم الاشياء" من حوله، على أساس أنه عالم متاح وخاضع لنشاط الابداع الانساني"([21]).

تميز هايدغر بتأثيره الكبير على المدارس الفلسفية في القرن العشرين ومن أهمها الوجودية، التأويليات، فلسفة النقض أو التفكيكية، وفلسفة ما بعد الحداثة.

"لم يكن هايدغر فيلسوف تاريخ من النوع العادي، فبفضل تفكيره في التاريخ تصور نشوء الكلمة في البداية – وبوصفه ناقداً لا سياسياً للحداثة وجذورها، كان منزلياً ذا اتساق منطقي: إذ رأى أن أشكال الحياة التي تمثلها حياة القرية وحياة المزارع والحرفي اليومية كانت أقل انحطاطاً من حياة المدينة، وحقيقية أكثر من حياة المدينة التي تتصف بالاغتراب وعدمية الجذور، وكان هايدغر مفكراً ريفياً رأى الحياة الريفية أكثر بهجة من حياة المدينة. وبدأ في طريقته ذات "التفكير الثنائي" كأنه "مفكر منزلي"، أي: من الوجهة الشعرية، يعيش البشر على سطح الأرض حيث يعتنون بمنازلهم بتفكير متأن، فهو يرى شيئاً لايزال أصلياً، وكلياً، في الوقت ذاته وفي الشيء المحلي والبارز"([22]).

ومن أهم إنجازاته أنه أعاد توجيه الفلسفة الغربية بعيداً عن الأسئلة الميتافيزيقية واللاهوتية والأسئلة الإبستمولوجية، ليطرح عوضاً عنها أسئلة نظرية الوجود (الأنطولوجيا)، وهي أسئلة تتركز أساساً على معنى الكينونة.

" تتميز الحداثة، كما يرى هيدجر، بالذاتية؛ أو بالواقعية التي تذهب إلى أن الإنسان نفسه يقوم، في العصور الحديثة، بوصفه معيار كل حقيقة وأساسها، ومن ثم فإن الحداثة هي، أيضاً، ميدان الحرية؛ لأن هيمنة الذاتية تحرر نفسها من البناء المحوري اللاهوتي للمجتمع المسيحي التقليدي، ولا يؤسس نفسه إلا على ذاته فقط، ومصدر هذه الفكرة الجديدة هو تفسير ديكارت للإنسان بانه وعي بالذات، الذي يبرهن على الاستقلال المطلق للإنسان بوصفه معيار كل الأشياء.

وفي هذا الجانب يصف هيدجر ثلاث صور من الحياة السياسية في نهاية الحداثة هي: الأمركة Americanism، والماركسية، والنازية، وكل هذه الصور هي، من وجهة نظره، صورة للذاتية وللنزعة العدمية، ومن ثم فهي ممتدة من الناحية الميتافيزيقية، وكلها تتميز بديكتاتورية العام على الخاص، وسيطرة العلم الطبيعي، وعلم الاقتصاد، والسياسة العامة، والتكنولوجيا، والأمركة ليست، من وجهة نظره، ليبرالية، أو ديمقراطية، بل هي صورة معينة من الوضعية المنطقية التي تخدم العام، والتكنولوجيا. إن حقيقة الامركة هي التركيب الصناعي، أعنى الفاعلية المحورية لتخطيط اقتصادي وتكنولوجي، ينظم عمل الإنسان العادي، ويمد قاعدته عن طريق السوق العالمية"([23]).

"والماركسية، بالمثل، ليست حزباً فقط، أو وجهة نظر عن العالم، بل هي، بالأحرى، رفع عملية الإنتاج إلى الهيمنة، والرد التابع للإنسان إلى موجود منتجاً اجتماعياً.

إن كلاً من الأمركة والماركسية –عند هايدغر- تسيئان فهم الروحانية الإنسانية من حيث إنها ذكاء (عقل) إحصائي، وتفشلان، من ثم، في ان تفهما ضرورة النظر في مسألة الوجود. والصورة الأكثر تطرفاً لهذا الطيش وعدم المبالاة هي النازية، التي تكمل الفكر الحديث وتعكسه بان تحل الغريزة محل العقل"([24]).

في هذا السياق، يتهمه كثير من الفلاسفة والمفكرين والمؤرخين بمعاداة السامية أو على الأقل يلومونه على انتمائه خلال فترة معينة للحزب النازي الألماني.

