Menu

ميرتس آخر قلاع اليسار الصهيوني: سقوط القناع أو هل يمكن للصهيوني أن يكون يساريا؟

بوابة الهدف - أحمد مصطفى جابر

طالما جادل اليسار الصهيوني – للتذكير أيضا عرب الكنيست وإن لم يكن جميعا- بأن الجميع يجب أن يتوحدوا من أجل الإطاحة بنتنياهو، لأنهم قدموا نتنياهو باعتباره قمة جبل اليمين المتطرف، وأن الإطاحة به تعني بداية انتصار ما وبدء التخلص من واقع الاحتلال، ولكن هذا اليسار –نتحدث هنا عن ميرتس طبعا وليس حزب العمل- ومن أجل التخلص من قمة جبل التطرف ذهب للتحالف مع جذر التطرف لإنشاء حكومة لايعني ميرتس منها سوى المنصب الوزاري الذي أصبح عقدة نفسية صعبة التجاوز، وقادت الحزب العلماني الأشكنازي إلى هوة السقوط النهائي. حيث بهذا التحالف المشين مع يمينا ومنصور عباس لن تتآكل القاعدة الانتخابية لميرتس فقك، بل تتضاءل أيضا قدرة هذا " اليسار" على إدارة المتناقضات والتوفيق بين ممارسة علمانية وبين غطاء توراتي يسم الحكومة ويغذيها.

قبل الانتخابات الأخيرة التي جرت في آذار/مارس 2021 حاول رئيس ميرتس نيتسان هورويتز -ووفقًا لعدد كبير من استطلاعات الرأي قبل الانتخابات في ذلك الوقت، لم تكن ميرتس تتجاوز عتبة الأصوات المطلوبة لدخول الكنيست- إقناع قاعدته من الناخبين اليساريين بأن وجود ميرتس في البرلمان ضروري لمحاربة الاحتلال، الذي وصفه بأنه ربما أهم قضية سياسية لحزبه. وقال لجمهوره: "حقيقة أنه لا توجد مفاوضات مع الفلسطينيين، وأن المستوطنات تُبنى كما لو أنه ليس هناك غد، هو خط أحمر في أعيننا"، وتابع أنه بسبب إصرار "إسرائيل" على استمرار الاحتلال، يمكن للمرء أن يفهم حتى قرار المحكمة الجنائية الدولية بفتح تحقيق في جرائم الحرب المشتبه بها التي ارتكبتها، إلى جانب حماس وغيرها من الجماعات الفلسطينية المسلحة" على حد زعمه، وقال هورويتز: "كان هناك مجال [للتأثير] على هذا القرار" و" لا أريد أن تضطر إسرائيل إلى مواجهة هذه المواقف. لكن إسرائيل بحاجة إلى أن تسأل نفسها عما تفعله لمنع ذلك". كان رد اليمين الصهيوني على تصريح هورويتز واضحًا. وجاء تحديدا من أييليت شاكيد من حزب يمينا اليميني المتطرف، والتي تمت مقابلتها بتاريخ البرنامج بعده مباشرة.

اليوم يجلس هورويتز بجانب شاكيد، ولعلها تذكره بأكاذيبه، ولعله نسي ما قاله أصلا، لأن هذه هي عادة اليسار الصهيوني، الخداع والمواربة، والالتزام الكلي بالإجماع الصهيوني. حيث أن الوعود والخلافات السابقة على الانتخابات لا تساوي الكثير على الإطلاق. وهكذا من أجل المنصب الوزاري والسلطة، تجلس ميرتس مع يمينا، ومع منصور عباس، ولايمكن العثور على تناقض أيدلوجي يفوق في سخريته هذا الوضع، ولكن السؤال الأصلي هو عن وجود تناقض أيدلوجي أصلا بين عباس و هورويتز وشاكيد؟

فمنذ أن جاءت ميرتس إلى الحكومة، لم تطرح أبدا موضوع الاحتلال، و لم تصر على استئناف مفاوضات السلام أو وقف الاستيطان باعتباره "خط أحمر" للانضمام إلى الحكومة على العكس من ذلك، فقد قبلت فعليًا أن الكيان أزال أي حديث عن دولة فلسطينية من على الطاولة.

