Menu

هل نحن على أبواب حرب رابعة؟

gazawa

اسماعيل مهرة

إن أكثر توقع يثبت صحته دومًا بالنسبة للقطاع هو توقع احتمال الحرب، لأن الحرب باتت أشبه بقدر غزة الذي لا يمكن لها الفكاك منه طالما بقيت نفس المكونات الكلية للمشهد الكلي في القطاع، من حصار وانقسام، ومواقف عربية وأدوار إقليمية، وتأثيرات وتداعيات كل ذلك على الموقف السياسي والميداني وعلى الموقف الإسرائيلي، يضاف لذلك أسباب أخرى أساسية مكملة للمكونات التي تجعل الحرب أمرًا محتومًا بين الفترة والأخرى، ومن بينها:

- تحول المقاومة من مقاومة استنزافية شبه يومية الى عمليات حربية نوعية و"التقبل أو التطبع" مع شن حرب عدوانية من قبل الاحتلال كرد فعل على العملية الحربية، هذا التحول حدث بفعل الانسحاب الاسرائيلي من القطاع وتبني اسرائيل لسياسة ردعية قاتلة شرسة ضد عمليات المقاومة، وتبني المقاومة من جهة أخرى للسلاح الصاروخي واعتمادها عليه وتحوله لاحقًا الى سلاح دفاعي ردعي.

- جرنا الى تبني مفهوم الردع وتوازن الردع، الذي قد يكون جيدًا لمن هدفه الدفاع، وهو غير ذي صلة لمن يتبنى أهدافًا تحريرية.

- تحول المقاومة الى دور وظيفي في إطار مفهوم "حماس تحمي المقاومة، والمقاومة تحمي حماس"؛ الأمر الذي قد يجعل حسابات المقاومة أحيانًا تخضع لأجندة فصائلية.

 

الأجواء غير صالحة لقياس احتمالات الحرب

سخونة الأجواء وبرودتها، من حيث التسخين والتصعيد أو التبريد والاحتواء وبث أجواء التفاؤل في تصريحات ذوي الصلة بقرار الحرب على طرفي الجبهة، لا تصلح مقياسًا لقراءة احتمالات الحرب من دونها، فرغم انها قد تلعب عنصرًا لحظيًا مهمًا لكن دورها يبقى غير أساسي، حيث ان قرار الحرب يخضع لدراسات وحسابات بأعصاب باردة ويخضع لإعداد وتجهيز مسبق، بينما التصريحات وتسليط أضواء الإعلام في وقت ما قد يخضع لأهداف ووظائف كثيرة، من بينها نقل رسائل للداخل والخارج.

والأجواء تتبدل بسرعه قياسية، أحيانًا تشعرك بأن الحرب على الأبواب، ثم تنقلك سريعًا الى أجواء من التفاؤل وكأن السفن سترسو غدًا في ميناء غزة، بينما الواقع هو غير ذلك تمامًا.

 

إسرائيل لا تملك وحدها قرار الحرب

منذ وقت طويل لم تعد إسرائيل تمتلك وحدها قرار الحرب، فالمقاومة الفلسطينية باتت طرفًا في معادلة اندلاع الحرب، وبإمكانها في كل لحظة أن تجر اسرائيل الى حرب جديدة، فيكفي أن تعطي الضوء الأخضر لبعض العناصر في قوى هامشية بإطلاق دفعات متفرقه من الصواريخ على مدى بضعة أسابيع، لتبدأ عمليات الرد الاسرائيلي والاغتيال وتصعيد القصف تدريجيًا، وسيأتي الرد الفلسطيني بالمزيد من الصواريخ، وهكذا حتى تعلن إسرائيل اسمًا للعملية العدوانية، وتعلن الفصائل اسمًا يناسبها أو ان تقوم المقاومة بعملية نوعية.

لذا، فإن من يريد قراءة احتمالات الحرب؛ عليه عدم الاكتفاء بقراءة الموقف الاسرائيلي فقط، بل والموقف الفلسطيني.

 

الموقف الاسرائيلي من الحرب

بداية لابدّ من القول ان إسرائيل مرتاحة تمامًا لواقع جبهة غزة بما يميزه من هدوء وصفه يعلون بـ "غير المسبوق"، وفي إسرائيل يعتبرونه أحد نجاحات الحرب الأخيرة على اعتبار ان الهدوء ناتج عن الردع، الذي بحسبهم نجحت اسرائيل في ارسائه، ومن ناحية قيادة حكومة الاحتلال فإنها على استعداد بمقابلة هذا الهدوء بهدوء طويل، وهو شعار نتنياهو - يعلون "الهدوء مقابل الهدوء".

بيد ان إسرائيل ومخابراتها تدرك ان الواقع ليس بهذه البساطة، وأن هذا الهدوء قد يكون مضللًا، وهو ما أكده يعلون حينما قال من على ظهر سفينة أمريكية في ميناء حيفا "إننا لا نبيع أنفسنا وهمًا، ونعرف ان حماس ماضية في بناء الأنفاق الهجومية، وأن المعركة قد تندلع في كل وقت".

