Menu

تحليلالانتفاضة الثانية ومفاجأة استراتيجية: مراجعة المواقف الصهيونية

بوابة الهدف - أحمد مصطفى جابر

بقيت للجدل الاستخباري الصهيوني حول ما إذا كانت الانتفاضة الثانية (تشرين الأول / أكتوبر 2000)، نتيجة مبادرة ياسر عرفات والسلطة الفلسطينية أو اندلاع عفوي فاجأ الطرفين، تداعيات بعيدة المدى لم يتم تناولها بشكل صحيح حتى الآن، وفقًا لتقدير استخباراتي صهيوني، كان مقبولًا لدى معظم صانعي القرار وما شكل إلى حد كبير رد الكيان، أن عرفات قد بدأ أعمال الانتفاضة، وبحسب تقييم آخر، كان لدى العديد من الشركاء من المهنيين في الجيش الصهيوني وجهاز الأمن العام، رأي مخالف: لم يشرع عرفات في أعمال الانتفاضة، بل حاول في المرحلة الأولى إيقافها وتهدئة الوضع، لاحقا، وبعد رد قاس من الجيش الصهيوني، انضم وركب الموجة. هذا النص يلاحق المواقف والآراء العسكرية والأمنية الصهيونية الموثقة حول الانتفاضة الثانية.

 [عن دراسة أفنير بارنيا/ مركز دراسات الأمن القومي جامعة حيفا، نشرت في العدد الثالث من مجلة المجتمع والجيش والأمن الوطني الصادرة عن جمعية الباحثين العسكريين]

يزعم هذا التحليل الذي كتبه أفنير بارنيا من مركز دراسات الأمن القومي الصهيوني في جامعة تل أبيب، أن التقييم الاستخباري بأن ياسر عرفات هو من بدأ الانتفاضة غير صحيح، وأن تقديمه كتقييم مهيمن إلى صانعي القرار في الكيان الصهيوني لا ينطوي فقط على الإخفاقات المهنية ولكن أيضًا الإخفاقات الأخلاقية.

الانتفاضة الثانية: سلسلة الأحداث

في 29 أيلول (سبتمبر) 2000، اندلعت الانتفاضة الثانية واستمرت حتى عام 2005. ومن تداعياتها عملية عدوان السور الواقي (2002)، حيث سيطر جيش الاحتلال على مناطق واسعة من الضفة الغربية، وقام بعملية تدمير متعمد لمؤسسات السلطة الفلسطينية، ثم تضاءلت الانتفاضة تدريجياً مع بناء الجدار الفاصل واستشهاد الرئيس ياسر عرفات (تشرين الثاني 2004) ووصل محمود عباس إلى منصب الرئيس في كانون الثاني 2005.

وتعتبر أوساط صهيونية وفلسطينية أيضا إنه قام بتسريع نهاية الانتفاضة وكان فك الارتباط عن قطاع غزة وشمال الضفة (2005)، حسب تحليل بارنيا بمثابة نهاية الانتفاضة.

في تموز/يوليو 2000، أي قبل حوالي شهرين ونصف من اندلاع الانتفاضة، قاد الرئيس الأمريكي في حينه، بيل كلينون، وساطة بين الجانبين، شارك فيها أيهود باراك على رأس الوفد الصهيوني، ورئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات على رأس الوفد الفلسطيني، وكانت القدس الشرقية هي محور الوساطة الأمريكية بما في ذلك الحرم القدسي الشريف، ولم يتوصل الطرفان إلى اتفاق حيث اعتبر الرئيس عرفات أن الصفقة لا تلبي المطالب الفلسطينية، لكنهما قررا مواصلة المفاوضات.

في 29 أيلول/سبتمبر 2000، بعد يوم من تدنيس زعيم المعارضة أرييل شارون للحرم القدسي، اندلعت موجة غضب شعبي فلسطيني والتي أصبحت فيما بعد تعرف باسم انتفاضة الأقصى (الانتفاضة الثانية).