اقرأ ايضا: بالأرقام: في عامها الأول لا تتردد حكومة بينيت في قتل الفلسطينيين

السقوط في جحيم قانون الطوارئ

لم تكتف ميرتس بالإنسحاب من وعودها السياسية جميعا، والتحالف مع بينت، وللتذكير فقط وكما نشرت الأرقام اليوم، فإن الحكومة التي تشارك فيها ميرتس قتلت في عامها الأول 90 فلسطينيا، دمهم على يد هورويتز وعباس وجميع شركاء يمينا، وميرتس شريكة في كل دم سفك، وكل بيت هدم وكل أسير تم تعذيبه، وكل أرض صودرت وشريكة في كل مستوطنة جديدة.

وهذا لايكفي، كان لابد لميرتس أن تضع شاهدة قبرها وهو ما حدث الأسبوع الماضي، عندما فشل الكنيست في تجديد قوانين الطوارئ سيئة السمعة، التي تطبق رسميًا أنظمة قانونية منفصلة على المستوطنين الصهاينة والفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة. وصوت أعضاء المعارضة اليمينيون المؤيدون للمستوطنين، بقيادة الليكود، ضد القانون في محاولة لتقسيم الحكومة وتقويضها. ولأنه لايريد كسر الائتلاف مع مراعاة وجهات نظر ناخبيه، امتنع ثلاثة من أعضاء الكنيست عن حزب التجمع عن التصويت بمجرد علمهم أن القانون سيفشل بغض النظر عن تصويتهم، وكان عضو الكنيست مازن غنايم هو الوحيد الذي صوت ضد القانون. فماذا فعلت "محاربة الاحتلال" ومعشوقة السلطة الفلسطينية وأنصارها، حركة ميرتس في هذه الأثناء: في محاولة يائسة للحفاظ على السلطة وسلامة الائتلاف، صوت جميع أعضاء ميرتس تقريبًا لصالح قانون الفصل العنصري، فيما اعترضت العضو العربية غيدا ريناوي الزعبي فقط.

تاريخيا، كانت ميرتس تزاود حتلى على بعض الفلسطينيين في معارضتها للاحتلال، صوتيا وبرلمانيا على الأقل، وكانت تعتبر أن هذه القيمة أساسية في بنيتها وتكوينها، حي ثأن لابيد وحزبه سرقا منها نجمة العلمانية، فبقيت معارضة الاحتلال فقط هي ما يميزها. لكن هذه ليست المرة الأولى التي تخون فيها ميرتس نفسها وناخبيها وطابور معجبيها، إذ سبق للحركة أن صوتت لصالح قانون المواطنة سيء السمعة في بداية حكومة بينيت.

السؤال الأساسي هنا: هل غيرت ميرتس سياستها الدائمة المناهضة للاحتلال كما تدعي، أم أن هذه المواقف هي لحظية تاريخية لمنع عودة نتيناهو إلى السلطة، ولكن هذا يستدعي سؤال الفرلق السياسي الأيدلوجي في الممارسة بين يمينا والليكود، في المحصلة العامة، إن إنجاز ميرتس (صفر), وإحالة مسائل الاحتلال وقانون الطوارئ والمواطنة إلى مكانة هامشية لمنع عودة نتيناهو ليست إلا مناورة فارغة من المعنى.

حيث أظهرت الممارسات التي صدرت عن هذه الحكومة، وكذلك تصويت الأسبوع الماضي أن الإطاحة بنتنياهو أدت إلى اختفاء الهامش الأيدلوجي بالفعل بين ميرتس ويمينا، أو إنه تم إخفاؤه لصالخ الصراع على السلطة.

على العكس من مزاعم ميرتس، وهي أيضا مزاعم زعيمة حزب العمل، لم تؤد الإطاحة بنتنياهو إلى إعادة نظر بالوازن الداخلي لحكومة الكيان، وتوجهاتها الرئيسية، بين اليسار واليمين، لصالح اليمين فحسب، بل أيضا داخل اليسار نفسه الذي اكتسب تدريجيا ملامح يمينية نتيجة أزمته الأيدلوجية التنظيمية المتفاقمة.