Menu

ورقة عمل لتطوير الأداء السياسي الفلسطيني

أ. د. خالد صافي

الحكيم

تهدف هذه الورقة إلى تقديم رؤية لمستقبل الأداء السياسي الفلسطيني وفق قراءة واعية متعمقة للواقع القائم. فهي هنا لا تشخص فقط الواقع بل تحاول الانطلاق نحو معالجته. وترى الورقة أن ما آلت إليه الأوضاع السياسية يتطلب من جميع الأطراف تقديم مراجعة نقدية للأداء على الصعد كافة لاسيما الجانب السياسي منها والذي عكس نفسه على جميع الجوانب الأخرى. وأن ما يحدث على الساحة الفلسطينية يشكل تهديداً حقيقياً لمستقبل الشعب الفلسطيني، ويشكل انحرافاً لمشروعه الوطني عن مساره، ولقضيته العادلة عن بوصلتها. وقد أدى الانقسام السياسي الحادث إلى إدخال النظام السياسي الفلسطيني في إشكاليات تهدد استمراره وتطوره. كما أن التشرذم السياسي والجغرافي والديموغرافي والاجتماعي قد أصاب وحدة الشعب الفلسطيني في مقتل، وقوض إرادته الوطنية في معركة استرداد الوطن وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. وبذلك فقد الشعب الفلسطيني عناصر قوته في مواجهة المشروع الصهيوني العنصري ألا وهي وحدته الوطنية وإرادته النضالية. والمعروف تاريخياً أن الشعوب المقهورة لا تنتصر على المحتل بتفوق عتادها البشري والمادي بل بوحدتها وقوة إرادتها.

كما أن تعثر المصالحة رغم الاتفاقيات والمبادرات بين طرفي الانقسام سواء برعاية عربية أم إقليمية ولاسيما الرعاية المصرية. واتسام عملية المصالحة بحالة من المناورة السياسية الذي يستغل كل طرف أوراقه وتحالفاته وتجاذباته من أجل النيل من الطرف الآخر. وعدم النظر للمصالحة كحالة استحقاق وطني يجب أن تكون بعيداً عن التجاذبات العربية والإقليمية والدولية. وما أصاب المشروع الوطني من تراجع على صعيد الرؤية والاستراتيجية والبرنامج السياسي، وحتى الأداء السياسي الضعيف المتردد الذي يأتي كردود أفعال وليس ضمن خطة مدروسة ورؤية نقدية للأمور. وما يتم التحضير له عربياً وإسرائيليا وأمريكيا للجهاز على لقضية الفلسطينية، وتصفيتها بما يعرف بصفقة القرن. وانتقال الجانب العربي من حالة الصمت والعجز، إلى حالة التواطؤ والتحالف مع العدو الصهيوني ضمن معادلة التحالف السني الإسرائيلي ضد إيران.