لماذا لم تمنع الحكومة الصهيونية تدنيس شارون للحرم؟

هناك نسخ مختلفة للإجابة على هذا السؤال، حيث شهد رئيس الوزراء باراك في لجنة أور بأنه كان لديه انطباع بأن الزيارة حظيت بموافقة جميع الأطراف المعنية ولا يتوقع "حدوث أعمال شغب"، لذلك، كان يعتقد أنه لا يوجد سبب يدعو إلى التدخل (لجنة أور، 2003، القسم 144) وفي كتاب باراك: حروب حياتي، قال: "إنه تشاور مع الشاباك الذي لم يرَ مشكلة في الموافقة عليها"، ولكن في شهادته الرسمية لم يقل ذلك صراحة.

في 25 أيلول/سبتمبر، قبل يومين من تدنيس شارون للحرم القدسي، قام عرفات برفقة بعض مستشاريه بزيارة منزل باراك لتناول العشاء، في نهاية الوجبة، التي كانت بحسب المتحدث باسم رئيس الوزراء "في جو جيد وبروح إيجابية" انفرد باراك وعرفات في غرفة منفصلة، حيث طلب الأخير من باراك منع شارون من زيارة الحرم القدسي ورد باراك بأنه لا يستطيع فعل ذلك، وبحسب الشهادة المسجلة للوزير شلومو بن عامي (في الفيلم الوثائقي "أحلام السلام المحطمة")، التقى باراك وعرفات في لقاء في كوخاف يائير لمدة 40 دقيقة حتى أن بن عامي تحدث عن المكالمة الهاتفية الثلاثية التي تحدثا فيها (باراك وعرفات) مع كلينتون، والتي قالا فيها إنهما سيعملان معًا للتوصل إلى اتفاق. وحتى قبل مغادرته إلى كامب ديفيد، تلقى باراك تقديرًا من جهاز الأمن العام مفاده أنه في حالة فشل القمة، سيحرق الفلسطينيون المنطقة.

في 29 أيلول/سبتمبر، بعد يوم من اقتحام شارون للأقصى، وقع انفجار عنيف في نهاية صلاة الجمعة، وبالنظر إلى التوتر والقلق بين الفلسطينيين بشأن فشل قمة كامب ديفيد (في ضوء المقترحات الصهيونية الأمريكية لتقسيم السيادة على الحرم القدسي بين الكيان والفلسطينيين، ومنح اليهود حق الصلاة في الحرم القدسي)، اعتبرت زيارة شارون للحرم استفزازا متعمدا، وكانت استجابة الشرطة، التي فوجئت بالغضب الفلسطيني قاسية. وأسفر الحادث عن استشهاد سبعة مصلين وإصابة نحو 100 بجروح، وفاجأت حدة الغضب الفلسطيني رئيس الوزراء ومع ذلك، "لم يكن لدى رئيس الوزراء وجهاز الدفاع أدنى شك في أن هذه كانت انتفاضة شعبية".

لم يكن الجيش والشرطة الصهيونيين مستعدين للتعامل مع مظاهرات فلسطينية بهذا الحجم، وانتشارها في الضفة وغزة. فاتخذ جيش الاحتلال في وقت لاحق موقفًا متشددًا وفقًا لخطة معدة مسبقًا - خطة "الفولاذ الساخن"، بما في ذلك الاستخدام المكثف للنيران الحية بدلاً من الأسلحة غير الفتاكة لتفريق المظاهرات ما أدى إلى استشهاد العديد من الفلسطينيين، وساهم في تصعيد الصراع ورغبة التنظيمات الفلسطينية في معادلة "ميزان الدم".

كل هذا، إلى جانب إضعاف السلطة الفلسطينية الذي كان قد بدأ في وقت سابق، والذي أضر بمكانة عرفات وقد انعكس رد الجيش القاسي في الأسبوعين الأولين من الانتفاضة في إطلاق حوالي مليون و 200.000 رصاصة - حوالي 100.000 رصاصة في اليوم، مما أسفر عن استشهاد ثلاثين فلسطينياً وإصابة المئات بجروح.