إسرائيل تعتبر الهدوء هو أحد إنجازات حروبها، وهو وقت مستقطع بين جولات المواجهة، من مصلحتها - وربما هدفها الوحيد من جولاتها الحربية - إطالة أمد فترات الهدوء، في ظل تهربها من أية تسوية كبيرة أو لقناعتها انه لا يوجد طرف آخر يكون شريكًا لمثل هذه التسوية.

حروب إسرائيل الثلاثة الأخيرة على القطاع كانت ما بين المبادرة إليها أو التدحرج إليها، وهدفها جميعًا تحقيق الهدوء للمستوطنين، إضافة الى أهداف أخرى؛ الأولى عام 2008 كانت حربًا لفرض تهدئة كانت قد انتهت وأرادت إسرائيل تجديدها، والثانية في 2012 بادرت إليها بتخطيط مسبق اختبارًا واستفزازًا للدور المصري بقيادة مرسي وعدم تفويت "فرصة صيد ثمين"، أما الثالثة في 2014 فكانت حربًا ردعية متدحرجة، والقادمة ربما ستكون رد فعل مخطط له أو حرب استباقية مبادر إليها في سياق خطة هدفها:

- إجهاض مخططات المقاومة وسحب زمام المبادرة منها.

- تدمير ما يمكن تدميره من أسلحة المقاومة الرئيسية (أنفاق هجومية وصواريخ بعيدة المدى).

- ضرب البنية التحتية للصناعات العسكرية وتوجيه ضربة موجعة للمقاومين.

- إعادة وتعزيز الشعور بالأمن لدى المستوطنين، تعزيز موقع نتنياهو ومكانته باعتباره الزعيم القادر على ردع الفلسطينيين في الضفة والقطاع.

- جعل المقاومة المسلحة عبئًا وعملًا مكلفًا وغير مجدٍ بمعيار الكلفة والنتائج.

- كل ذلك في إطار تحقيق هدف الردع وإعادة الهدوء، ولكن دون الوصول لتغيير الحالة السياسية في القطاع.

جديرٌ بالذكر أن كل ذلك مرتبط إلى حد كبير بنجاحات المقاومة وقدرتها على تحقيق أهداف نوعية أو إلحاق خسائر بشرية كبيرة؛ الأمر الذي سيؤدى حتمًا الى إجراء تغيير على أهدافهم، سواء بالتصعيد أو التراجع.

 

عوامل قرار الحرب

- يعتبر الضجيج الإعلامي حول الأنفاق الهجومية، سواء من قبل الإعلام أو المعارضة أو مستوطني العلاف، عاملًا محرجًا وضاغطًا على نتنياهو - يعلون، لكنه ليس عاملًا رئيسيًا، فالضجيج الإعلامي سيشكل موجة أو عدة موجات عابرة هدفها الأساسي انتقاد إدارة نتنياهو للحكومة، وإظهاره بالعاجز الضعيف غير القادر على توفير متطلب الأمن الرئيسي للسكان، وقد اختارت المعارضة - وحتى بعض أقطاب الحكومة (بينيت) - مهاجمة نتنياهو من جبهة غزة، باعتبارها الجبهة الأضعف ومركز الأعصاب المكشوف للحكومة، فلا يستطيع نتنياهو اتهامهم باليساريين أو عديمي الصلة بالواقع أو المتآمرين على أمن الدولة كما يحدث في السجال على جبهة العملية السياسية. نتنياهو - الذي يخشى ان يتم تجاوزه من اليمين، ويخشى مما قد يعلق في انطباع الجمهور عنه - يشعر بالتوتر نتيجة التقارير الإعلامية عن الأنفاق الهجومية، وقد تؤثر على قراره في حال شعر ان لها تأثيرًا كبيرًا على الجمهور.

- هجوم الإعلام والمعارضة والنخب فيما يتعلق بالأنفاق الهجومية وسياسات نتنياهو تجاه القطاع وتسليط الضوء عليها؛ أمر سيستمر، وقد يؤثر تدريجيًا في سياسات الحكومة السياسية والأمنية تجاه القطاع.

- موقف الجيش بات أكثر حذرًا من السابق في عرض تقديراته، وهو يلجأ لأمرين؛ الأول: المبالغة في تقدير المخاطر، حتى لا يتحمل مسؤولية سوء تقديراته فيما لو كانت خطأ مثلما حدث في الحرب الأخيرة، حيث فشل أكثر من مرة في تقدير موقف حماس، وربما كان ذلك سببًا في إطالة أمد الحرب، والارتباك الذي رافق إدارة المستوى السياسي والأمني للحرب، ولأنه لا يمتلك معلومات قطعية حول وجود أنفاق هجومية وصلت الى داخل أراضي الـ 48 أو عدم وصولها؛ فهو لا يستبعد وصولها ويؤكد أن المقاومة تعمل على قدم وساق لبناء أنفاقها الهجومية. والأمر الثاني: انه يحاول ان يبث الشعور بالأمن لدى المستوطنين عبر نشر عدد كبير من الحفارات على طول الحدود، هدفها البحث عن الأنفاق الهجومية.

