Menu

لماذا تدويلُ قضيّةِ الأسرى؟ وكيف؟

حمدان الضميري

نشر هذا المقال في العدد 41 من مجلة الهدف الإلكترونية

منذُ بدايةِ الاحتلالِ لأراضي الضفّة والقطاع، حاول كيانُ الاحتلالِ بشتى الوسائلِ أن تبقى قضيّةُ الأسرى شأنًا خاصًّا بيده، يستخدمه أحدَ أهمِّ أدوات الضغط على أبناء الشعب الفلسطيني، يمارسه كيفما شاء وحيثما أراد، حتّى أنّه أعاد استخدامَ قانون الاعتقال الإداري العائد لزمن الانتداب البريطاني إلى الحياة، مستخدمًا إيّاه بأبشع الصور؛ قانونٌ من أكثر قوانين الاعتقال تعسّفًا في العالم، حيث تختفي حقوق المعتقل بشكلٍ كاملٍ خاصّةً القانونيّة والإنسانيّة، ناهيك عن أنّ هذا القانون المخالف للميثاق العالميّ لحقوق الإنسان، وكذلك لاتفاقيّة جنيف الرابعة، تعمل سلطة الاحتلال على تطبيقه تعسّفيًّا؛ كي يطال أيّ فلسطينيٍّ أو فلسطينيّةٍ مدّةً قد تصلُ ستة أشهرٍ قابلةً للتجديد، وهذا ما يحصل غالبًا  حتّى أن بعضهم أمضوا سنواتٍ من الاعتقال الإداري، دون توجيه تهمٍ محدّدةٍ ضدّهم، بحجة أن ملفاتهم أمنيّة، ومن ثَمَّ سرّيّة، ومن صلاحيّات المؤسّسات الأمنيّة لكيان الاحتلال.

تدويلُ قضيّة الأسرى يعني إخراجها من دائرة المواجهة بين المحتلّ وضحاياه من أبناء الشعب الفلسطينيّ، وطرحها أمامَ الرأي العام العالمي وأمامَ المؤسّسات الدوليّة وأمام مؤسّسات التضامن مع الشعب الفلسطيني، وأخيرًا أمام وسائل الإعلام التقليديّة ووسائل التواصل الاجتماعيّ، التي نعرف أهميّة الدور الذي تؤدّيه للتأثير على صناعة الرأي العام الفاعل والمؤثّر.

نستطيعُ القول: إنّ هذا التدويل يمرُّ عبرَ مستوياتٍ متعدّدة، وهنا أهمها ليتسنى لنا جميعًا تسليط الضوء عليها، لتكون بمتناول اليد ونحن ندافع عن قضيّة الأسرى ومعاركهم العادلة:

المستوى الأوّل: هو التوجّه والتفاعل مع المنظّمات الدوليّة، مثل: مجلس حقوق الإنسان بجنيف ومنظّمة الجنايات الدوليّة والبرلمان الأوروبيّ ومنظّمة الصليب الأحمر الدولي، وكذلك منظّمات دوليّة تضمّ في عضويّتها مؤسّسات مجتمع مدنيّ من دولٍ مختلفةٍ، مثل: الفدراليّة الدوليّة للحقوق الإنسانيّة أو المنظّمة الدوليّة للحقوقيّين الديمقراطيّين وغيرها من المنظّمات، وهنا لا بدَّ من التذكير أنّ دخول دولة فلسطين عضوًا في محكمة الجنايات الدوليّة في لاهاي يعطينا ورقةً مهمّةً علينا الاستفادةُ منها، وعرض ملف الأسرى أمامها والضغط برسائلَ متعدّدةٍ على هذه المحكمة، لتبدأَ بفتح ملف الأسرى والتحقيق بالخروقات الإسرائيليّة كافةً تجاهَ فئةٍ مهمّةٍ من أبناء شعبنا الفلسطيني، من وسائل الضغط على هذه المؤسّسة الدولية الاستمرار بمطالبتها بفتح التحقيق وحتّى التظاهر، خاصّةً بمناسبة يوم الأسير وبأعداد مهمّة من الفلسطينيين وأصدقائهم في الساحة الأوروبيّة، وهذا بمتناول اليد إن وضع نشطاء الجاليات الفلسطينيّة في أوروبا هذا الهدف على جدول اهتماماتهم.

