Menu

رسائل مسربة من (ويكليكس): كيف تدعم هوليود جرائم الحرب الصهيونية؟

أحمد مصطفى جابر

نشر هذا المقال في العدد 42 من مجلة الهدف الإلكترونية

بينما كان الكيان الصهيوني يشن عدوانه الإجرامي على غزة عام 2014، كان العديد من كبار منتجي التلفزيون والموسيقى والأفلام في أمريكا، ينظمون حملة لحماية سمعة دولة الاحتلال من الإدانات الدولية واسعة النطاق.

مؤخرًا، فضحت مجموعة من التسريبات لرسائل الكترونية، كيف حاول أقطاب الترفيه المؤثرين في هوليود تبييض الجرائم الصهيونية، وتقديم الوضع على أن "إسرائيل" تدافع عن نفسها ضد ما زعموا إمه "إبادة جماعية وشيكة"، بل إن هؤلاء تواصلوا مع مسؤولين عسكريين وحكوميين صهاينة للتنسيق فيما بينهم، وشن حملة ضد الفنانين المعارضين والذين انتقدوا تصرفات حكومة الاحتلال وأنصارها. هذه التسريبات صدرت عن أرشيف (سوني) أحد شركاء ويكليكس، التي أسساها بطل حرية الإعلام جوليان أسانج، وهو عبارة عن مخبأ لرسائل البريد الإلكتروني التي نشرتها ويكيليكس؛ من هذه النماذج المشينة الرسالة التي أرسلها المحامي والمنتج في هوليوود Glenn D. Feig في سلسلة بريد الكتروني إلى العديد من المديرين التنفيذيين الأكثر نفوذًا في تينسل تاون (أبرز أحياء صناعة السينما في هوليود)، والتي مفادها أن: "[رسالة إسرائيل] يجب أن تتكرر بلا حدود حتى يفهمها الناس"، جاء ذلك في إطار عدوان 2014 أحد أكثر الفصول دموية خلال أكثر من نصف قرن من الاحتلال.

في ذات السياق، تعرض نجوم كبار للإدانة بسبب موقفهم المناهض للعدوان، ولكن كبار المنتجين أعربوا عن قلقهم، ليس إزاء العدوان بل إزاء تغريد بعض النجوم خارج السرب، حيث أصر المنتج رون روثولز على أنه "يجب أن نتأكد من عدم حدوث ذلك مرة أخرى" وهو يقصد العديد من أكبر نجوم عالم السينما، بما في ذلك الزوجان المشهوران، بينيلوبي كروز وخافيير بارديم، اللذان أدانا ممارسات الكيان الصهيوني ووصفاها بأنها ترقى إلى مرتبة "إبادة جماعية".

روثولز هاجم النجمان الحائزان على أوسكار بشدة؛ مدعيًا أنه لا يجوز لنجم حائز على هذه الجائزة أن يصف سلوك "إسرائيل" بأنه عدوان؛ زاعمًا أن هذا التصرف "مثير للتقزز". وحاول روثولز بعد ذلك تنظيم حملة ضغط عالمية صامتة على مواقع ومؤسسات الفنون، بما في ذلك أكاديمية الفيلم السينمائي في هوليوود ومهرجاني صندانس وكان السينمائي، للقضاء على حركة المقاطعة في قطاع السينما. وقال إن "ما يمكننا القيام به هو حث قادة المؤسسات السينمائية والتلفزيونية والمسرحية والمهرجانات والأسواق وربما رؤساء المؤسسات الإعلامية على إصدار بيانات رسمية تدين أي شكل من أشكال المقاطعة الثقافية، أو الاقتصادية ضد إسرائيل".

تكشف رسائل البريد الالكتروني المسربة أيضا عن مهاجمة صانع الأفلام والناشط الاجتماعي البريطاني كين لوتش الذي دعا علنًا في مهرجان كان وفي أعقاب العدوان الصهيوني على غزة، إلى مقاطعة ثقافية ورياضية لدولة الفصل العنصري. موقف لوتش أثار غضب المُجمع الصهيوني في هوليود، حيث طالب ريان كافانو، الرئيس التنفيذي لشركةRelativity Media ، وهي شركة منتجة للأفلام ومسؤولة عن تمويل أكثر من 200 فيلم، بإلغاء مهرجان كان السينمائي بأكمله، وليس لوتش فقط وقال "يجب أن تتحد الاستوديوهات والشبكات معًا وتقاطع مهرجان كان". وأضاف: "إذا لم نفعل ذلك، فإننا نرسل رسالة مفادها أن محرقة أخرى لا بأس بها في هوليوود طالما أن الأمر يسير كالمعتاد"، واصفًا العدوان الصهيوني الغادر على السكان المدنيين شبه العزل قي قطاع غزو بأنه إبادة جماعية فلسطينية "للإسرائيليين"!

