Menu

الحقبة السعودية .. من جديد! (1من3)

هاني حبيب

الهدف_ هاني حبيب

 في اعتقادي, أن أول من استخدم مصطلح الحقبة السعودية, كان المفكر العربي صادق جلال العظم, وذلك عندما أصدر كتاباً بعنوان "سياسة كارتر ومنظرو الحقبة السعودية" عام 1977عن دار الطليعة في بيروت, وأثّر ذلك ظل هذا المصطلح متداولاً في الأدب السياسي, وكان لهذا المصطلح في ذلك الوقت ما بنيّ عليه ( وفاة عبد الناصر, انهيار الحركة القومية العربية, زيادة أسعار النفط) عوامل أدت إلى تزايد النفوذ السياسي للسعودية التي أثرت بشكل متواصل على الخارطة السياسية والعربية, وامتداداتها الإقليمية والدولية مستندة بشكل أساسي إلى العناصر الأيديولوجية المستمدة من الفهم الوهابي للإسلام السياسي, حيث كانت السعودية تنفق على "الدعوة" مابين ملياري وثلاثة مليارات دولار سنوياً الأمر الذي أدّى إلى شبكة اجتماعية, سياسية, مالية وتجارية تستند أساساً إلى الثروة النفطية المتزايدة بسبب ارتفاع كبير في أسعار النفط في ذلك الوقت.
  غير أن السياسة السعودية عموماً ظلت تعمل بنشاط كبير, ولكن في إطار من الهدوء وبدون صخب وبفعالية كبيرة, مستمدة ربما من ثقافة الصحراء وذكاء البداوة, لذلك كانت أكثر فاعلية وتأثيراً من دون أن يبدو أن هناك لاعب خفي قادر على الـتأثير على مقدرات هذه المنطقة, بتحالفاتها, خصوماتها وعداواتها.
  لذلك, كانت هناك "حقبة سعودية" على الدوام, غير أنها تظهر أحياناً وتختفي أحياناً, بالنسبة للمتابع لكنها كانت موجودة ومؤثرة على الدوام.
  هذه المقدمة, ضرورية في وجهة نظري, بعد أن عادت هذه الحقبة السعودية, إلى الظهور بشكل جلي وواضح, اثر الربيع العربي بشكل عام, ورياح التغيير التي عصفت بالمنطقة اثر وصول الملك سليمان إلى الحكم بعد وفاة الملك عبد الله, وأكثر تحديداً بعد القمم العربية والإقليمية التي جرت في الرياض مع نهاية فبراير/شباط الماضي, وهي القمم التي كان من شأنها أن تشكل حقبة جديدة في تأثيرات الحقبة السعودية على عموم المنطقة وخارطتها السياسية, وانعكاسات ذلك بشكل مباشر على عدة عناوين: القوة العربية المشتركة التي اقترحها الرئيس السيسي, عودة الحديث عن سيطرة محتملة ومتزايدة من إيران على باب المندب والبحر الأحمر, وانخفاض أسعار النفط لأسباب غير اقتصادية .
وستحاول أن تعالج كل عنوان من هذه العناوين الثلاثة على التوالي:

الحقبة السعودية : القوة العربية المشتركة (1 من 3)
  كانت الجامعة العربية, قد اقترحت عام1950 تشكيل قوة تدخل عربية مشتركة وفقاً لمعاهدة الدفاع العربي المشترك, بهدف مواجهة العدوان الإسرائيلي, غير أن هذا الاقتراح وهذه المعاهدة, لم يكتب لهما أن يتواجدا على الأرض, ولكن على اثر اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975 تشكلت قوات الردع العربية في العام الثاني 1976, من ست دول عربية هي سوريا ولبنان والسعودية و السودان واليمن الجنوبي والإمارات بقيادة اللواء سامي الخطيب, وأرسلت هذه القوات بالفعل إلى الأراضي اللبنانية, الهدف معلن: حقن الدماء وتوفير الأمن للبنانين, واستمر عمل هذه القوات حتى30 سبتمبر/أيلول عام 1989, أثر التوقيع على اتفاق الطائف الذي بمقتضاه تنتهي الحرب الأهلية -نظرياً على الأقل- لكن ظلت قوات الردع العربية تحمل هذه الاسم حتى بعد هذا التاريخ, ولكن بتشكيل عسكري سوري فقط, وظلت القوات السورية تعمل في لبنان تحت اسم قوات الردع العربية, رغم انتهاء صلاحية هذه القوات من الناحية العملية بعد اتفاق الطائف.
  ومع أن المنظومة العربية, قد خاضت ثلاثة حروب رئيسية مع إسرائيل, أعوام 1956, 1967, 1973 إلاّ أن معاهدة الدفاع المشترك لم ترَ النور على الإطلاق, كذلك الأمر بعد أن شنت إسرائيل عدة حروب على الفلسطينين في الضفة الغربية وقطاع غزة, فإن الحديث عن دعم عربي لرد العدوان, بات من الجنون, ومع أن بعض القوات العربية قد شاركت في بعض الحروب العربية مع إسرائيل, إلاّ أن ذلك كان رمزياً إلى أبعد  الحدود.