المستوى الثاني: التوجّه للمؤسّسات المنتخبة، مثل: البرلمانات الوطنيّة أو برلمانات الأقاليم في الدول الفدراليّة أو المجالس البلديّة المنتخبة ولا ننسى البرلمان الأوروبي الذي يضم أعضاء تم انتخابهم في من مواطنين في 27 دولةً أوروبيّة، في هذه المنتديات لفلسطين الكثير من الداعمين ومن الأصدقاء، اقترح التواصل معهم ليطرحوا على هذه المؤسسات الديموقراطية والمنتخبة تبنّي قراراتٍ تدين سياسة سلطة الاحتلال مع الأسرى الفلسطينيين ودعم مطالبهم المشروعة والعمل على اعتبار تطبيق قانون الاعتقال الإداري مخالفًا لميثاق الأمم المتّحدة للحقوق الإنسانيّة، وإلزام سلطة الاحتلال التوقّف بتطبيقه على أبناء الشعب الفلسطينيّ في المناطق المحتلّة. كذلك بإمكان التواصل مع منظّماتٍ صديقةٍ ومطالبتها من أعضاء برلمانات بتقديم مقترحات في برلماناتهم والتصويت عليها لإدانة إسرائيل على ممارساتها المخالفة لقواعد القانون الدوليّ، وخاصّةً مخالفة اتفاقيّة جنيف الرابعة، التي تحدّد قواعد التعامل مع سكّان المناطق المحتلّة.

المستوى الثالث: التفاعل مع مكوّنات المجتمع المدني، وبشكلٍ خاصٍّ مئات الجمعيّات المناصرة لحقوق شعبنا في مختلف الدول الأوروبيّة، ولحسن حظّنا أنّنا نملك حركة تضامنٍ أوروبيّةٍ واسعةِ الانتشار ومتنوعةٍ في أدائها وأثبتت فاعليتها، خاصّةً في مجال المقاطعة BDS.

المستوى الرابع: الاستمرار بنقل رسالة الأسرى للخارج، معاركهم وإضراباتهم عن الطعام المطلبيّة ومطالبهم المشروعة لتحسين ظروف اعتقالهم، وكذلك التفاعل مع ما يجري داخل المعتقلات، عبر تنظيم المظاهرات والوقفات التضامنيّة، وتنظيم مؤتمرات متخصّصة وورشات حولَ عناوين محدّدة لتتاح للناشطين والمنتخبين التعرّف بشكلٍ أعمقَ على أوضاع آلاف المعتقلين الفلسطينيّين داخل سجون الاحتلال، خاصّةً معاناة المرضى والأطفال وكبار السن. علينا تحديد فئات محدّدة من المعتقلين وتنظيم حملاتٍ عالميّةٍ للدفاع عنهم وفضح ممارسات الاحتلال بحقّهم، هذا العملُ الهادفُ لتوصيل الأخبار والمعلومات متعلّقٌ بقضايا محدّدة، له أهميّة بالغة؛ لأنّه يتيح للمؤسّسات وللنشطاء التعرّف على حقيقةٍ استراتيجيّةٍ سلطة الاحتلال تجاهَ الأسرى. فكلُّ واحدٍ منا بإمكانه أن يتحوّل لصحفيّ ومراسل وناقل للأخبار ليقوم بدوره بإيصال هكذا معلومات للفضاء الذي يتحرك وينشط فيه.

إنّ التفاعل مع هذهِ المستويات يتطلّب أوّلًا وجود استراتيجيّةٍ فلسطينيّةٍ وطنيّةٍ فيها تكاملٌ بين الرسميّ والشعبيّ، كذلك يتطلّب انخراطًا واسعًا لنشطاء فلسطينيّين داخلَ مؤسّسات المجتمع المدني المتضامنة معنا لنقل رسالة الأسرى داخلها، وهذا يخدمُ هدف التكامل بين مؤسّساتٍ فلسطينيّةٍ فاعلةٍ هنا في أوروبا مع مؤسّساتٍ أوروبيّةٍ معروفةٍ بتضامنها مع حقوق الشعب الفلسطيني، في حين أنّ حالة الانقسام التي تعرفها الساحة الفلسطينيّة، التي وللأسف تم إحضارها هنا في الساحة الأوروبيّة، وفقدان رؤية وطنية جامعة عند أصحاب القرار، يعيق حسب رأيي ولادة هكذا استراتيجية والخاسر الأول، هي قضيتنا الوطنية، وكذلك قضية الأسرى ومن خلفهم عائلاتهم وأبناؤهم، وهذا ما يجب أن يضاعف من الجهد والعمل لتجاوز هذا الواقع المؤلم. فتدويل قضيّة الأسرى مسار فيه تنوع في الأدوات وتكامل بين اللاعبين، من مؤسّسات مجتمعيّة ونشطاء ومؤسسات دوليّة وأخرى رسميّة كالسفارات، وعلى الجميع أن يقوموا بأدوارهم لنصل لكسب معركة الأسرى وعدم ترك الآلاف من المعتقلين من أبناء شعبنا فريسةً سهلةً لمحتلٍّ لا يعرف القيم ولا المواثيق ويضرب بعرض الحائط كل قواعد القانون الدولي والقانون الدوليّ الإنسانيّ.