من شيم الأحرار رفض الذّل والهوان، يواصلون النّضال للرمق الأخير، يزداد العدو تغوّلًا فيزدادون هم عزيمةً وإصرارًا، يفضلون الموت بكرامة على العيش تحت بطش السجان، ثلاثون ماردًا من أبناء الجبهة الشعبيّة اتخذوا قرارًا ببدء معركتهم بخوض الإضراب المفتوح عن الطعام، رفضًا لقرار الاعتقال الإداري، الذي يتعارض مع القيم الإنسانيّة والأعراف والمواثيق الدوليّة، بأمعائهم الخاوية يطلقون صرختهم إلى العالم الذي صم آذانه عن قضيتهم العادلة.
نادر العربي.. سليل الشرفاء
وللاطلاع عن قرب على معاناة الأسرى المضربين ومعاناة ذويهم، أجرت الهدف مقابلةً مع زوجة الأسير المضرب عن الطعام عاصم الكعبي، الرّفيقة صمود أحمد سعدات، التي أطلعتنا على تفاصيل اعتقال زوجها، حيث تم اعتقاله بعد مداهمة منزله في ساعات متأخرة من اللّيل في ٢٤أغسطس٢٠٢٢، ليحوّل فيما بعد للاعتقال الإداري لمدة ٦ أشهر.
وأوضحت سعدات أنّ اعتقال زوجها جاء بعد تنسمه الحرية لمدة سنة وأربعة أشهر فقط، حيث أمضى 18 عام في المعتقل على خلفية انتمائه ونشاطه في كتائب الشهيد أبو علي مصطفى ، وبادعاء تنفيذه عمليات مقاومة ضد الاحتلال، وتابعت القول: " أعيد اعتقال زوجي، ولكن هذه المرة دون مدة معروفة ولا تهمة محدّدة".
وقالت سعدات: "لا يمكن لكلمات أن تصف المشاعر التي تعصف بي وتحديدًا أنني حامل في شهري السابع وننتظر قدوم مولودنا الأول "نادر العربي"، لكم أن تتخيلوا مدى صعوبة اللّحظة وألمها ألّا يكون عاصم موجودًا إلى جانبي لحظة قدوم ابننا إلى الحياة".
وبأملٍ وإصرار واصلت سعدات قولها: "هذا تحدٍ جديد لي ولعاصم نضيفه للتحديات التي استطعنا تجاوزها معاً خلال فترة ارتباطي به قبل التحرر من الاعتقال الأول الذي استمر لمدة ٣ سنوات ونصف، أنا وعاصم سننتصر مجدّدًا فقلوبنا لا تعرف الهزيمة، وعاصم صلب قوي متماسك، معنوياته عالية جدًا لدرجة أنّه في كل تواصل يمنحني من معنوياته ما يبقيني قادرة على مواجهة الأمر".
وأكّدت على أنّ الاحتلال بمنظومته القمعية التكاملية، وما يمارسه من اعتقالات ذات هدف سياسي وقضاء صوري، واعتقال إداري يطال الجميع دون استثناء، ومحاولات سلخ الأسير عن سياقه الاجتماعي وعائلته، إلى جانب القهر الذي يواجهه هؤلاء الأسرى يدفعهم لخوض هذه المعركة، مشيرةً إلى أنّ الدافع الأساسي لاتخاذ قرار الإضراب، "هو دافع نضالي ضد ظلم الاعتقال الاداري ودافع إنساني ضد الحرمان القسري من الحياة والذي يمنع الأسير من مشاركة عائلته جميع مناسباتها، فدافعهم هو النضال لانتزاع حقوقهم".
وحول سيناريوهات المواجهة التي ستتّخذها إدارة مصلحة السّجون، قالت سعدات: "السيناريوهات مفتوحة، فكلنا نعلم كيف تتصرف منظومة القمع وما يسمى بمصلحة السجون في حالات الإضراب، بدءًا من عزلهم في زنازين انفرادية وحرمانهم من الزيارات العائلية وعقابهم بغرامات مالية، وصولاً إلى التنكيل والاستفزاز ومحاولة كسر إرادتهم بشتى الطرق".
وأعربت سعدات عن ثقتها بأنّ الأيام المقبلة ستشهد انضمام باقي المعتقلين الإداريين لهذه المعركة، مستدركةً: "هؤلاء الثلاثون معتقلًا إداريًا يخوضون معركة باسم 780 معتقل، وفي لحظة ما يجب أن لا يتركوا وحيدون في مواجهة السجان، لذلك آمل أن ينضم إلى الإضراب معتقلين إداريين آخرين فهذا من شأنه أن يقصّر من عمر الإضراب، الخطوات الجماعية مجدية، وهناك تجارب على مر الزمن أثبتت نجاعة الإضرابات الجماعية في تحقيق المطالب، سواء الحياتية أو غيرها".
وأضافت سعدات: "المطلب الأساسي لنا موجّه لكل حر من أحرار العالم والوطن أن يقف معنا في هذه المعركة، فأحباؤنا يخوضون إضراباً من أجل الحرية علينا أن نلتف حول قضيتهم ونساندهم بكل الطرق والوسائل، وأن نعلي صرخة الحق صرخة المضربين عن الطعام، فكل فعالية إسناد هي ضرورة من أجل سلامتهم ومن أجل إيصال رسالتهم لكل مسامع الكون بأنّ هناك ظلماً في السجون يدعى الاعتقال الإداري".
غليان في السجون
بدوره وصف الأسير المحرّر ومسئول لجنة الأسرى في الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين، الرّفيق عوض السلطان سياسة الاعتقال الإداري بالسّيف المسلّط على رقاب أبناء شعبنا الفلسطيني، منوّهاً إلى أنّه مأخوذ عن سياسة استعمارية، وعن القوانين الإمبريالية التي خلفها الانتداب البريطاني.