وللمقارنة, فإن قوات عربية اتحدت سوية في إطار ما يسمى بالحرب على الإرهاب, بشكل فاعل وجدي, مكونة أساساً من عدة دول عربية هي :  البحرين و مصر والعراق والأردن وقطر والسعودية والإمارات العربية إلى جانب عدة دول بقيادة الولايات المتحدة, ورأينا ولا تزال هذا الجهد      العربي المسلح وبشكل متواصل, يقاتل جواً الإرهاب الداعشي على الأراضي العراقية والسورية, وهذا يؤشرإلى أن العرب بإمكانهم إذا ما توفرت الإرادة لديهم من تشكيل قوة عسكرية وأمنية قادرة على مواجهة التحديات التي تهدد الوجود العربي, وخاصة من قبل إسرائيل, كما تؤشر هذه المقارنة الصادقة إلى أن العرب. أو بعضهم على الأقل, لا يتوحدون إلاّ إذا كانت عروشهم وممالكهم وأنظمتهم مهددة بشكل مباشر, إذ أن هؤلاء لا يعتقدون أن إسرائيل تشكل خطراً عليهم, طالما أنها تستفرد بالفلسطينيين دون سواهم!
وفي "حرب تحرير الكويت" عام 1990 انضمت عدة دول عربية تحت قيادة الولايات المتحدة إلى تلك الحرب التي أدت إلى تدمير العراق.
وفي آذار/مارس 2011, دخلت القوات السعودية في إطار "درع الجزيرة" الخاصة بدول مجلس التعاون الخليجي, البحرين التي كانت قد دخلت في حرب أهلية داخلية, والأمر الذي أثار العديد من الانتقادات كون قوات "درع الجزيرة" لم تستخدم لمواجهة الاحتلال الإيراني للجزر العربية الإماراتية بينما تتدخل لصالح إنقاذ النظام في البحرين
وعندما كان مرشحاً لرئاسة جمهورية مصر العربية, أكد وزير الدفاع المصري في ذلك الوقت عبد الفتاح السيسي, التزام مصر بحماية الأمن القومي العربي إذا استدعت الحاجة لذلك, قائلا عندما يتعرض الأمن القومي لتهديد حقيقي ونستدعى فهي  "مسافة السكة" في إشارة إلى استعداد مصري لإرسال قوات مصرية لدعم أي دولة عربية تتعرض للخطر, والخطر هنا, هو ما يهدد أي نظام بشكل مباشر خاصة من خلال انتفاضة أو ثورة أو انقلاب داخلي, وهنا فإن إسرائيل ما تزال لا تشكل خطراًعلى هذه الأنظمة!!
إلاّ أن الحديث المباشر الواضح حول تشكيل قوة عربية مشتركة, بدأ مع زيارة رئيس الحكومة الليبية المعترف بها عربياً ودولياً, عبد الله الثني للقاهرة أواخر شباط/فبراير الماضي للتعزية بمقتل 21 مصرياً قبطياً على يد الإرهاب في ليبيا, المداولات بين القيادتين, المصرية والليبية أشارت إلى وجوب التنسيق الأمني بين الجانبين, على ضوء امتناع المجتمع الدولي عن دعم فعال للحكومة الليبية ورفض طلبها بالتدخل الدولي ومد القوات المسلحة الليبية بالأسلحة 
ويبدو أن فكرة تشكيل قوة عربية مشتركة, كان هو الحل في مواجهة الإرهاب, خاصة وأن التحالف الدولي ضد الإرهاب, فشل حتى الآن في التأثير على امتدادات داعش والفصائل الإرهابية الأخرى, وباتت تهدد منابع النفط في الخليج في ظل التهديد باحتلال الأماكن المقدسة وخاصة الكعبة, في وقت كان الحوثيون قد استولوا على العاصمة اليمنية صنعاء, وباتوا يهددون باب المندب, بحيث تصبح إيران مسيطرة نسبياً على مضيق هرمز من ناحية, وباب المندب من ناحية ثانية, الأمر الذي يشكل مخاطر أمنية وتجارية واقتصادية, خاصة المرفق الرئيسي الدولي الهام, قناة السويس التي ما يزال العمل في فرعها الثاني مستمراً, كإنجاز هام أقدم عليه الرئيس السيسي فور تسلمه مقاليد الحكم في القاهرة.
بعد أيام قليلة, حدثت اجتماعات ومباحثات قيادية عربية في أقل من 24 ساعة, كان محورها هذا العنوان: قوة عربية مشتركة, وذلك عندما قام العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بزيارة سريعة إلى الرياض واجتماعه مع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز, وذلك في 25 من فبراير/شباط الماضي, طار بعدها مباشرة إلى القاهرة ليعقد اجتماعاً سريعاً مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي, لم يصدر بيان مشترك بنتيجة هذه الاجتماعات إلاّ أن وسائل الإعلام المصرية أشارت إلى أن هناك محاولات جادة لوضع فكرة القوة العربية المشتركة موضع التنفيذ, ولكن زيارة الرئيس