في الجوهر نثبت بالمعطيات والوثائق: أن الاحتلال ليس فقط يمضي بالاستيطان في القدس والضفة، وإنما يستشرس إلى أقصى حدود الاستشراس في شن هجمات مرعبة على الأرض الفلسطينية في أنحاء الضفة، ولا يكترث في ذلك للقوانين والمواثيق الأممية، ولا يعير اعتبارا لأي جهة عربية أو دولية، وهو لا يعير أي اعتبار إلا للقوة، فهي اللغة الوحيدة التي يفهمها الاحتلال، والقوة هنا بمعناها الشامل، فالصمود الفلسطيني قوة، والمعارك الصغيرة المتدحرجة في سلوان والشيخ جراح والأقصى قوة، والاشتباكات مع المستعمرين على جبال نابلس والخليل قوة، ولكنها كلها قوة متفرقة ولو اتحدت في إطار كتلة واحدة مقاومة ستشكل قوة كبيرة رادعة، والعمليات المسلحة المتفرقة في أنحاء الضفة قوة، ورغم كل ذلك نقول: يجب أن تتحرك فلسطين بكاملها من بحرها إلى نهرها كقوة واحدة موحدة حتى تتمكن من تحقيق الردع ووقف المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني قبل فوات الأوان...! ولكن هذا أيضا يحتاج إلى غطاء ودعم عربي ودولي واسع وقوي لصالح الصمود والتصدي الفلسطيني، فلا يكفي أن يخوض الشعب الفلسطيني معركته لوحده، بل يحتاح إلى الخارج الفلسطيني والعربي والأممي، في مواجهة ذلك المشروع الاستعماري الصهيوني المدجج بأعتى قوة عسكرية إرهابية في العالم...!
وعلى الأرض المحتلة هناك، فمرة أخرى وثالثة ورابعة نعود لفتح ملف الاستعمار الاستيطاني الصهيوني المرعب الذي يجتاح الضفة الغربية وينهب الأرض فيها مترا مترا بل وشبرا شبرا، ونعتقد أن هذا الملف اليوم هو الأهم والأخطر في المشهد الفلسطيني ويجب أن يبقى مفتوحا وأن لا يغفل عنه أبدا، خاصة بعد هذه الملحمة الفلسطينية التي سطرها أهلنا في القدس والضفة والمناطق المحتلة عام 1948 وكذلك في قطاع غزة، لأن الاستيطان يعني النهب والسلب والتهويد وإقامة حقائق الأمر الواقع بهدف تخليد الاحتلال والاستيطان حسب مخططهم، وهو التحدي الاستراتيجي الاكبر أمام الفلسطينيين.
وفي هذا السياق الاستعماري الاستيطاني الصهيوني حدث ولا حرج... فالاحتلال لا ينام الليل بل يوصل الليل بالنهار وهو يشن هجمات شرسة على الأرض وعلى أبناء الشعب الفلسطيني، وما يجري في الضفة الغربية عملية كولونيالية أعمق وأخطر من الاحتلال والحرب الحقيقية تدور رحاها على الأرض وأسلحتها الخرائط والأوامر العسكرية والبلدوزرات، وهي حرب من نوع خاص على الأرض الفلسطينية تستهدف الاستيلاء الكامل عليها.. ف"إما الحياة أو الموت"، والمستعمرون اليهود يغطون عمليا السلب والنهب والسطو المسلح والجرائم بالأيديولوجيا والأساطير الدينية، وبن غوريون كان قد شرع لهم الارهاب الاستيطاني بقوله: "ليس المهم ما يقوله الغوييم-أي الآخرون- وإنما المهم ما يفعله اليهود...!".
وفي هذا السياق أيضا نستحضر شهادة المؤرخ الإسرائيلي شلومو ساند عن المستعمرين الغزاة الصهاينة ونزعتهم العنصرية العدوانية ضد الفلسطينيين منذ أكثر من قرن من الزمن فيقول: "إن المستوطنين اليهود منذ ما يزيد عن مائة عام، وتحديدا عند العام 1891، وفي بدايات الوجود الاستيطاني اليهودي على هذه الأرض، وهم يتعاملون مع العرب بالعداء والقسوة، ويعتدون عليهم دون مبرر، ويضربونهم بشكل مهين، بدون سبب، بل إنهم يتباهون بفعل ذلك، ولم يكن هناك من يستطيع وقف تيار هذا الاتجاه الدنيء والخطير". وأضاف ساند في مقال بصحيفة "هآرتس" أن "هذا السلوك العدواني ولّد لدى المهاجرين اليهود في حينه تغييرا مفاجئا في ميلهم نحو الاستبداد، كما يحدث دائمًا لـ"العبد الذي يصبح ملكًا". وأكد ساند أن "الضفة الغربية اليوم لم تعد من أملاك الإمبراطورية العثمانية، كما كان الأمر في حينه منذ ما يزيد عن قرن من الزمان، لكنها لا تزال نفس الأرض، نفس التلال، ونفس القرى تقريبًا، وبالطبع مع أحفاد نفس العرب". وأشار إلى أن "صراع المستوطنين اليهود مع جيرانهم الفلسطينيين والعرب لم يبدأ في عام 1967 أو عام 1948، بل بدأ مع بداية الاستيطان الصهيوني في نهاية القرن التاسع عشر، حين اقتلع المستوطنون الأوائل أنفسهم، وتركوا بلدانهم الأصلية نتيجة لظاهرة كراهية اليهود- موقع القدس الاخباري20 ديسمبر 2021".
والمؤسف هنا: أنهم –أي اليهود الصهاينة- هناك في المستعمرة الصهيونية يفعلون ما يشاءون حتى في ظل هذا المناخ العالمي المتضامن مع القضية الفلسطينية وعلى مدار الساعة، من أجل تحقيق حلمهم باختطاف الأرض والوطن والتاريخ والحقوق وتهويدها، هكذا بفعل القوة والإرهاب، وكأن فلسطين لم تشهد هبة وانتفاضة وجولة حربية كبيرة، فالواضح في ظل كل هذه المعطيات أن فلسطين في ملحمتها الصمودية المقاومة تحتاج إلى المزيد والمزيد من الاشتباك اليومي المفتوح مع الاحتلال وفي مختلف المواقع الفلسطينية، كما تحتاج إلى حضور عربي حقيقي وإلى يقظة عربية عروبية تضامنية واسعة النطاق ومستمرة مع فلسطين... فالمعركة كبيرة وطويلة.