ومن أبرز مؤلفاته: "الوجود والزمان" (1927)؛ "دروب مُوصَدة" (1950)؛ "ما الذي يُسَمَّى فكراً" (1954)؛ "المفاهيم الأساسية في الميتافيزيقا" (1961)؛ "نداء الحقيقة؛ في ماهية الحرية الإنسانية" (1982)؛ "نيتشه" (1983).

قالوا عنه([25]):

  • "مع هايدغر تغدو الفينومينولوجيا لحين من الزمن مركز الاهتمام الفلسفي للمثقفين الألمان، لكنها تغدو أيضاً إيديولوجيا برسم المذهب الفردي وضائقته في المرحلة الأمبريالية (جورج لوكاتش).
  • "لدى هايدغر نلقى التعبير الأكثر حدة عن بلبلة العالم في فترة ما بين الحربين، فبين سماء خاوية وأرض تضرب فيها الفوضى أطنابها، تتبدى حياة الإنسان بلا منظور، بلا مخرج، وما كان موقفاً لأمة معينة ولطبقة معينة من هذه الأمة في لحظة معينة من الأزمة، يجعل منه هايدغر هو الشرط الانساني، والعلامة الفارقة المأساوية لكل وجود" (روجيه غارودي).
  • "لا شيء مما أحاوله كان سيكون ممكناً لولا افتتاح المسائل الهايدغرية .. وقبل كل شيء لولا التنبه إلى ما يسميه هايدغر الفارق بين الوجود والموجود" (جاك دريدا).
  • "منذ القرن الثامن عشر والخيار البديل عن الأزمة يكمن في فضائل النقد، والنقد يعارض أيضاً الميتافيزيقا، ومن كانط إلى هوسرل لا يزال يلعب في الفلسفة الدور التعييني عينه الذي لعبه في المسرح، من شيلر إلى بريخت: فهو يميز، في الصراع بين مختلف الأطراف، بين الحقيقة والشبهة الخالصة. والحال أن ما يستند اليه هايدغر في مواجهة الأزمة، والمفهوم الذي يعارض به الميتافيزيقا، ليس هو النقد، بل الأسطورة" (يورغن هابرماس).

 

 

 


([1]) د. صادق جلال العظم – دفاعاً عن المادية والتاريخ – دار الفكر الجديد – بيروت – الطبعة الأولى 1990 –ص 297

([2])د.هشام غصيب – نقد العقل الجدلي – دار التنوير – بيروت – 2011 – ص42

([3]) المرجع نفسه – ص43

([4]) د. صادق جلال العظم – دفاعاً عن المادية والتاريخ – دار الفكر الجديد – بيروت – الطبعة الأولى 1990 –ص 325

([5]) المرجع نفسه – ص 326

([6]) المرجع نفسه – ص 327

([7]) المرجع نفسه – ص 361

([8])سامى خشبة – مرجع سبق ذكره - مفكرون من عصرنا – ص 618-619

([9])  جورج طرابيشي – مرجع سبق ذكره – معجم الفلاسفة – ص 455-456

([10]) د. يمنى طريف الخولي – فلسفة العلم في القرن العشرين – عالم المعرفة – العدد 264 – ديسمبر 2000 – ص 264

([11]) المرجع نفسه – ص 265

([12]) سامى خشبة – مرجع سبق ذكره - مفكرون من عصرنا – ص 618-619

([13]) غنارسكيربك و نلز غيلجي – مرجع سبق ذكره -  تاريخ الفكر الغربي - ص 897

([14]) المرجع نفسه - ص 897

([15]) المرجع نفسه - ص 901

([16])د. صادق جلال العظم – دفاعاً عن المادية والتاريخ – دار الفكر الجديد – بيروت – الطبعة الأولى 1990 –– ص504

([17]) المرجع نفسه –ص 504

([18]) المرجع نفسه - ص 506

([19]) جورج طرابيشي – مرجع سبق ذكره –معجم الفلاسفة – ص 455-456

([20])سامى خشبة – مرجع سبق ذكره - مفكرون من عصرنا – ص 900

([21]) المرجع نفسه– ص 900

([22])غنارسكيربك و نلز غيلجي–  مرجع سبق ذكره - تاريخ الفكر الغربي - ص  937

([23]) ميكل جلسباى – مقال بعنوان: مارتن هدجر - تاريخ الفلسفة السياسية (مجموعة مؤلفين)- تحرير: ليوشتراوس و جوزيف كروبسي – ترجمة: محمود سيد أحمد – المجلس الأعلى للثقافة – القاهرة – الجزء الثاني- 2005  – ص599 - 600

([24]) المرجع نفسه - ص 600

([25])  جورج طرابيشي – مرجع سبق ذكره – معجم الفلاسفة – ص 695