في 30 أيلول/ سبتمبر 2000، أصدرت القيادة المركزية الصهيونية، بقيادة العقيد يوسي كوبرفاسر، تقريرًا استخباراتيًا وزعه رئيس قسم الأبحاث العميد عاموس جلعاد، جاء فيه "عرفات يستخدم أحداث الحرم القدسي" لخلق صراعات محكومة كخلفية لتعزيز مواقفه في عملية التفاوض [...]" بعبارة أخرى، في هذه المرحلة، لم يطرح عميد الأبحاث بعد الأطروحة التي قدمها لاحقًا إلى صانعي السياسات، والتي تفيد بأن عرفات خطط "لاندلاع أعمال الشغب"، رغم أن الباحث بن تسور أكد "هناك مواد استخباراتية "صلبة" أمر بموجبها عرفات بوقف الأحداث وحتى إطلاق النار على المتظاهرين".

تغير تقدير جلعاد المعتدل خلال أيام، وفي 7 تشرين الأول (أكتوبر)، عُقدت جلسة استماع مع رئيس الأركان، شاؤول موفاز، قال فيها جلعاد: "عرفات يخوض صراعًا مخططًا له. ليس صحيحًا أنه تفشي، وليس صحيحًا أنها فوضى"، بعد ذلك، خلص رئيس الأركان إلى أنه: "أمام الفلسطينيين: يجب تنفيذ الخطة التي تم البدء بها على الأرض، خطة "الفولاذ الساخن"، بما في ذلك فرض عقوبات اقتصادية على كبار مسؤولي السلطة الفلسطينية"، و"انتهت سياسة ضبط النفس القصيرة، والهدف الآن هو كي وعي الفلسطينيين بأنهم سيدفعون غالياً مقابل أعمال الشغب"، وبحسب رؤوفين بيدهاتسور، بعد مراجعة وثائق البحث، يبدو أن تقييمات جلعاد لم تلقَ آذانًا صاغية وتم تكييفها لخدمة باراك في تنفيذ سياسته في كامب ديفيد، والتي بموجبها لا ينبغي اعتبار عرفات شريكًا.

في أعقاب التدهور الأمني فقدت السلطة الفلسطينية السيطرة على الأرض، وحدثت حالة من الفوضى ونفذت المنظمات الفلسطينية المقاومة العديد من الهجمات الفدائية. بعد ذلك، انضمت جميع المنظمات الفلسطينية، بما في ذلك فتح (من خلال التنظيم، الهيئة العسكرية لفتح)، إلى الجهاد وحماس والجبهة الشعبية، وانضم إليها نشطاء من قوات الأمن الفلسطينية نفذوا عمليات ضد "إسرائيل"، وخاصة العمليات الاستشهادية، وانتهز أمين عام فتح في الضفة ورئيس التنظيم مروان البرغوثي الفرصة لإعادة فتح إلى الصورة كعامل رئيسي، في البداية في الاحتجاجات ثم في الأعمال الفدائية التي قام بها نشطاء التنظيم لاحقًا.

وقد أشعل إعدام جنديين صهيونيين من قبل فلسطينيين في رام الله في 12 أكتوبر/تشرين الأول النار، وكان الرد الصهيوني المكثف الذي تضمن استخدام مروحيات هجومية وطائرات إف -16 يهدف إلى "وقف العنف الفلسطيني" ولكن باءت المحاولة بالفشل.

