Menu

الأمم المتحدة والمراهنة الخاسرة!

محمّد جبر الريفي

منذ قيام الكيان الصهيوني بناء على قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة عام 47 واعترافها به، مع باقي دول العالم الكبرى، خاصة الولايات المتحدة التي كانت أول الدول والاتحاد السوفييتي الذي كان دافعه من الاعتراف تعميم الاشتراكية في وسط المنطقة العربية التي تعاني شعوبها من التخلف بكافة أشكاله، وحتى قبل قيام هذا الكيان رسميًا عام 48، حين كانت فلسطين التاريخية تحت حكم الانتداب البريطاني، ومنذ أن أصبحت القضية الفلسطينية قضية سياسية، تحوز على اهتمام المجتمع الدولي، لم تلعب الأمم المتحدة دورًا حاسمًا في الوصول إلى حل عادل لها؛ لأن كل القرارات التي صدرت عنها هي قرارات صادرة من الجمعية العمومية، ليست فيها قوة الإلزام، ولذلك ظلت في الإدراج المغلقة بدون تطبيق، تضرب بها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة عرض الحائط؛ الأمر الذي يشجعها دائمًا على أن تتصرف كدولة فوق القانون، فتقوم بممارسة الاستيلاء على الأراضي بهدف الاستيطان والتهويد وبممارسة عقوبات جماعية ضد المدنيين دون خشية من القانون الدولي ومنظمات حقوق الإنسان.
ظلت الأمم المتحدة طيلة العقود الماضية وحتى اليوم، عاجزة عن حل الصراع العربي الصهيوني حلًا جذريًا، وذلك منذ الغزو الصهيوني لفلسطين الذي بدا مع انتهاء الحرب العالمية الأولى وسقوط دولة الخلافة العثمانية، والسبب في هذا العجز يعود بشكل أساسي إلى هيمنة دول الغرب الاستعمارية التي كانت وراء المشروع الصهيوني، وأيضًا على امتلاك نظام حق الفيتو الذي كان يعرقل أي قرار دولي، لذلك لم يصدر من الأمم المتحدة طيلة هذه المدة الطويلة وحتى اليوم، على وجود الصراع العربي الصهيوني أي قرار على البند السابع الذي يلزم إسرائيل بتطبيقه، بينما اتخذ هذا القرار ضد العراق، وكان قد أعطى الضوء الأخضر للولايات المتحدة كي تقوم بغزوه ثم احتلاله وتغيير نظامه السياسي، وأكثر من ذلك إعدام رئيسه المنتخب صدام حسين. 
هكذا هي الأمم المتحدة لا تعبء بعدالة القضايا الدولية بقدر اهتمامها بالمحافظة على مصالح الدول الكبرى، وفي إطار ذلك استطاعت هذه المنظمة الدولية أن تحل الكثير من المشاكل وإلنزاعات الإقليمية، كأقليم كوسوفو الذي وضع تحت وصايتها لفترة انتقالية، حتى حصل على الاستقلال، وفي البلدان العربية التي تشهد فوضى سياسية وأمنية كسوريا واليمن و ليبيا . كان للأمم المتحدة مساعيها لدى القوى المنخرطة في الصراع، بينما في الحالة الفلسطينية لم تحرك ساكنًا، ولم تبذل أي جهد سياسي أو دبلوماسي لا في موضوع تصحيح الوضع الداخلي بإنهاء الانقسام السياسي، ولا في موضوع استمرار الحصار الجائر على قطاع غزة ولا في موضوع عملية الاستيطان والتهويد الجارية في الضفة الغربية المحتلة، بل الأخطر من ذلك الإقدام على تقليص خدمات الأونروا، تمهيدًا لشطب قرار العودة في أي مفاوضات تسوية قادمة. وإذا كان هذا هو حال وموقف الأمم المتحدة العاجز والمنحاز دائمًا لمصالح الدول الكبرى التي تهيمن على الصراعات الدولية، فلماذا إذن المراهنة على دور تلعبه هذه المنظمة الدولية، حيث ستكون مراهنة خاسرة على دور سياسي، لن تصدر عنه قرارات لها قوة الإلزام والتطبيق؟ فما دام نظام حق الفيتو قائمًا في مجلس الأمن، ستعرقل الولايات المتحدة صدور أي قرار ضد الكيان الصهيوني؛ الأمر الذي يستدعي من المجتمع الدولي التوجه الجاد من أجل تصحيح نظام عمل هذه المنظمة الدولية، بحيث تصبح مؤسسة فعالة في حل القضايا الدولية، بدون تمييز بين قضية وأخرى، استنادًا إلى مصالح الدول الكبرى، وحين يتم ذلك التصحيح، سيكون للأمم المتحدة دورًا سياسيًا فعالًا طالما فقدته بخصوص الوصول إلى تسوية عادلة للقضية الفلسطينية.