- نتنياهو ويعلون لا يستطيعان سياسيًا تحمل مسؤولية ان تفاجأهم المقاومة بعملية نوعية عبر الأنفاق الهجومية بعد كل هذا الضجيج والتحذير منها، وبعد ان أعلنت قيادات من حماس انها تملك أنفاقًا هجومية وصلت الى ما بعد غزة، وبعد انكشاف أمر هذه الأنفاق في أعقاب انهيار عدد منها، وفي ظل النوايا المعلنة للمقاومة من استعدادها لتنفيذ أعمال هجومية نوعية، كما ان مراقب الدولة أصدر في السابق تقديرًا عن علاج الحكومة لموضوع الأنفاق، ووجه نقدًا كبيرًا للمستوى السياسي؛ كل ذلك يجعل نتنياهو ويعلون غير قادرين على احتواء الأمر أو تدوير الزوايا في مسألة الأنفاق الهجومية، وهما يخشيان جدًا ان تفاجأهم المقاومة بعملية نوعية كبيرة من الأنفاق، الأمر - الذي بتقديرنا - قد أوصل قدرتهم على المناورة والتهرب من الدخول في جولة تصعيد الى طريق مسدود.

- نتنياهو ويعلون تحديدًا لا يثقان بأن القسام مستعد أن يتخلى عن عقيدة قتال إسرائيل حتى مقابل رفع الحصار، كما انهما لا يزالان يتمسكان بأجندة جوهرها يقوم على ان العرب مفترسون وليس لنا الا ان نعيش على حرابنا، وأن هدف الفلسطينيين إبادتنا والقضاء على دولة إسرائيل، هذه تعتبر أساس لدى نتنياهو ويعلون للشك في نوايا الفلسطينيين، وأساس لتوظيف ذلك في القضاء على أي توجيه للتسويات، حتى لو كانت مرحلية، كما ان مسألة رفع الحصار دون ثمن حقيقي تدفعه حماس - وهي لا تستطيع دفعه - سيضر نتنياهو انتخابيًا وسيظهره كمن استسلم لحماس.

- وجود رئيس أركان جديد (غادي ايزنكوت) ومرور سنة على خدمته في رئاسة الأركان ربما تحتم عليه أن يقود الجيش الى حرب في عهده، فالثلاثة الذين سبقوه خاضوا حروبًا.

- الانتخابات الأمريكية والبيئة المحلية الفلسطينية والعربية والدولية قد تكون مشجعة لإقدام اسرائيل على عدوان على القطاع، من باب انها لن تكون قادرة على لجم العدوان أو انتقاده بشكل قوى، وربما سيمارس بعضها سياسة الصمت.

- فيما عدا قضية الأنفاق الهجومية؛ فإن نتنياهو ويعلون يشعران ان الأوضاع على جبهة القطاع في أفضل حالاتها الأمنية، حيث يسود الهدوء، وهما أصلًا لا يسعيان لتغيير الأوضاع السياسية في القطاع، وبالنسبة لهم استمرار الانقسام واستمرار حكم حماس للقطاع هو أفضل الممكن، وإسرائيل لم تسعَ في السابق ولن تسعى في المستقبل لإسقاط حماس، فهي تريدها منهكة ومردوعة.

- أخيرًا؛ فإن عدم الثقة المتبادل بين المقاومة وإسرائيل يعتبر أحد أهم الأسباب التي تزيد احتمالات اندلاع الحرب المقبلة، فلا المقاومة تأمن غدر إسرائيل، ولا إسرائيل تأمن مفاجأة المقاومة بعملية نوعية؛ الأمر الذي يجعل الطرفان في سباق مع الزمن لتحقيق كل ما يراه كل طرف كانتصار.

والسؤال على الأغلب هو متى ستندلع شرارتها؟ ومن الذي سيبادر إليها أو سيجر الطرف الآخر إليها؟ وعلى الأغلب فإن عام 2016 سيشهد حربًا على القطاع، من جهة إسرائيل فهي ربما ستكون استباقية أو في إطار رد الفعل، ومن جهة المقاومة فإما ستكون حربًا مبادرًا إليها تمتلك فيها زمام المبادرة، مما سيمكنها من اليوم الأول ان تعلن انتصارها في تحقيق الهدف أو الأهداف منها، ويجعلها قادرة على الموافقة على الذهاب سريعًا لهدنة جديدة، وربما في قيادة القسام يشعرون انهم بحاجة ماسة لهذه الحرب لتحقيق نتائج أفضل في قضيتيْ الأسرى ورفع الحصار.

المصدر: مركز اطلس