يكشف تحليل بارنيا أن موقف جلعاد هو ضد تقييمات رئيس الساحة الفلسطينية في اللواء افرايم لافي وتقديرات محققي القوات المسلحة وجهاز الأمن العام، علاوة على ذلك، ووفقًا لقائد القوات، اللواء عاموس مالكا، فإن التقييم الذي قدمه لواء البحث لا أساس له ويتعارض مع رأيه، على الرغم من ذلك، فإن تقدير جلعاد كان مدعومًا من قبل رئيس الأركان، والذي تم تداوله في منتديات مختلفة، بما في ذلك المحادثات الخلفية مع الصحفيين، وأثبت إلى حد كبير السرد المركزي في الرأي العام "الإسرائيلي" بأن الانتفاضة كانت فعلا فلسطينيًا لتقويض اتفاقات أوسلو.

العوامل الأساسية لاندلاع الانتفاضة من وجهة نظر الكيان

يُعرّف تدنيس شارون للحرم القدسي بأنه دافع رئيسي لاندلاع الانتفاضة فلسطينيا، لكن وقعت أحداث أخرى في المناطق التي مهدت الطريق لاندلاع الانتفاضة الثانية:

إحباط في الشارع الفلسطيني

كان هناك إحباط مستمر بين الفلسطينيين، حيث لم توفر الاتفاقية المؤقتة في أيلول/سبتمبر 1995 أراضي للسلطة الفلسطينية، ولم يتم تنفيذ الاتفاقات الموقعة من مذكرة واي 1998 (تم تنفيذ الخطوة الأولى فقط وتظهر استطلاعات الرأي الفلسطينية التي أجراها الخبير الفلسطيني خليل الشقاقي مدى تآكل مكانة رئيس السلطة الفلسطينية).

اشتباكات افتتاح نفق الحائط الغربي

في 23 أيلول/سبتمبر 1996، الذي وافق مساء يوم الغفران في العقيدة اليهودية، أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن افتتاح ما سمي نفق "حائط المبكى" - مما أدى إلى مواجهات في أعقاب الخطوة "الإسرائيلية" أحادية الجانب، ورد عرفات بدعوة الفلسطينيين للرد على هذه الخطوة، وكان فتح النفق تم دون استعداد من الجيش الصهيوني للنتائج كما لم يسبق قرار نتنياهو أي عمل عسكري منظم واستمرت أعمال العنف بين الفلسطينيين والكيان لحوالي أسبوع، قُتل خلالها 17 جنديًا إسرائيليًا واستشهد 100 فلسطيني. بعد المواجهة، صاغ جيش الاحتلال برنامج "حقل الأشواك"، والذي تم تنفيذه بالفعل في أعقاب أحداث المواجهات في تشرين أول/أكتوبر 2000، وتم تحديثه، وأعيد تسميته بـ "الحديد الساخن" بعد أحداث أيار/ مايو 2000.

مظاهرات يوم النكبة

في 15 أيار 2000، يوم النكبة، بدأ إضراب تجاري عام، وفي وقت لاحق، اندلعت مواجهات في مناطق الضفة الغربية، وامتدت إلى قطاع غزة، وشملت تبادل إطلاق النار بين الشرطة الفلسطينية وجنود جيش الاحتلال، ثم انحسرت بعد رد شديد من الجيش، استشهد خلالها ثمانية فلسطينيين وجُرح حوالي 250، وأصيب عدد من جنود جيش الاحتلال، وبعد الأحداث قرر رئيس الأركان شاؤول موفاز الاستعداد لمواجهة مستقبلية.

انسحاب الجيش من لبنان، في أيار/مايو 2000

قال مروان البرغوثي في ​​عام 2001: إن "انسحاب إسرائيل من لبنان كان بالفعل أحد العوامل المساهمة في الانتفاضة [...] إذا تم تحقيق ذلك في لبنان بين عشية وضحاها، فإن الانسحاب من رام الله إلى تل أبيب يجب ألا يأخذ أكثر من ثلاث ليالٍ [...] يتأثر فكر جيل فلسطيني جديد بأكمله بتجربة إخواننا مع حزب الله وانسحاب إسرائيل من لبنان".

