كيف انهارت منظومة كاملة من الدول والجيوش والدفاعات أمام دولة صغيرة ضعيفة-كما روج آنذاك؟ لماذا يستمر هذا المشهد العربي المهزوم...؟ متى يستخلص العرب العبر والدروس اللازمة من الهزيمة...؟
لماذا لا يصنع العرب خريطة طريق خاصة بهم في مواجهة تلك الخرائط...؟! لماذا استمرار الهزيمة العربية واستمرار الاصرار العربي على التمسك بخطاب الهزيمة...؟ وما الذي فعلته القمم والدول والأنظمة العربية من اجل استرداد الاوطان المحتلة...؟!
رغم مرور- 55- عاما على وقوعها، ألا أن العرب من أقصاهم إلى أقصاهم ما زالوا يترنحون في دوامة الهزيمة الحزيرانية التي ألمت بهم على يد "إسرائيل" عام/1967، بل أن الأحوال والأوضاع العربية باتت اليوم وعلى خلاف المنطق والجدل التاريخي أشد ضعفا وتفككا ورضوخا للعدوان الإسرائيلي، ويمكن القول أن تلك الهزيمة شكلت نقطة تحول استراتيجي في غير صالح العرب، وأثرت على خريطتهم السياسية، بل على التاريخ السياسي العربي المعاصر.
فأسئلة الهزيمة التي نطرحها ونكررها في كل عام بالمناسبة، ما تزال تتفاعل على كل الأجندات العربية الرسمية والشعبية، غير أن الدول والأنظمة العربية لم تقدم الإجابات الشافية المقنعة التي تبين عوامل ومحددات الهزيمة، بل والأنكى أن العرب لم يستخلصوا العبر ولم يفكروا حتى باحتواء تداعيات الهزيمة والخروج منها باتجاه العمل على استعادة الأرض المحتلة...!
من أسئلة الهزيمة الحزيرانية المزمنة المعلقة بلا أجوبة:
كيف انهارت منظومة كاملة من الدول والجيوش والدفاعات أمام دولة صغيرة ضعيفة-كما روج آنذاك؟
الجيوش العربية لم تحارب عمليا، وإن حصل قتال فإنه قتال فردي، استبسل فيه قادة وجنود...!
هزيمة حزيران/67 يمكن اعتبارها نكبة ربما كانت أشد وطأة من نكبة عام/48، لأنها انطوت على تداعيات استراتيجية أوصلت العرب إلى ما هم عليه اليوم من تفكك وضعف واستلاب لإرادة التصدي، وأدت إلى انتقالهم كما يقول المحللون الإسرائيليون من "لاءات الخرطوم" إلى "نعمات الرياض"...!
حرقت هزيمة حزيران الوجدان العربي في الصميم، وحطمت المعنويات والإرادات على عكس ما كان يجب أن يحصل، فبعد أن كانت الأمة تحلم بتحرير فلسطين من البحر إلى النهر، أصبحت تطالب باسترجاع الأراضي المحتلة عام /67. وكانت هزيمة/67 استمرارا للنكبة في سياق صراع وجودي مع "إسرائيل"، وقد أدت نكبة فلسطين في العام 1948 إلى تشريد وتهجير نحو ثلثي أبناء الشعب الفلسطيني ممن كانوا يعيشون في الأراضي الفلسطينية التي أصبحت تعرف فيما بعد بـ "إسرائيل"، ليهيموا في الأرض لاجئين ومهجرين مجردين من أي شكل من أشكال الحماية، فإن "إسرائيل"لم تكتف بمنع اللاجئين والمهجرين من العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم، بل عمدت إلى هدم وتدمير أكثر من 530 قرية فلسطينية وذلك لقتل أمل العودة المتجدد في نفوس اللاجئين الذين أصبح عددهم اليوم يقارب الستة ملايين لاجىء.
لم يتوقف العرب منذ النكبة أمام أسئلة الهزيمة والانتصار وتحرير الوطن المحتل بصورة جدية ولم يستعدوا لذلك، بل وكي تكتمل النكبة جاء احتلال "إسرائيل" للأراضي الفلسطينية والعربية في حزيران 1967 ليفاقم المعاناة وليعمق المأساة، خصوصا بعدما أقدمت "إسرائيل" على تهجير ما يزيد على 400 ألف فلسطيني من أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، في الوقت الذي انكبت فيه على تهويد الأرض الفلسطينية عبر المصادرة، والاستيطان والجدران، بحيث باتت هذه الأراضي تحت القبضة والسيطرة الاستراتيجية الإسرائيلية المطلقة.
