Menu

بعد إعلان الصفقة: في انتظار القدرة على فعل وطني نوعي

محمّد جبر الريفي

لا يجدي خطاب الرفض اللفظي في مواجهة صفقة القرن الأمريكية التصفوية، وهي التسوية السياسية الأخطر على القضية الفلسطينية منذ عام النكبة 48، ما لم تقترن هذه المواجهة في إطار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بفعل نوعي ملموس على الأرض تلتف حوله الجماهير الفلسطينية والعربية، وفي مقدمته إنهاء الانقسام السياسي الذي أصبح مجرد استمرار وجوده بعد إعلان هذه الصفقة التصفوية، يشكل بالفعل تآمر على حقوق الشعب الفلسطيني التي أقرتها قرارات الشرعية الدولية، وكذلك تفعيل المقاومة بكل أشكالها المشروعة، وفي مقدمتها الكفاح المسلح، والتخلص من اتفاقيات اوسلو المجحفة التي اعترفت بها منظمة التحرير الفلسطينية بالكيان الصهيوني على أمل أن يفضى هذا الاعتراف بالتوصل إلى مشروع حل الدولتين الذي أقره المجلس الوطني الفلسطيني في دورته التي عقدها في القاهرة عام 74، والمعروف ببرنامج النقاط العشر مسايرة لنهج التسوية السياسية العربية للصراع، الذي بدأ بعد حرب أكتوبر برعاية أمريكية، وكل القيام بهذه الخطوات السياسية أصبحت الآن ضرورية؛ لأن من شأنها إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية على المستوى العربي والإقليمي والدولي كقضية تحرر وطني سياسية عادلة وليست مجرد قضية إنسانية معيشية تحتاج إلى حلول اقتصادية، كما سبق أن تم تناولها بالبحث في مؤتمر العاصمة البحرين ية المنامة الاقتصادي. لكن أي مراقب سياسي أو متعاطف ومؤيد للقضية الفلسطينية، يرى بأن هذه الخطوات السياسية حتى الآن لم تأخذ طريقها للتنفيذ كما لا تبدو هناك مؤشرات كافية إلى إنها ستأخذ طريقها للتنفيذ قريبًا، حيث تم الاكتفاء حتى الآن بعمومية الشعارات التي طرحت في المظاهرات التي خرجت في مدن الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة تنديدًا بالتسوية الأمريكية، وهو ما اعتادت عليه الجماهير الفلسطينية دائمًا في التصدي لكل مشروع تصفوي، كما سبق في مشروعي التوطين والتدويل الخاص بقطاع غزة في الخمسينياتات من القرن الماضي.

 في موضوع الانقسام السياسي لم يحدث إنجاز ملموس يظهر لواشنطن وللكيان الصهيوني وللأنظمة العربية التي تدعم الصفقة أن الحركة الوطنية الفلسطينية بما فيها قوى الإسلام السياسي لديها استعدادًا أكبر للتخلي عن المصالح التنظيمية في مقابل المبادئ الوطنية؛ للمضي قدمًا في قيادة مرحلة التحرر الوطني، فما زالت الجهود لإنهاء الانقسام مجرد دعوات من مختلف الفصائل الفلسطينية، لكنها غير مشجعة، لأنه لم يحدث بعد أي إجراء عملي على طريق المصالحة الوطنية التي تعثرت كثيرًا. فلا وفد السلطة الوطنية رفيع المستوى قدم إلى غزة، كما أشيع ولا اجتماع على مستوى قيادات العمل الوطني كان من المفروض أن يلتئم، ولا تفعيل لقطب التجمع الديمقراطي الذي تشكل قبل فترة قد حدث. أي لم يجرِ أي حراك فصائلي داخلي نوعي يوحي بأن الطريق أصبح ممهدًا لتحقيق الوحدة الوطنية.. عقب المؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه الرئيس ترامب بحضرة نتنياهو بنود صفقة القرن التصفوية، حيث توقع الكثيرون من الفلسطينيين والعرب والإسرائيليين أن تشهد المنطقة موجة من التصعيد بين فصائل المقاومة وقوات الاحتلال في جبهة قطاع غزة بسبب إطلاق الصواريخ تطبيقًا لشعار المقاومة المسلحة كخيار وحيد في مواجهة خيار المفاوضات السياسية، لكن تلك التوقعات التي دفعت بعض الدول لمناشدة السلطة الوطنية بالتزام ضبط النفس خوفًا من التصعيد لم تحدث، وهذا معناه أن التفاهمات الأمنية التي تمت مع الكيان الصهيوني مقابل السماح بدخول الأموال ال قطر ية هي وراء تحجيم قرار المقاومة، وهكذا لم يحدث أي رد فعل سريع مقاوم نوعي كانت تتطلبه صفقة القرن حال إعلانها. 

إن المحك الحقيقي للموقف السياسي فيما يتعلق بالحديث عن اتفاقية أوسلو وملحقاتها كالتنسيق الأمني وباريس الاقتصادي، هو القدرة على الانتقال به من حيز القول إلى التنفيذ، فكل ما قيل حتى الآن من تهديدات كان من قبيل الأقوال وبانتظار الأفعال. إذا ما استمر الأمر على هذا الحال فإن ذلك سيشجع الأقدام على مزيد من تطبيع العلاقات العربية مع الكيان الصهيوني؛ لأن التجربة السياسية أثبتت أن العمل الفلسطيني له انعكاساته القومية، وقد حدث ذلك بالفعل بلقاء حاكم السودان الجديد البرهان بنتنياهو والاتفاق بينهما على إقامة علاقات سياسية، إضافة إلى اتفاق المغرب مع الكيان على شراء 48 طائرة تجسس.. نقول: أنه ما لم يحدث تصحيح للوضع السياسي الداخلى الفلسطيني بأقصى سرعة ممكنة فإن صفقة القرن ستجد الكثير من القوى المتآمرة تاريخيًا على القضية الفلسطينية من يعمل على محاولة تمريرها بكل الوسائل، خاصة استخدام المال الخليجي الذي سيضخ بأمر من الولايات المتحدة الأمريكية مقابل الحماية الأمريكية لدول الخليج، مما يسمى بالتهديد الإيراني الفارسي، وهذا ما يمكن أن يحدث خلال الأربع أعوام القادمة، وهي المدة التي أعطيت لتطبيقها من أطراف عربية عديدة، ومن قوى إقليمية ودولية، قد ترى سعيها السياسي لتمرير الصفقة مناسبًا لتبرير مواقفها تجاه قضية سياسية مزمنة ومعقدة، طالت دون التوصل لحلول واقعية عادلة لها.