ولفت إلى أنّ العدو الصهيوني يسعى من وراء هذه الاعتقالات -بحق خيرة أبناء شعبنا- إلى استئصال الفعل الوطني الكفاحي، إضافةً لتنفيذ رغبته المستميتة في قتل المعتقلين معنويّاً من خلال إبعادهم عن محيطهم الاجتماعي وحرمانهم من حياة هادئة وهانئة، ووضعهم بحالة من عدم الاستقرار والقلق المستمر، مشيراً إلى أنَ المعاناة التي يمر بها أسرانا المضربون عن الطعام لا تتعلق بهم وحدهم بل بالمئات من ذويهم ومحبيهم.
وأضاف: "معاناة ذوي الأسرى تكاد تفوق معاناة الأسرى أنفسهم حيث علقوا بدورهم ولائم الطعام تضامناً مع أبنائهم المضربين، نظرًا للقلق الناجم عن خطورة قرار الإضراب عن الطعام على أجساد أحبائهم، فهو يجعلهم معرضين للاستشهاد في أي لحظة".
وأوضح أن اتخاذ قرار الإضراب لم يكن خيارًا سهلًا على الأسرى، لأنهم يدفعون ثمنه كيلوات من لحمهم، حيث في الأسبوع الأول للإضراب يخسر الأسير يوميًا ما يقارب كيلو جرامًا من وزنه، مع وجود آلام وأوجاع بالمفاصل لا تُحتمل، علاوة على شعورهم بالدوار وعدم الاتزان والإنهاك المفرط.
وفي السّياق، أفاد السّلطان بأنّ السّجون تعيش حالة من الغليان، بسبب إضراب المعتقلين الثلاثين، وبسبب شدة خطورة الوضع الصّحي للأسير ناصر أبو حميد الذي انتشر السرطان في جسده نتيجةً للإهمال الطبي، منوّهًا إلى أنّ الأيّام القادمة ستشهد توسعًا في دائرة الأسرى المضربين عن الطعام.
وكشف السّلطان عن عزم لجنة الأسرى تنظيم سلسلة من الفعاليات والبرامج المناصرة للأسرى تحمل الجانبين الإعلامي والقانوني، والتي تسعى لطرق أبواب المجتمع الدولي وإجباره على التدخل لإنقاذ حياة أسرانا قبل فوات الأوان.
وختم السّلطان حديثه قائلًا: "أسرانا الإداريين المضربين عن الطعام، يشقون طريقهم نحو الحريّة، ونحن كلجان أسرى لن ندّخر جهدًا سواء على المستوى الفلسطيني أو على المستوى الدولي لدعم قضيّة الأسرى وإسنادهم بالشكل المطلوب وإيصال ملف الاعتقال الإداري إلى المحاكم الدوليّة".
أولويّة وطنيّة
من جانبه أشار النّاطق الإعلامي باسم حركة المقاومة الإسلاميّة "حماس" حازم قاسم إلى أنّ الاحتلال الصهيوني لديه استراتيجية ثابتة في محاربة كل الفواعل الوطنية في المجتمع الفلسطيني على صعيد القيادات والرموز السياسية والمجتمعية والأهلية، لذلك يمارس بحقهم التغييب عبر الاعتقالات المستمرة وإصدار الأحكام العالية التعسفية.
ولفت إلى أنّ الاعتقالات التي يمارسها الاحتلال "جريمة" بحق شعبنا الذي يخوض معركة مشروعة ضد الاحتلال الصهيوني وفق القانون الدولي، مستنكرًا سياسة الاعتقالات الإدارية التي لا تستند لأي مسوغ للاعتقال، والتي تعد تحايلًا على القانون الدولي ومسعىً صهيونيًا لكسر إرادة المناضل الفلسطيني وردعه عن مواصلة النضال وإدخاله في متاهات متواصلة.
وفي سياقٍ مواز، شدّد قاسم على ضرورة وضع قضية الأسرى على رأس سلم أولويات كل قوى المقاومة الفاعلة في الميدان وإبقائها حاضرة في كل ساحات الفعل النضالي، وبالأساس النضال المستمر لكسر القيد عن الأسرى بقوة الفعل المقاوم.
ودعا لضرورة الاتفاق على استراتيجية متكاملة بين القوى السياسيّة والأهلية لوضع قضية الاعتقال الإداري الإجرامية أمام كل الجهات الدولية والحقوقية، وتشكيل قوة دعم وإسناد حقيقيّة للأسرى داخل السجون ولذويهم وفضح هذه الجريمة عبر منهجية إعلامية وطنية تخاطب كل الأطراف ذات العلاقة بالموضوع وإبقاء الحراك الشعبي الضاغط مستمر على الاحتلال لإنهاء هذه القضية.
وأضاف قاسم: "الأسرى يشكلون حالة متقدمة من العمل الوحدوي المشترك، وبالتالي إذا ما تواصلت المعركة فسيتم إسناد الأسرى المضربين عن الطعام بعديد من الوسائل داخل السجون، متمّمًا: "لطالما شكّلت حالة التضامن داخل السجون رافعة حقيقية لقضية الأسرى وقضاياهم المطلبية".
وجدّد قاسم التأكيد على أنّ أسرانا الأبطال يستطيعون انتزاع حقوقهم المشروعة من السجان الصهيوني رغم غطرسته وعنجهيته، مستذكرًا المحطات السابقة التي أثبت خلالها الأسرى قدرتهم على فرض إرادتهم بالرغم من انعدام الوسائل "إلّا من إيمانهم العميق بقضيتهم العادلة".