لا يجوز أن نهون من كارثية الهزيمة العسكرية الكبرى في تاريخ العرب الحديث في 5/6/1967م، ولا يجوز أن نخفف من مسؤولية من تسببوا بالهزيمة، ولا نُهوّن من تداعيات ذلك، فما صنعوه ما تزال المنطقة بأسرها أسيرة عواقبه إلى يومنا هذا. ففي هزيمة عام 1967م أطلق العرب على تلك الهزيمة التي دمّرت عدّة جيوش عربية وسلمت ما تبقى من فلسطين وصف "النكسة" تهويناً من شأنها.
آنذاك.. رفعوا شعار "إزالة آثار العدوان" عام 1967م، وأعلنوا "لاءات الخرطوم الثلاثة" تجاه الاعتراف والمفاوضات والصلح، ولكن ساروا في الوقت نفسه على درب التسليم بنتائج عدوان 1948م، وبدأت قصة غلاسنوست التطبيع ...!
أما فلسطينيا على صعيد خريطة الأرض والصراع المحتدم هناك، فقد باتت العناوين التي تسود المشهد الفلسطيني اليوم:
-"إسرائيل" تكرس الاحتلال والضم.
-آفاق المستقبل مغلقة بالحواجز والمعابر والبوابات والجدران والاستيطان.
- تمزيق الوحدة الجغرافية والسكانية للضفة وإقامة مدن المعازل.
- الحصارات والأطواق والحواجز وتحويل حياة السكان إلى جحيم.
- الاغتيالات والاجتياحات وبلدوزر تدمير البنية التحتية.
- تدمير البنية التحتية ومقومات الاستقلال والدولة.
- تهويد المدينة المقدسة ومدينة خليل الرحمن.
وتشكل العناوين أعلاه الخلاصة المكثفة جدا للمشهد العربي الفلسطيني في فلسطين في مواجهة "إسرائيل" العدوان والاحتلال والاستيطان والتهويد، فالعرب عمليا يتفككون ويتشظون ويفقدون البوصلة يوما عن يوم، وينجرفون إلى ال قطر ية والإقليمية والطائفية واالمذهبية والمسارية، في الوقت الذي أصبح الفلسطينيون يتساءلون اليوم بعد خمسين عاما على العدوان والاحتلال: ماذا تبقى لنا من ارض لاقامة الدولة الفلسطينية...؟ وذلك بعد أن أصبحت هذه الأرض تحت السيطرة الاسرائيلية المطلقة، فدولة الاحتلال لا تنام أبدا وهي تعمل على مدار الساعة على تكريس الاحتلال والضم وتغلق آفاق التسوية السياسية بالحواجز والمعابر والبوابات والجدران والاستيطان.
ولذلك لا نبالغ حينما نقول أن حرب حزيران 67 والهزيمة العربية الساحقة فيها شكلت بكل ما أفرزته من نتائج عسكرية وسياسية واقتصادية وسيكولوجية وجيواستراتيجية، تحولاً خطيراً في مجرى الصراع العربي -الإسرائيلي ما زلنا نعاني منه عربيا حتى اليوم وإلى أجل غير مسمى، نظرا لما نتج عنها من خللٍ خطيرٍ في موازين القوى بين العرب و"إسرائيل"، ما سمح لتلك الدولة بأن تصول وتجول وتشن الحروب المتواصلة على العرب والفلسطينيين.
لم تتوقف السياسات الإسرائيلية التكريسية للاحتلال وكان أخطرها مخطط جدار الضم والتهويد العنصري والذي يعزل ما نسبته 35% من مساحة الضفة الغربية، يضاف إلى ذلك سيطرة "إسرائيل" على 90% من المياه القابلة للاستخدام، حيث حرمت بذلك حوالي 220 تجمعا فلسطينيا ريفيا من شبكات الري.
ناهيكم عن قيام الاحتلال بتدمير وقطع 3.5 مليون شجرة منها مليونان أثناء انتفاضة الاقصى/2000، فيما باتت دولة الاحتلال تحكم قبضتها وسيطرتها الاستراتيجية على كامل فلسطين، ولذلك ليس عبثا أن يتساءل الفلسطينيون بمنتهى القلق: ماذا تبقى لنا من الأرض لإقامة الدولة بعد تقسيم الضفة إلى كانتونات معزولة وبناء المزيد من المستوطنات والطرق الالتفافية وعزلها عن قطاع غزة..؟
فحسب التقارير الفلسطينية فقد حولت "إسرائيل" الضفة إلى جزر معزولة"، ويستخلص اليوم من معطيات وتطورات الواقع أن "المشروع الفلسطيني في خطر شديد أكثر من أي مرحلة مضت".
