Menu

تقريرنايا ونتالي أبو غلمي: الاحتلال سرقَ "بابا وماما" ولا عيد دونهما

أحمد نعيم بدير

الضفة المحتلة _ خاص بوابة الهدف

فجر يوم الثلاثاء الماضي 5 يوليو/ تموز، استفاقت نايا وشقيقتها نتالي على صوت صراخ جنود الاحتلال الذين كبّلوا للتو والدهما نضال أبو غلمي بأصفادٍ حديديّة واقتادوه إلى المعتقل، إذ بقيت الطفلتان بحالةٍ من الذهول والصدمة ممّا شاهدتاه عن تجربة الاعتقال بشكلٍ مباشر أمام أعينهما، وذلك بعد أن اقتحم 12 جنديًا منزلهما في بلدة بيت فوريك شرق نابلس، وعاثوا فيه فسادًا قبيل اعتقال الوالد.

التوأم نايا ونتالي (8 سنوات) اعتقل جيش الاحتلال -قبل اعتقال والدهما بأسبوعين- والدتهما لينا أبو غلمي، أي أنّ الأب والأم في غياهب السجون الآن، وبمعنى آخر فإنّ نايا ونتالي لن تتشاركا فرحة عيد الأضحى وسط دفء العائلة التي لا تكتمل إلّا بوجود أركانها وأعمدتها الأساسيّة. لينا ونتالي طفلتان مدللتان لدي والديهما، سيما وأنّهما جاءتا إلى هذه الحياة بعد انتظارٍ دام أربع سنوات وتوُّج بعملية "زراعة أنابيب" في نهاية المطاف.

يباثيق.jpg

قصّة حُب لينا ونضال

يعود يوسف أبو غلمي عم الطفلتين نايا ونتالي خلال حديثه لـ"بوابة الهدف الإخباريّة" إلى ما قبل مرحلة ولادتهما، وكيف عاشت الأم لينا قصّة حبٍ مع نضال داخل السجن من خلال تبادل المراسلات، يقول: "كانت لينا معتقلة بالتزامن مع اعتقال عمّتي لنان أبو غلمي، وتولّدت علاقة بينها وبين نضال داخل السجن من خلال تبادل الرسائل وصولاً إلى أن تزوجا في عالم الحرية بعد تحرّرهما من السجن، وبعد أربع سنوات أنجبا نايا ونتالي".

وحول يوم الاعتقال، يُبيّن يوسف لموقعنا، أنّ "نايا ونتالي عاشتا لحظاتٍ صعبة تخلّلها الخوف والرعب من هول المشهد الذي جرى أمامهما من اعتقالٍ وصراخٍ واختطاف، ومن يومهما تعيشان حالةً من الخوف والتوتّر، ورغم كل ذلك نُحاول أن نسد الفراغ لديهما من خلال اللعب والتنزّه وتلبية طلباتهما وملء وقتهما على الدوام".

يُتابع: "رغم كل محاولاتنا، إلا أنّ نايا نتالي انفجرتا باكيتين بشكلٍ شديدٍ قبل أيَّام، نايا تصيح وتردّد: بدي ماما وين ماما؟، لتردّ نتالي في المقابل: وين ماما، وين بابا، هاتوا ماما إلنا". بكل صراحة لا أحد يسد فراغ الأم والأب، وما يُساعدنا في تخفيف حدّة هذه الصدمة هو تعاون المرشدات النفسيّات من خلال جمعية الشبّان المسيحيّة والرؤية العالميّة، ويحاولن قدر الإمكان تخفيف هذه الصدمة وتبِعاتها حتى لا تدخل الطفلتان في حالةٍ نفسيةٍ صعبة".

عيد الأضحى وطقوسه

يؤكَّد أبو غلمي، أنّه وأشقاءه يسعون جاهدين لألّا تشعر نايا ونتالي بأي نقصٍ خلال هذا العيد، يُكمل: "سنُمارس كل الطقوس كما كل عيد حتى لا نشعرهما بأي نقص، وبالأمس اشترينا لهما ملابس العيد، وسنأخذهما معنا لزيارة الأحباب والأقارب والأصدقاء، وسنأخذهما للعب مع الأطفال كما كل عيد بوجود والدهما، رغم أن الاحتلال قرّر سرقة فرحة العيد من العائلة بأكملها باستمرار تمديد اعتقال لينا وأخي نضال، لكنّنا لن نستسلم وسننتزع الفرح لأطفالنا انتزاعًا".

