Menu

اشتاق لـ"سمسم" فقنصه الجنود.. وداعًا عبد الفتاح

29792172_831140377072605_4342332651932070487_n

غزة _ هدى بارود _ خاص بوابة الهدف

"لم تُمهله الرصاصات حتى يُسلّم الإطار الفارغَ من يده. كانت الاصابة سريعة ومباشرة فسقطَ على إثرها مُضرجًا بدمه"، هكذا وصفَ الصحافي نضال عليان لحظة قنص الشاب الأسمر عبد الفتاح عبد النبي برصاصةٍ في رأسه، إذ كانَ شاهدًا حيًا على الجريمة.

وقال عليان في مقابلة مع "بوابة الهدف": "أشعلَ بعض الشباب المشاركين في مسيرة العودة الإطار ودحرجوه باتجاه الحدود، فانطفأت الشُعلة، وتطوعَ أحدهم لإحضاره وإشعاله من جديد، ركضَ مسافةً أقربَ من الحشد باتجاه الشرق فانطلقت الرصاصات من جنود الاحتلال نحوه، زحفَ أرضًا ولحقه شابين كانَ عبد الفتاح الذي يرتدي قميصًا أسود اللون أحدهما، وما أن وصلَ عبد الفتاح حتى تناولَ الإطار منه وتابعا الركضَ ليرتقي شهيدًا بعدَ ثوانٍ من سماعنا صوتَ الرصاص".

الشاب الذي ودعَ الطفولة قبلَ أشهرٍ وأصبح في الثامنة عشر من عمره، كانَ ذاهبًا إلى مسيرة العودة الشعبية التي بدأت فعالياتها في الثلاثين من مارس ليشارك أصدقاءه، في هذه الفعاليات.

ويضيف الوالد أنه قرر وأبناءه الأربعة، المُشاركة في مسيرة العودة الكبرى ليطالب بحقه في العودة إلى قريته الأصلية سمسم، يتابع: "تأخر عبد الفتاح عن اللحاق بنا قليلاً إذ كانَ ينجزُ لدى أحد زبائنه برميلاً لطهو الدجاج المندي، ولما فرغَ من عمله حلقَ شعرَ رأسه وتناولَ غدائه ولحقَ بنا، كانت الساعة الثانية والنصف ظهرًا، وبعدَ أقل من نصف ساعة أصابته رصاصة قاتلة في رأسه مباشرةً".

وأكّد أن كل ما فعله "صغيري هو أنه ساعدَ شابًا لا يعرفه من النجاة من فم الموت، رغمَ ذلك أصابوه، كانوا معنيين في قتله، كأنه استفزهم عندما حمى الشابَ من الموت فعاقبوه على ذلك".

عبد الفتاح الابن السابع لوالديه، لم يكمل تعليمه المدرسي، ودرسَ لعامٍ واحد فقط في مدرسة الصناعة، وتخرجَ منها يتقن السباكة، وعملَ منذ ذلك الوقت - قبلَ أن يبلغ السادسة عشر- في كل مهنة حِرفية تتاح له، كان يهوى شراء الملابس والهواتف الحديثة، هو مُحبٌ للحياة، كماَ وصفَ والده.

وبنبرة اشتياقٍ لمن رحل، يكمل الوالد حديثه مع "الهدف": "رغمَ ظروفنا الاقتصادية غير المستقرة والتي لم تُمكننا من تعليم أبنائنا جميعهم، عبد الفتاح كانَ على قناعة تامة بأن دوره هو مساعدتنا على توفير حياةٍ عادية لا نُجبر فيها على تأجيل دفع فواتير الكهرباء والماء، وتقسيط ثمن الملابس الجديدة لأشقائه، وتحصيل قوت يومنا، كانَ طفلاً عاديًا له أحلامه الخاصة، كانَ هدفه أن يتمكن من العمل بشكلٍ مستمر، فالعمل الدائم أقصى طموحٍ لطفلٍ مثله لم يبلغ التاسعة عشر بعد، وللأسف أُغتيلَ حُلمه الصغير".

ويأمل الوالد بهجت والذي يعمل آذنًا في المستشفى الإندونيسي شمال قطاع غزة، أن تستغل السلطة الفلسطينية الفيديو الذي يوثق لحظة اغتيالَ "عبد الفتاح" في اليوم الأول من مسيرة العودة الكبرى لرفع قضيةٍ جنائيةٍ على الاحتلال الصهيوني تَكفَ يده – إن أمكن- عن اغتيال المزيد من المشاركين في المسيرة السلمية قُبالة "الخط الفاصل" بينَ قطاع غزة والأراضي المحتلة.

شهدَ هذا الأسبوع اغتيال العديد من الأبرياء برصاص قناصةٍ صهاينة، لم يشكل المشاركون في مسيرة العودة أي خطرٍ يذكر عليهم، كانَ كل من يقع تحتَ مرمى نيران الاحتلال يسقط إما شهيدًا أو جريحًا، في مشهدٍ يعيد إلى الذهن الفلسطيني والعربي الجمعي حقيقة أن الاحتلال يستخدم القوة المفرطة في التصدي للمواطنين العُزل، رغمَ انكاره ذلك، ورغمَ تجاهل العالم أيضًا.