المواجهات في ضريح يوسف

في 1 تشرين الأول، اندلعت أعمال المواجهات في مجمع ضريح يوسف في نابلس، وأثناء المعركة التي أعقبت ذلك، قتل ضابط حرس الحدود مدحت يوسف. وعقب الحادث، اندلعت مواجهات.

الانتفاضة الثانية - انتفاضة عفوية أم مبادرة عرفات؟

تقييم عاموس جلعاد

منذ عام 2000، كان الوعي العام في "إسرائيل" وبين صناع القرار أن رئيس السلطة الفلسطينية هو من بادر إلى الانتفاضة الثانية، وأن المخابرات "الإسرائيلية" علمت مسبقًا بنيته وأبلغت رئيس الوزراء. ينعكس هذا، من بين أمور أخرى، في مذكرات اللواء (احتياط) عاموس جلعاد ورئيس الأركان السابق موشيه (بوجي) يعلون (يعالون). وبحسب جلعاد: "قلت إن عرفات يخطط لبدء مواجهة في سبتمبر 2000 [...] عن طريق إحراق المنطقة. لا يمكنني الخوض في التفاصيل، ولكن هذه معلومات موثوقة" ولم يتم تحديد مصدر هذه المعلومات، ولا يوجد أي إشارة إليها، وباحثو المخابرات في الجيش الصهيوني وجهاز الأمن العام الذين تعاملوا مع الموضوع الذي لا يعرفون ما يدور حوله.

تقييم مستوى العمل في خدمة البحث

في حزيران/ يونيو 2000، صاغ جهاز الأمن القومي تقييما لنوايا عرفات.قيل فيه أنه قد تدفع اعتبارات مختلفة عرفات إلى الموافقة على "ترتيبات مؤقتة" تسمح بإعلان الدولة (بموافقة إسرائيلية أمريكية)، بالإضافة إلى الحصول على حصة كبيرة من الأراضي والتزام "إسرائيلي" بمواصلة المفاوضات لفترة محدودة، وبعد ذلك على أساس القرار 242 وعندما ذهب باراك إلى كامب ديفيد، تلقى تقديرًا من جهاز الأمن العام أنه إذا فشلت القمة، فإن الفلسطينيين سيحرقون المنطقة وأشار يسرائيل سرينزل، العضو البارز في قسم الأبحاث في جهاز الأمن العام، إلى أنه تم تقديم تقييم لباراك فيما يتعلق باحتمال اندلاع أعمال شغب، لكنه لم يذكر أن السلطة الفلسطينية ستطلقها.

بعد عودته من كامب ديفيد، وجه رئيس الوزراء تحذيراً إلى جهاز الأمن العام للاستعداد لأعمال الشغب، وأرسلت رسالة مماثلة للجيش، وهذا حدث غير مسبوق حيث يكون المستهلك الرئيسي للمخابرات هو في الواقع المنبه الرئيسي أيضًا، وفي نهاية المؤتمر، كان هناك شهران هادئان، بما في ذلك محاولات استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، وكان تقييم شعبة أبحاث القوات المسلحة قبل اندلاع الانتفاضة أنه بعد فشل قمة كامب ديفيد، لم تعد السلطة الفلسطينية مهتمة بالعنف، حتى رئيس الأركان موفاز، الذي تبنى بعد اندلاع خطاً متشدداً ضد الفلسطينيين صرح بعد كامب ديفيد بأن "الفلسطينيين في هذه المرحلة غير معنيين بالمواجهة".

في 24 آب (أغسطس) 2000، جرت مناقشة في قسم الأبحاث في جهاز الأمن العام، حيث صرح رئيس القسم، بن تسور، أن: "عاموس جلعاد، الذي تحدثت معه، يعتقد أن الصراع شبه حتمي وأنه ليس سوى مسألة وقت أجاب "أ. ب.": "نختلف معه" ما يعني ضمنا أنه قبل نحو شهر من اندلاع الانتفاضة، كان موقف المحققين في قسم الأبحاث في الشاباك والجيش هو نفسه، على عكس موقف جلعاد بأن عرفات ينوي الشروع في المواجهة.. وكتب جهاز الأمن العام وثائق بهذه الروح في ذلك الوقت وكتب الأمر نفسه في قسم الأبحاث في الجيش.