وفي هذا السياق، كان لابد من الحديث مع إحدى الطفلتين، فكان حظّنا بالحديث مع نتالي التي سردت لنا يومها وكيف يكون شكله بعد غياب "ماما وبابا" عنها وعن نايا، تقول نتالي لـ"بوابة الهدف": "احنا هلقيت قاعدين عند دار تاتا (الجدّة) من يوم ما أجا الاحتلال وأخذ بابا وماما على السجن، وكل يوم احنا بنستنى فيهم عشان العيد عدو أجا علينا".

"ما بدنا شي غير بابا وماما"

في هذا العيد مثلاً، ماذا سيغيب عن نتالي ونايا؟، تكمل الطفلة حديثها بكل بساطةٍ وبراءة: "العيد اللي فات صحينا الصبح، غسلنا وجهنا أنا ونايا، وماما بتمشّطلنا (تصفّف) شَعَرنا، وبعدها لبّستنا أواعي العيد، وبعدين بنروح نطلع إحنا وولاد عمنا عشان نعيّد وبنروح عند دار سيدو أبو ماما في عصيرة الشمالية. أنا ونايا ما بدنا شي غير بابا وماما"، تختم نتالي الحديث عمَّا حرمها منه الاحتلال.

التوأم نتالي ونايا أبو غلمي.JPG_24cbbd9c-d5fb-4546-abe5-d3c8c490db38.jpg
يتفنّن الاحتلال في قهر الطفل الفلسطيني، فيتعمّد اعتقال الأمّهات على الدوام، وفي سجن "الدامون" تقبع أكثر من 30 أسيرة فلسطينيّة، بينهن 10 أمهات، بحيث كانت الأسيرة سعدية مطر التي استشهدت قبل أيّام أكبرهن سناً.

في هذا الإطار، تحدّثنا مع المستشار الإعلامي لهيئة شؤون الأسرى والمحرّرين حسن عبد ربه، إذ قال إنّ "الاحتلال الإسرائيلي لا يتوانى للحظة عن استهداف أبناء الشعب الفلسطيني بمختلف فئاته، ولا يُعير أي اهتمام إذا كان المعتقل امرأة حامل أو متزوجة أو شاب وخاصّة من الذين لديهم أطفال أو قاصرين ويواصل الاستهداف دون ضميرٍ أو أخلاقٍ على الإطلاق، مما يحرم هؤلاء الأطفال من كل الرعاية العاطفيّة والحنان والأبوة والأمومة".

الآلاف يحرمهم الاحتلال من عاطفة الأبوة والأمومة

ويلفت عبد ربه إلى أنّ "كل هذه الممارسات تترك أثرًا نفسيًا وعصبيًا خاصّة على فئة الأطفال الذين هم بأمس الحاجة في مرحلة الطفولة والطفولة المبكّرة إلى احتضان وعاطفة الأم والأب، ونموذج الطفلتين نايا ونتالي أبو غلمي وتركهما دون أبٍ وأم هو مثال حي على ذلك ومؤشّر واضح على استهداف الاحتلال للأطفال سواء كان من خلال اعتقالهم بشكلٍ مباشر أو من خلال حرمانهم من آبائهم وأمهاتهم وزجّهم في الزنازين".

واستشهد عبد ربه خلال حديثه مع "الهدف"، بحادثةٍ وقعت قبل أيَّام في مدينة القدس المحتلة، حيث "اعتقل الاحتلال شابًا فلسطينيًا وزوجته وترك في السيارة طفليهما الرضيعين يصرخان ويبكيان لوحدهما"، مُؤكدًا أنّ "هذه السلوكيات والممارسات تغيّب قسرًا الآباء والأمهات الفلسطينيّات عن أبنائهم خاصّة ونحن على أبواب عيد الأضحى الذي يعيشه الآلاف من أبناء شعبنا داخل السجون وهم محرومون من عاطفة الأبوة والأمومة"، بحسب عبد ربه.

وبالعودة إلى نايا ونتالي، فإنّهما الآن بكل تأكيد تحنّان إلى خبز أمهما، وضحكة والدهما، وحضنٍ مشتركٍ يُدفئ المكان ويُذكّرنا جميعًا ببشاعة هذا الاحتلال المستمر في سرقة الفرح من شفاه أطفالنا منذ 74 عامًا.

67568.jpg
يبايبت.jpg
12345.JPG