تداولت وسائل إعلامٍ عبرية صباح اليوم الأحد 2021/1/24 خبرًا مفاده أن التحقيق في ملف التعذيب المُميت الذي تعرّض له الأسير سامر العربيد فترة توقيفه في مركز المسكوبية قد أُغلق دون توجيه اتهامٍ لأي من ضُباط الشاباك الذين اقترفوا الجريمة التي كادت أن تودي بحياته.
إنّ هذا النبأ على ما يحمله من تكرارٍ في محتواه إلّا أنّ له بعض الخصوصيّة، إذ جرت العادة أن تظل كل الويلات والأهوال التي يُلاقيها الأسرى في أقبية التحقيق طي الكتمان بالنسبة للمؤسّسات الإعلاميّة والأمنيّة والقضائيّة الصهيونيّة، ولكن ما حدث مع العربيد يختلف، إذ كانت حفلة التعذيب التي مورست عليه أشبه ما تكون بعمل علني تناوله الاعلام العبري بثاً مُباشراً وَضَمّنَه اعترافات لمحققي الشاباك قالوا فيها إنهم استخدموا أساليباً استثنائية مع سامر لانتزاع أي اعتراف منه بدعوى أن ذلك سوف يُحبط عمليات فدائية تُخطط الجبهة الشعبية لتنفيذها في الضفة.
بداية القصة كانت صبيحة 2019/9/25 عندما اعتقلت قوات الاحتلال سامر عربيد (44) عاماً من أمام مقر عمله في رام الله وقد ظلت أخباره مقطوعة لأكثر من أسبوع بعدها بدأت تتسرب أخبارًا أكدت أنّه يعاني وضعًا صحيًا صعبًا أُدخل على أثره غرفة العناية المُكثفة في مشفى "هداسا"، حتى هذه المرحلة ظلت دولة الاحتلال صامتة لم تُعطِ أيّة تصريح حول حالته الصحية.
وعلى امتداد الأيام التالية لا زال غير معلومًا على وجه الدقة شكل التعذيب الذي تعرض له سامر في عوفر والمسكوبية ومشفى "هداسا" ولكن الحال الذي ظهر به في المحكمة نهار 2019/12/5 يُغني عن السؤال حيث كان هزيلاً لا يقوى على الحركة أو الكلام مع كدمات تُغطي جسده وجروح عميقة في الأطراف.
وخلال اليوم ذاته نشرت صحيفة هآرتس وثائقًا طبية تابعت فيها رحلة التدهور الحاد الذي طرأ على صحته وجاء في الوثائق:
- إن العربيد اعتقل بصحة جيدة واستمر التحقيق معه في مركز المسكوبية ب القدس حتى انتصاف الليلة التالية لاعتقاله عندها أُجريت له فحوصات طبية روتينية قبل نقله في الصباح إلى سجن عوفر القريب من رام الله وفي تقريره كتب الطبيب الذي أجرى الفحوصات أن حالته الصحية جيدة وليس لدية أية عوارض استثنائية.
- في أول أيامه داخل قسم التحقيق في سجن عوفر وتحديدًا بتاريخ 2019/1/26 أَلح المُحققون على أطباء السجن ليجروا له فحوصات عامة وفعلاً جرى ذلك حسبما تقول الصحيفة المذكورة عند الساعة 10:55 وكانت النتيجة أن حالته طبيعية.
- في ذات اليوم وبعد ثماني ساعات فقط عاد المحققون لأطباء السجن وطلبوا منهم أن يُعيدوا فحصه وجاء الرد أن التشخيص لم يُظهر أيّة مشاكل صحية لديه.
وهنا تبدأ الأسئلة بالتفجّر حول إلحاح ضباط الشاباك على الأطباء ليفحصوا العربيد طبيًا ثلاث مرات خلال 24 ساعة وإصرارهم على أن يحصلوا على إفادات طبية مكتوبة تؤكّد أن حالته الصحية جيدة؟؟؟ ألهذا الحد يبلغ حرص جهاز الشاباك على حياة مُعتقل فلسطيني أم أن هذا المعتقل تعرّض لأمر ما وخشي المحققون أن يكتشف فجأة فتسلحوا بفحوصات متكررة وتقارير طبية تبرؤهم من نتائج جُرم قد اقترفوه؟
- صبيحة يوم 2019/1/27 أُعيد إلى مركز توقيف المسكوبية في القدس وفور وصوله أجرى له طبيب السجن فصحًا عامًا عند الساعة 10: 7 صباحًا وكتب في تقريره أن سامر وصل إليه على كرسي مُتحرك ويعاني من أعراض نوبة قلبية، فما الذي جرى مع العربيد في الطريق بين رام الله والقدس على امتداد الساعات من السابعة مساءً وحتى السابعة صباحاً؟ وأين مورس عليه تعذيبًا أوصله لهذه الحالة طالما أن تقارير حركة السجون لم تُسجل إلا خروجه من عوفر ووصوله للمسكوبية.. أين كان خلال 12 ساعة فترة نقله من سجن لآخر وماذا جرى معه أوصله للتنقل عبر كرسي مُتحرك وأصابه بنوبة قلبية؟
- بعد فحصه من قبل طبيب سجن المسكوبية نُقِل سامر في ذات اليوم إلى مشفى "هداسا" وفي تقرير دخوله إليه كتب الأطباء أنّه بالإضافة لتنقله على كرسي متحرك وأعراض النوبة القلبية التي تُرافقه تبيّن أنّ لديه كسورًا متعددة في القفص الصدري بالإضافة لكدمات في الأطراف ومنطقتي الرقبة والصدر.. وهنا سؤال آخر تفرضه الفروق في الحالة الصحية بين تقارير أطباء المسكوبية و"هداسا" ولهذا السؤال إجابة من إثنين أولها أن سامر تعرّض للتعذيب داخل سجن المسكوبية رغم أنه فاقد القدرة على الحركة ويُعاني آثار نوبة قلبية أو أنّه في الطريق إلى المشفى نقل إلى مكان ما وهناك تعرض لتعذيب أصابه بكسور القفص الصدري وتهتك الأطراف وغيره من الآثار التي رصدها أطباء مشفى "هداسا"!
خلال الفترة التي تلت نشر فيديو سامر في المحكمة والوثائق التي نشرتها صحيفة هآرتس أصدرت منظمة العفو الدولية (آمنستي) تقريرًا أكدت فيه أن تعذيب ضباط جهاز الشاباك لسامر العربيد أثناء التحقيق معه، تحت ستار أن القانون يسمح بذلك، يفضح بوضوح مدى تواطؤ سلطات الاحتلال بما في ذلك القضاء، في الانتهاكات المنهجية لحق الإنسان في الحماية من التعذيب.
إنّ كل المعلومات والأسئلة التي طرحناها في تحقيقنا هذا ليست محاولة لإثبات إجرام الاحتلال فهذه تهمة لا تُنكرها مؤسسة القتل الصهيونية، وهي كذلك ليست محاولة لتسليط الضوء على قضية سامر العربيد بقدر ما هي محاولة للوصول لأماكن التعذيب السرية التي يُحتجز فيها الأسرى الفلسطينيين والإضاءة على ما يُقترف داخلها من جرائم بحق أبناء شعبنا.
المصدر: مركز حنظلة