يضاف إلى ذلك جملة لا حصر لها من العناوين التي تعكس حقيقة الاوضاع الفلسطينية.
ولعل الحقيقة الكبيرة الناصعة أيضا أن دولة الاحتلال لم تتوقف يوما أبدا عن سياسة التكريس والتهويد، بل إنها فتحت منذ الاحتلال على الفلسطينيين كل الجبهات الممكنة المتاحة لديها.
فمنذ البدايات الأولى للهزيمة العربية والاحتلال شنت دولة الاحتلال حربا مفتوحة على الفلسطينيين على قاعدة "حق اليهود في البناء والسكن والاستيطان اليهودي وفي كل مكان، وهي قاعدة حق القوي على الضعيف"، وعلى قاعدة أن الضفة الغربية وقطاع غزة جزء من "أرض إسرائيل أيضاً".
وفي أعقاب انتفاضة الاقصى/2000 كشرت "إسرائيل" عن أنيابها تماما فاعتبرافرايم سنيه، الجنرال احتياط ونائب وزير "الدفاع" الإسرائيلي سابقا "أن هذه المعركة هي الأخيرة في الحرب من أجل أرض إسرائيل"، ومن جهته، اعتبر باراك "أن حدود إسرائيل في المعركة، حيث يجري وضع آخر وتد استيطاني".
إن ما جرى ويجري هناك يحكي لنا قصة النكبة/الكارثة والبطولة الفلسطينية التي تجلت وما تزال امام العالم بالبث الحي والمباشر..!
ليتضح لنا بالمعطيات والأرقام الموثقة أن خرائط الحرب والجدران والاستيطان هي التي تهيمن اليوم على كامل مساحة فلسطين التاريخية، إذ تتواصل في كل أرجاء الضفة معركة تحويل كل مدينة أو قرية فلسطينية إلى جيب منقطع محوط بمناطق سيطرة إسرائيلية عسكرية واستيطانية على حد سواء.
ولذلك إذا جاز لنا أن نتوقف اليوم في الذكرى الخامسة والخمسين لحرب حزيران 67 والهزيمة العربية التي أودت ليس فقط بثلاثة أضعاف فلسطين المحتلة 48 ( 69347 كلم2)، وإنما بالآمال والطموحات والأحلام العربية في الوحدة والتحرير والتخلص من الدولة الصهيونية التي تهدد الأمة إلى أبد الآبدين، فإننا من الأولى أن نتوقف أمام الأسئلة الملحة على الأجندة العربية في هذه المناسبة الكارثية التي لا تقل كارثية عن نكبة 48:
في ضوء ما سبق نعيد طرح الأسئلة الجوهرية: فماذا يقول العرب اليوم يا ترى بعد الهزيمة...؟ لماذا يستمر هذا المشهد العربي المهزوم...؟ متى يستخلص العرب العبر والدروس اللازمة من الهزيمة...؟ لماذا يستمر التمسك العربي بخيار السلام وبوثائق وخرائط السلام الأمريكية ـ الصهيونية...؟! لماذا لا يصنع العرب خريطة طريق خاصة بهم في مواجهة تلك الخرائط...؟! لماذا استمرار الهزيمة العربية واستمرار الاصرار العربي على التمسك بخطاب الهزيمة...؟! وما الذي فعلته القمم والدول والأنظمة العربية من أجل استرداد الأوطان المحتلة...؟!
الحقيقة الصارخة أن القمم والدول والأنظمة العربية لم ترتق أبدا إلى مستوى الحدث والأخطار... ولم تطلق رسالة عربية قوية لا لدولة الاحتلال الصهيوني، ولا للإدارة الأمريكية... بل أنها حتى لم تنطق بجملة عربية واحدة مفيدة واضحة حاسمة لصالح خيار التصدي كخيار استراتيجي وكخيار لا تراجع عنه... وتبقى الأمة والقضايا والحقوق العربية بحاجة عاجلة وملحة إلى قرارات عربية بأنياب... وإلى مرجعية قومية عربية نهضوية حقيقية قوية... وإلى أجندات عربية سياسية/ديبلوماسية/إعلامية -اقتصادية.. وعسكرية.. فهل نرى يا ترى فجرا عربيا حقيقيا تجاه فلسطين بعد أن تخرج الأمة من محنتها الراهنة في مواجهة الحروب الطائفية والمذهبية والاثنية - الاستعمارية التي تجتاحها... والتي تشكل نقطة تحول تاريخية واستراتيجية في خارطة الشرق الأوسط حتى من وجهة نظر صهيونية...؟