المصري إلى الرياض واجتماعه مع العاهل السعودي بعد يومين فقط من زيارة الملك الأردني للقاهرة أكدت أن الأمر لم يعد فكرة بل تجسيد لها, خاصة اثر اجتماع السيسي مع الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي حيث- وحسب وسائل الإعلام-  تم الحديث عن كيفية إخراج "القوة العربية المشتركة" من خلال الجامعة العربية, غير أن معظم المحللين يذهب إلى أنه ليس بمقدور الجامعة العربية أن تشكل حاضنة لهذه القوة, فالجامعة لديها بالفعل قراراً بتشكيل مثل هذه القوة في إطار معاهدة الدفاع المشترك, ولم تتمكن من تفعيل هذا القرار رغم مرور حوالي سبعة عقود مرت بها المنظومة العربية بحروب عديدة, وحتى في ظل النهوض القومي العربي في فترة الخمسينات والستينات, فإن مثل هذه القوة ظلت حبيسة الأدراج في الجامعة, واليوم, في ظل "المد القطري" على حساب المد القومي, وتطلع كل دولة لمصالحها الذاتية الخاصة, فإنه من المستبعد إذا لم يكن من المستحيل, أن تشكل الجامعة العربية حاضنة لهذه القوة, على ضوء اختلافات المصالح والرؤى لدى كافة الدول العربية.
دعوة الجامعة العربية لاحتضان القوة العربية المشتركة " تستند إلى قرار الجامعة في دورتها 142 الداعي إلى : وضع استراتيجيات وطنية وإقليمية لمواجهة التنظيمات الإرهابية خصوصاً تنظيم الدولة الإسلامية داعش ... إلاّ أن القرار ذاته لم يدعو إلى تشكيل مثل هذه "القوة" لكنه بالمقابل دعى إلى التوقيع والمصادقة على الاتفاقيات العربية في مجال التعاون الأمني والقضائي, خاصة تلك الاتفاقيات المتعلقة بمكافحة الإرهاب وتطبيق بنودها دون إبطاء وتفعيل الآلية التنفيذية للاتفاقية في بعض الأحيان, كان الحديث يدور حول قوة تدخل عربية مشتركة ما يعطي هذه القوة دوراً هجومياً وقد يكون إستباقياً, لكن تصريح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مؤخراً في أن هذه القوة دفاعية بالدرجة الأولى, منح مصطلح قوة عربية مشتركة, بعداً أكثر انسجاماً مع هذه الرؤية, وتعبيراً عن أن النظام العربي في خط الدفاع ضد الإرهاب الذي بات يهدد هذا النظام برمته.
وليس من المتوقع أن تنجح المساعي كي تحتضن الجامعة العربية هذه القوة, وبديلاً عن ذلك كان السيناريو الرائج أن تتشكل هذه القوة من الدول المتحمسة لها وهي : مصر والسعودية والأردن والإمارات, وهي دول تشارك في التحالف الدولي ضد الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية, على أن يظل المجال مفتوحاً أمام أية دولة عربية للانضمام إلى هذه القوة في ظل ظروفها الخاصة 
ومن المتوقع, في حال الاتفاق على تشكيل مثل هذه القوة, أن يشكل الجيش المصري عمادها الأساسي مع مشاركة رمزية في الغالب  من الدول الأخرى, الهدف من وراء ذلك أساساً هو إيجاد التغطية السياسية والمالية للدور المصري.
الاتفاق على هذا التشكيل تقف أمامه العديد من الإشكاليات حول هيكلية هذه القوة وقيادتها وكيفية اتخاذ القرارات, بالنظر إلى الطبيعة القطرية للمصالح المتفاوتة والمتباينة  في معظم الأحيان بين الأطراف المشاركة في هذه القوة.
ومن المتوقع أن تصبح هذه الفكرة أكثر نضجاً أثر المداولات التي ستتم أثناء انعقاد مؤتمر القمة العربي في شرم الشيخ أواخر الشهر الجاري.
وكان من المعتقد أن جمهورية مصر العربية أكثر حماساً لقيام مثل هذه القوة بالنظر إلى التهديدات المتجددة على صعيد الجبهة الغربية والحدود مع ليبيا, غير أن التطورات المتجددة في اليمن, جعلت الجبهة الشرقية تحت تهديد التمدد الإيراني  ومخاطر حقيقية على هذه الجبهة خاصة فيما يتعلق بالممر المائي الدولي( قناة السويس) وبالتالي: فإن وصول التهديد الإيراني بإغلاق باب المندب, يشكل هاجساً حقيقياً,للأمن العربي عموماً, ابتداء من مصر وكذلك الدول العربية المطلة على البحر الأحمر خاصة الأردن التي ستتأثر في حال إغلاق باب المندب, حيث أن الميناء الأردني الوحيد,  هو ميناء العقبة, الذي سيصبح بلا جدوى في حال التهديد بإغلاق باب المندب