نظرًا للأهميّةِ الاستراتيجيّةِ الحاسمةِ لدور وسائل الإعلام في التأثير على الرأي والمزاج العام، وفعلها في قلب الحقائق رأسًا على عقب، فإنّه لمن المفيد دائمًا تسليط الضوء مرّةً واثنتين وثلاثة على دور وسائل الإعلام الصهيونيّة في ترويج الرواية الصهيونيّة المزيّفة، فقد وظّفت الحركة الصهيونيّة سابقًا، والدولة الصهيونيّة لاحقًا كافة وسائل وأدوات الإعلام المرئيّة والمسموعة والمقروءة واسعة الانتشار في خدمة برنامجها وأهدافها، وكوّنت قاموسًا خاصًّا بها يشتملُ على كم لا حصر له من المصطلحات والمفردات الموجّهة للرأي العام العربيّ، وكذلك للرأي العام العالميّ.
والحديثُ المعروفُ عن هيمنة الحركة الصهيونيّة على وسائل الإعلام الأمريكيّة والغربيّة ليس مهولًا فيه، فقد ثبت عبرَ مختلِف محطّات ومراحل الصراعي العربيّ – الصهيونيّ أنّ تلك الوسائل في خدمة الحركة الصهيونيّة ودولة الاحتلال الإسرائيلي، لا بل إنّ تلك الدول الغربيّة هي الأخرى تبّنت الحركة والدولة الصهيونيّة ووفّرت لها المناخات والطاقات والوسائل المختلفة لتوظفها في حربها الاستعمارية في فلسطين.
والذي ميّز الإعلام الصهيوني على مدى العقود الماضية أنه كان مبرمجًا ومنهجيًّا وموجّهًا للرأي العام الغربي عامةً ولليهود خاصة، والذي ميّزه أيضًا أن قاموسه طفح بكمٍّ هائلٍ من المصطلحات والمفردات العنصريّة التحريضيّة التشويهيّة ضدَّ الفلسطينيّين والعرب، التي تصوّر الإنسان العربيّ على أنّه حيوان أو وحش أو دموي أو إرهابي أو متخلف أو بدائي أو عدواني أو أنه لا يصلح إلا للعمل الأسود ولا يصلح إلا أن يبقى حطّابًا وسقّاءً.. وأن جنسه دون الجنس اليهودي وأن دمه أرخص من الدم اليهودي وأن اليهودي بألف عربي... الخ.
ومن ضمن الوسائل والمصطلحات التي استخدمها وما يزال الإعلام الصهيوني على سبيل المثال وليس الحصر: الحرب النفسية، الإشاعات، تعظيم قدرات الجيش الإسرائيلي، تهويل الخسائر لدى العدو، تشويه وتزييف الوقائع والأحداث وغير ذلك.
أما الأهداف الرئيسية من وراء ذلك فهي: تحويل الحق إلى باطل والباطل إلى حق، بمعنى ترويج وتسويق الدولة الصهيونية باعتبار أن "الشعب اليهودي" صاحب الحق التاريخي في "الأرض الموعودة" وتصوير العرب أصحاب الحق المشروع في فلسطين على أنهم إرهابيون ووحوش يعتزمون افتراس "دولة إسرائيل" والقضاء عليها.
ومن أهدافهم أيضاً تحشيد الرأي العام الأمريكي الغربي إلى جانبهم في مواجهة "العدوانية العربية" وقد حققوا في هذا الصدد نجاحات كبيرة ملموسة في ظل غياب الإعلام العربي الممنهج.
ولا نغفل هنا الحقيقة الساطعة "أن الحركة الصهيونية ودولة إسرائيل استثمرتا قصة الكارثة أو المحرقة – الهولوكوست - استثمارًا مذهلًا مستمرًّا منذ أكثر من خمسة وسبعين عامًا من الزمن، وما يزال هذا الاستثمار جاريًا بقوّةٍ هائلةٍ ومردوده على الدولة الإسرائيلية كبيرًا وشاملًا إعلاميًّا ومعنويًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا... إلخ.
وكانت قصة الهولوكوست من أخطر الوسائل التي استغلتها وركبتها الحركة الصهيونية والدولة الإسرائيلية في تجنيد الرأي العام الغربي من جهة، وفي دفعة لاتخاذ مواقف معادية للقضايا العربية من جهة ثانية.
وعلى نحو مكمل، لم يغفل الصهاينة بدورهم دور الإنترنت في الحرب الإعلامية ضد الفلسطينيين والعرب، ويعدّون أنّ للإنترنت تأثيرًا كبيرًا لا يمحى على الرأي العام العالمي، وتعدّ مصادر إعلاميّة إسرائيليّة "أنّ رياح الحروب الأخيرة التي شهدتها إسرائيل، إنّما فعلت خيرًا للإنترنت العبري، حيث قفزت المواقع الإخبارية الإسرائيلية إلى الأمام – عن ملحق عسكيم / صحيفة معاريف"، وذهبت المصادر الإعلامية الإسرائيلية إلى رفع شأن ودور الإنترنت مستقبلًا، حيث قالت: "أننا نشهد الآن بديلًا حقيقيًّا لوسائل الإعلام التقليدية في وقت الضائقة". وعدّت المصادر ذاتها "أنّ الحرب الإعلاميّة – تركت بصماتها الكبيرة على المواقع الإخباريّة الإسرائيليّة على شبكة الإنترنت، حيث تعلّمت هذه المواقع كيف تعمل تحت النار، باعتبارها عنصرًا إخباريًّا وحيدًا في الميدان من حيث بثّها التقارير الإخباريّة الساخنة بسرعةٍ فائقة".
وفي السياق نفسه أكد تقرير آخر نشرته معاريف العبرية على الدور الحربي الذي تضطلع به شبكة الإنترنت العبرية، حيث جاء في التقرير: "أن على كل من لم يتجند حتى الآن للجيش الإسرائيلي وَفْقًا للأمر العسكري رقم –8-، عليه أن يعتبر نفسه مجنّدًا وَفْقًا للأمر نفسه في الحرب الإعلامية.. إذ علينا ألا نقول بأن إعلامنا سيئ، بل علينا أن نعمل بأنفسنا من أجل مساعدة وإسناد المعركة الإعلامية الإسرائيلية"، ودعت المصادر الإعلامية الإسرائيلية في هذا الإطار إلى "تدمير مواقع العدو على الإنترنت".
وفي مقابل كل هذا الاستثمار الصهيوني لوسائل الاعلام وأدوات الاتصال والتواصل لصالح الرواية والمزاعم الصهيونية، فإننا فلسطينيا وعربيا نفتقد عمليا إلى خطة إعلامية استراتيجية منهجية واضحة الأهداف والغايات في مواجهة الإعلام الصهيوني والغربي المتصهين، ونقترح هنا بالحاح كبير على الأقل تشكيل فريق أو أكثر من نخبة من الإعلاميين والكتاب للاتفاق على استراتيجية إعلامية موحدة يحملونها وينفذونها في مواجهة هذا الهجوم الإعلامي التحريضي التشويهي الصهيوني.