بعد سنوات قليلة من انتهاء الانتفاضة، طرح السؤال: هل المواجهات التي أعقبت زيارة شارون إلى الحرم القدسي كانت عفوية أم مخطط لها؟ الذي أثار القضية كان رئيس الساحة الفلسطينية في قسم البحوث عند اندلاع الانتفاضة الثانية، العقيد افرايم لافي، الذي ادعى: "كان ينظر إليه من قبل باراك والقيادة العسكرية كجدير بالثقة، وبحسب لافي، فإن التقييم المهني للباحثين في الساحة الفلسطينية كان مختلفًا: "رفع [عرفات] الموجة لكبح الانتقادات من الداخل وإجبار إسرائيل على استعراض مواقفها في المفاوضات السياسية". وقال لافي إن تقييم باراك بأنه "لا يوجد أحد نتحدث معه ولا يوجد شيء نتحدث عنه" كان خاطئًا.

لم تذكر التقييمات التي جمعتها شعبة الأبحاث أن عرفات لم يكن ينوي التوصل إلى اتفاق، وأن نيته الحقيقية كانت القضاء على "إسرائيل". وبحب بدهاتسور، إذا قدم جلعاد موقفًا مختلفًا لرئيس الوزراء وكبار أعضاء الحكومة، فإن تقييمه كان: "التوراة الشفوية"، أي لايوجد وثيقة، كما حددها أحد قادته في قسم الأبحاث (في إشارة إلى إفرايم لافي، ولم تكن مبنية على معلومات تم التحقق منها).

في تشرين الثاني (نوفمبر) 2000، أكمل يوسي بن آري، ضابط مخابرات مخضرم، دراسة في الشهر الذي سبق اندلاع الانتفاضة الثانية وبناءً على المعلومات المتوفرة لمسؤولي المخابرات، حيث ختم في مقال نشرته صحيفة "هآرتس" "في كل المعلومات الاستخبارية، لم أجد أي مؤشر على التخطيط المبكر للعنف بمبادرة من عرفات، أو بمبادرة من آخرين في المعسكر الفلسطيني، خوفا من فقدان السيطرة. فقط إدراك أن فرض الهدنة يمكن أن يؤدي إلى حرب أهلية، وانهيار مؤسسات السلطة الفلسطينية، وتدمير قوات الأمن وخسارتنا الشخصية – اختار عرفات "الركوب على ظهر النمر" وانضم إلى "الفوضى العامة".

ووزع التقرير على نطاق محدود في دوائر المخابرات، ولم يوجه إلى القيادة الأمنية - السياسية وأشار بن أري في مقال إلى مسؤولية رئيس قسم الأبحاث آنذاك، عاموس جلعاد: فترة أرييل شارون: "عرفات قاتل". ردد [جلعاد،] وتساءل بن آري عن النزاهة المهنية لرؤساء المخابرات آنذاك الذين فشلوا، والآخرين الذين لم يعبروا عن آرائهم ولم يقفوا في وجههم حتى الاستقالة. وبحسب بن آري: "لجنة كوهين التي حققت في مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا خلال حرب لبنان الأولى، فاقمت الوضع مع اللواء يهوشوا ساغي، قائد القوات المسلحة آنذاك، وبذلك، فقد وضعت معيارًا واضحًا للنزاهة المهنية المطلوبة".