وترى الورقة أن الخروج من الواقع القائم يقوم على:-

  1. أن السلطة الفلسطينية بانقسامها وأدائها الحالي أصبحت عبئاً على المشروع الوطني التحرري. فلم تتطور السلطة إلى دولة كما كان مقرر في اتفاقيات العملية السلمية. وبذلك بقي الشعب الفلسطيني يقف محصوراً بين سلطة حكم ذاتي تتناقص صلاحيتها لا تتوسع كما كان مأمولاً. وأصبحت السلطة مثاراً للصراع وليس لبنة من لبنات البناء في المشروع الوطني الفلسطيني. كما أنها شوهت القضية الفلسطينية أمام الرأي العام العالمي حيث أبرزت الشعب الفلسطيني وكأنه حصل على جزء من حقوقه، وأن له سلطة ورئيس ومجلس تشريعي ... الخ. وبذلك شكّل قيام السلطة واستمرارها بهذا الوضع إلى افتقاد القضية إلى حل عادل وشامل. وأصبح بقاء السلطة بشكلها الحالي مصلحة إسرائيلية صرفة. حيث يتولى السلطة التي تفتقر إلى السيادة والاستقلالية من إدارة القطاع الخدماتي للشعب فيما تسيطر "إسرائيل" على السيادة جواً وبحراً وبراً، وتسيطر أمنياً على الضفة الغربية مما يجعل السلطة أداة لشرعنة الاحتلال وليس لبنة من لبنات المشروع المقاوم. ولذلك:
    • يمكن حل السلطة الفلسطينية والعودة إلى المشروع المقاوم بحيث يتم تحميل "إسرائيل" مسؤولية احتلالها الفعلي للضفة الغربية، وسيطرتها الفعلية على معابر قطاع غزة. وبذلك يتم التخلي عن سلطة عاجزة يتم الصراع عليها. ويتم هنا تشكيل إدارة وطنية مشتركة لقطاع غزة لإدارة شؤون قطاع غزة واستكمال معركة البناء فيه. وتطوير آليات مقاومة تتناسب مع وضعه الاستثنائي بعد خروج قوات الاحتلال العسكرية منه. ويتم نقل ثقل المقاومة إلى الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلة.
    • يمكن أن يتم إدارة السلطة الفلسطينية من قبل حكومة تكنوقراط تستند على برنامج مهني لتطوير الأداء الاقتصادي والمالي والخدماتي، وتعزيز المواطنة وسيادة القانون. وبذلك تشكل السلطة هنا أداة بناء على الصعيد البشري والمادي. ويكون من وظائف حكومة التكنوقراط تعزيز المجتمع المدني، وثقافة الديمقراطية واحترام حرية الرأي ودعم مفاهيم الشراكة وتقبل الآخر. وإعادة بناء النظام التعليمي على فلسفة وأسس وطنية جديدة. والمساهمة في معالجة التشوهات التي أصابت المنظومة والمرجعية الأخلاقية والاجتماعية.
  2. يتم التأكيد على المقاومة بكافة أشكالها من أجل التخلص من الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967م. ويترك شكل المقاومة سواء الشكل الشعبي الجماهيري أو العسكري في كل مرحلة إلى توافق وطني ينطلق من برنامج وطني يتضمن الجانبين التكتيكي والاستراتيجي. ويتم قيادة المقاومة من قبل قيادة وطنية وإسلامية.
  3. يتم إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية كحاضن للمشروع الوطني الفلسطيني، ويتم تعديل خارطتها السياسية من خلال إدخال الفصائل الإسلامية إليها وفق تمثيل نسبي يتم التوافق عليه. ويتم إعادة هيكلة جميع أجهزتها بحيث تتناسب مع البرنامج الوطني المتفق عليه. وتستند على ميثاق وطني إسلامي يضمن الثوابت الوطنية للقضية الفلسطينية. وتكون منظمة التحرير مسؤولة عن الفلسطينيين في الداخل والخارج. ويخول لها إجراء مفاوضات مع الدولة العبرية وفق الأجندة الوطنية المرسومة، وانطلاقاً من الثوابت الوطنية الفلسطينية. بحيث تشكل المفاوضات هنا إحدى وسائل النضال المستخدمة. ويمكن السعي هنا نحو تحقيق تسوية سلمية جديدة تقوم على أساس أكثر عدلاً للشعب الفلسطيني.وتلزم قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بعرض أي تسوية سلمية يتم التوصل إليها على استفتاء للشعب الفلسطيني.
  4. تحقيق المصالحة الوطنية وفق وثيقة الوفاق الوطني وتفاهمات القاهرة، واتفاقية الشاطئ وما تلاها من تفاهمات برعاية مصرية. بحيث تشكل الورقة المصرية الأساس في تطبيق هذه التفاهمات. ويضاف لها ما تحقق من بنود في اتفاق الشاطئ. وما تم تكريسه على الواقع في حكومة الوفاق الوطني، وما تم تحقيقه على الأرض في التفاهمات الأخيرة سنة 2017م.
  5. يتم إعادة بناء الاقتصاد الفلسطيني على أسس سليمة بحيث ينطلق ذلك من خلال مرحلتين:
    • إنهاء حالة التبعية الاقتصادية تدريجياً، والسعي الحثيث نحو معالجة التشوهات التي تراكمت بسبب هذه التبعية.
    • وضع خطة تنموية تطويرية تنطلق من الاستخدام الأمثل للمصادر البشرية والمادية.
  6. نظراً لتزايد دور الإعلام في التأثير على الرأي العام وبالتالي صناعة القرار في الدول لابد من تشكيل مجلس إعلامي أعلى لإدارة المعركة على صعيدين:-
    • تعزيز الهوية الوطنية وتقوية البناء الداخلي الفلسطيني على الصعد كافة
    • إبراز عدالة القضية الفلسطينية وتسليط الضوء على السياسة الاحتلالية الإسرائيلية المناقضة للقانون الدولي.
  7. التأكيد على الثوابت الوطنية، ومنها حق العودة للشعب الفلسطيني إلى دياره التي شرد منها باعتباره حقاً فردياً لا يجوز التنازل عنه. 

8- تطوير العلاقة بين السلطة الوطنية الفلسطينية وجمهورية مصر العربية باعتبارها العمق الأمني والقومي للقضية الفلسطينية. وأن يتم بناء هذه العلاقة على أساس المصالح المشتركة. وتعميق أوجه التنسيق والتعاون والشراكة من خلال:

- مواصلة جمهورية مصر العربية رعاية ملف المصالحة الفلسطينية، والعمل على استئناف جلسات الحوار بجدية وتفرغ وكثافة لتحقيق المصالحة الفلسطينية. وأن تعمل جمهورية مصر بكل ثقلها لإنجاز هذا الملف.

  • احترام علاقات الجوار القائمة وتطويرها بما يخدم أمن كل الطرفين. حيث إن الحفاظ على أمن مصر هو جزء لا يتجزأ من الحفاظ على الأمن الفلسطيني، والعمل على ضبط أمن الحدود المشتركة.
  • احترام الشؤون الداخلية لجمهورية مصر العربية، وعدم التدخل بها، مع الحرص على إقامة علاقات متوازنة مع كل الأطراف السياسية في مصر بما يخدم القضية الفلسطينية وعمقها الرسمي والحزبي والشعبي في مصر.
  • تشكيل لجان مشتركة أمنية من أجل تعزيز التعاون الأمني وتبادل المعلومات بما يخدم ضبط الأمن والنظام لدى الطرفين. لاسيما وأن قطاع غزة يشكل حالة حدودية جغرافية مع محافظة سيناء التي تشهد نشاطات إرهابية من قبل جماعات إسلامية تشكل تهديدا للأمن القومي المصري.
  • تشكل لجنة اقتصادية مشتركة لتعزيز التعاون والتبادل التجاري بما يخدم مصلحة الطرفين. وأن الاقتصاد الفلسطيني بحاجة لدعم من جمهورية مصر العربية لتقليل حالة التبعية من الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الإسرائيلي. وأن يتم بحث إنشاء سوق حرة تضمن المصلحة المتبادلة للطرفين.
  • العمل على إعادة فتح معبر رفح بشكل منتظم وفق اتفاق 2005م، وما يضاف عليه من تفاهمات تأخذ بعين الاعتبار الواقع القائم في غزة. وأن يرفع الحصار عن الشعب الفلسطيني الذي تشكل له مصر الرئة والمتنفس للعالم الخارجي لأغراض صحية وتعليمية وإنسانية ... الخ. وهي فوق ذلك الحاضن القومي والسياسي للقضية الفلسطينية.