رداً على مقال بن آري، ادعى يوسي كوبرفاسر، قائد القيادة المركزية، وقت وقوع الحادث: بينما كان جلعاد رئيس الأبحاث، وأنا كقائد، رغم أننا لم ننسق إطلاقاً. لقد فهمنا من أين انجذب عرفات وعلى الأقل كانت القيادة مستعدة لذلك [...] لا شك أن عرفات أعد الموجة الإرهابية مسبقًا، حتى لو لم يكن يعرف متى سيطلقها، وهذا يتوقف على الظروف" وأصر بن آري: "لم تكن هناك معلومات إرشادية بأن عرفات خطط وأعد لمثل هذه الخطوة"، وأثار احتمال أنها كانت نبوءة ذاتية التحقق ولديهم معلومات محددة بأن عرفات بدأ الانتفاضة الثانية، بمعنى ما قاله جلعاد أيضًا ومخالفًا لرأي الكثيرين في مجتمع المخابرات الذين زعموا أن المواجهات اندلعت بشكل عفوي. وأشار إلى أن مركز الأبحاث العسكرية تحدث قبل أشهر من الحادث عن الاستعدادات الفلسطينية "لأعمال الشغب"، وتجاهل حقيقة أن ذلك يتناقض مع المعلومات القائلة بأنه في اليوم التالي على اندلاع "أعمال الشغب"، في 30 أيلول/سبتمبر، وزع تقريرًا يفيد بأن الفلسطينيين لم يكونوا ينوون تصعيد "أعمال الشغب".

موقف عاموس مالكا

ادعى اللواء عاموس مالكا، في مقابلة مع صحيفة "هآرتس" أن عاموس جلعاد ضلل صانعي السياسة، وشوه التقييمات الاستخباراتية في آذان المستوى السياسي.

في 30 حزيران (يونيو) 2004، نشر مالكا مقالاً آخر بعنوان " مكتوب بأثر رجعي" قال فيه: "لا يوجد دليل قاطع على أن عرفات أشعل النار في سبتمبر 2000"، وأن "الحريق على الأرجح اندلع من أسفل" وقد نجح جلعاد في غرس مفهوم" لا شريك" في القيادة السياسية" وأضاف: "خلال فترة عملي كرئيس للقوات المسلحة، لم تكن هناك وثيقة واحدة من قسم الأبحاث" وأعرب عن تقديره بأن مزاعم جلعاد "قدمت لرئيس الوزراء"، وزعم جلعاد ردا على ذلك أن كلام مالكا "مزاعم عبثية"، قائلا: "للأسف، وبعمق شديد، تبين أن هذا التقييم الاستخباراتي له ما يبرره" وتساءل جلعاد: "أين كان مالكا منذ أربع سنوات؟" مضيفًا: "لقد دخل [مالكا] المخابرات لفترة وجيزة. ورائي عقود من الخبرة مع عرفات، أعرفه من جميع الزوايا، إنها ليست معلومات فحسب، بل معرفة عميقة أيضًا، لقد أمضيت آلاف الساعات في فهم هذا الرجل" وقال رئيس الأركان السابق موفاز: "جلعاد قدم تقييمات موثوقة، الادعاء بعدم وجود شريك فلسطيني، قد أثبت نفسه مرارًا وتكرارًا في السنوات الأخيرة". وعموما فيما يتعلق بموقف مالكا، ليس من الواضح كيف جاء موقفه، الذي يختلف عن موقف جلعاد، كما أشار لافي أيضًا لم يُسمع في الجيش ولا من قبل رئيس الوزراء.

موقف الشاباك

رأي قادة الشاباك في اندلاع الانتفاضة الثانية واضح - رئيس السلطة الفلسطينية لم يشرع في ذلك. وبحسب الشاباك، كانت هذه "أعمال شغب" اندلعت بشكل عفوي، وكان عرفات متفاجئًا مثل "إسرائيل"، وقال الدكتور ماتي شتاينبرغ، الذي عمل مستشارًا لرئيس جهاز الأمن العام:" ساد شعور بالجمود بين الفلسطينيين نتيجة فشل مؤتمر كامب ديفيد، كان وضعهم الشخصي والاقتصادي والاجتماعي يتدهور، فشلت أنظمة السلطة. انتشر الفساد، هذه الظروف الهيكلية، التي حدثت تحت السطح، كانت تنتظر فقط محفزًا ليتم تنفيذه بالقوة [...] لقد تحقق التقييم الخاطئ".

مواقف قيادات الشاباك من اندلاع الانتفاضة الثانية مذكورة في كتاب درور موريه، وفي سلسلة وثائقية تم بثها في عام 2013، حيث تمت مقابلة ستة رؤساء سابقين في جهاز الأمن العام حول دورهم، وتبعا آفي ديختر أحد الستة الذين تحدثوا في البرنامج "بخلاف الواقع، هناك مؤشرات على أننا نتجه نحو انتفاضة. ولم يعرف الفلسطينيون أيضا أن انتفاضة كانت على وشك الاندلاع". وتحدث ديختر عن المواجهة بين الشاباك والجيش في هذا الشأن وقال: "كانت هناك مشادة بيننا وبين الجيش، استمرت حتى عملية الدرع الواقي عام 2002".

من جانبه ادعى قسم الأبحاث شعبة الاستخبارات AMN أن الانتفاضة كانت مبادرة، قام بها عناصر من فتح في الضفة الغربية وربما في غزة أيضًا، "وادعينا أنه ليس لديها دعم استخباراتي، كل ذلك كان تكهنات".

يوفال ديسكين، نائب ديختر في ذلك الوقت، قال: "الجو العام في الجمهور الفلسطيني، وكذلك في إسرائيل إلى حد كبير، كان أننا في طريقنا إلى مواجهة حتمية. لا أعرف إذا كنت تتذكر وسائل الإعلام في ذلك الوقت، كانت هناك أيضًا حوادث في قبر يوسف، هذه المرة قرر الجيش أنه سيكون مستعدًا للانفجار. لم يعتقد أحد أننا سندخل هنا لمدة خمس أو ست أو سبع سنوات من التفجيرات الانتحارية ومثل هذا حمام الدم العظيم".

وتابع ديسكين حديثه عن العمليات الداخلية في الضفة التي خلقت اضطرابات ضد عرفات: "عشية الانتفاضة الثانية، جرت انتخابات في يهودا والسامرة، وفاز البرغوثي، ورفض عرفات نتائج الانتخابات لأن البرغوثي كان بالنسبة له معارضا. لا يزال البرغوثي محبطًا، لذا فليس من قبيل المصادفة أنه قاد أحداث الانتفاضة الثانية وليس عرفات"، وأشار ديسكين إلى أنه: "خلافًا لما يقوله الخبراء الكبار، لم يقود عرفات الانتفاضة." لقد "ركب الموجة" في مرحلة لاحقة". وفي كلمة ألقاها ديسكين في مدرسة بني دافيد الإعدادية عام 2006، كرر أن عرفات لم يبدأ الانتفاضة: "اغسلوا عقولنا بتقديرات خاطئة".

من جانبه، أكد عامي أيالون، الذي ترأس الشاباك بين عامي 1995 و 2000، أنه لا توجد وثيقة استخباراتية تفيد بأن عرفات كان قد خطط للانتفاضة مسبقا، وقال "العكس هو الصحيح"، حتى مسؤولي فتح، بمن فيهم مروان البرغوثي وقدورة فارس، المقربون جدا من عرفات، وبعد أيام قليلة من اندلاعها، التقيا لاستكشاف كيفية استغلالها لأغراض سياسية، وأخذ البرغوثي على عاتقه قيادة أنشطة التنظيم إلى أن تم اعتقاله". وادعى إيلون في محاضرة بعنوان "الحلم وكسره - تحليل لعملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية"، أنها سياسة محددة الهدف: الانتفاضة موجهة ضد إسرائيل، وضد العملية السياسية برمتها وحتى ضد السلطة الفلسطينية".