وافق آخرون على هذا "الإفتراء الخطير"، مثلًا قال بن سيلفرمان، الرئيس المشارك السابق لـ NBC Entertainment و Universal Media Studios ومنتج برامج مثل "The Office" و "The Biggest Loser"  و Ugly Betty " أن الصناعة يجب أن" تقاطع المقاطعين"، في غضون ذلك، كتب روثولز إلى رئيس مهرجان كان السينمائي، يطالبه باتخاذ إجراء ضد لوتش بسبب تعليقاته، وشدد على أنه "لا مكان لـ [تصريحات لوتش المتعصبة والكراهية] في عالم السينما وصانعي الأفلام".

تواطأ آخرون في الحملة الصهيونية، وبوقاحة توصلوا إلى طريقة أخرى لمواجهة لوتش؛ فاقترح منتج الأفلام البريطاني كاسيان إلويس "ماذا لو نجتمع معًا ونصنع فيلمًا وثائقيًا عن ظهور معاداة السامية الجديدة في أوروبا". انضم إلى هذا الهراء الصهيوني جيسون بين و إيمي باسكال، الرئيسة المشاركة لشركة Sony Pictures Entertainment، كذلك عمل مارك كانتون، منتج أفلام مثل "Get Carter" و "Immortals"  و "300"، على حشد المزيد من دعم هوليوود لهذه الفكرة، وغيرهم كثير.

من هذه الرسائل واحدة وجهت عبر قائمة بريدية تضم عشرات الشخصيات السينمائية المرموقة بعنوان "عام جديد سعيد؛ أصبحت ألمانيا السيئة للغاية الآن منطقة محظورة على السفر لليهود"، والتي زعمت بسخرية أن الدولة الأوروبية أصبحت دولة دينية إسلامية يسيطر عليها المسلمون.

وفي رده على الإفتراءات الصهيونية الهوليودية قال لوتش الذي لم ينجحوا في إسكاته "إنه أمر مروع. لكن في النهاية، ليس الأمر مفاجئًا، لأن المدافعين عن قمع إسرائيل للفلسطينيين سيبذلون قصارى جهدهم لمنع الأشخاص الذين يعارضونهم"، وأضاف "لا ينبغي أن نقلل من كراهية أولئك الذين لا يستطيعون تحمل فكرة أن للفلسطينيين حقوق الإنسان، وأن فلسطين دولة؛ ولديهم بلدهم".

إغلاق حرية التعبير

كما مارست المجموعة الموالية للكيان الصهيوني في هوليوود ضغوطًا جدية على المؤسسات الأمريكية لقمع دعم حقوق الإنسان الفلسطيني. وكشف سيلفرمان أنه كتب إلى بيتر جيلب، المدير العام لأوبرا نيويورك متروبوليتان، في محاولة لإغلاق عرض أوبرا "موت كلينجهوفر"، وهي أوبرا تروي قصة اختطاف طائرة ركاب عام 1985 من قبل جبهة التحرير الفلسطينية". في النهاية؛ استمرت المسرحية وسط احتجاج كبير ومنسق داخل وخارج مركز لينكولن للفنون المسرحية، حيث حاول صهاينة هوليود إيقاف العرض، بدعوى أنه "معاد للسامية".

التنسيق مع جيش الاحتلال

تظهر محادثات البريد الالكتروني للعديد من أكثر الأفراد نفوذًا في هوليوود أن اليهود على وشك التعرض للإبادة في جميع أنحاء العالم؛ زاعمين أن "إسرائيل" هي الحاجز الوحيد الذي يقف في طريق هذا المصير الوشيك. وتُظهر رسائل البريد الالكتروني الخاصة بأرشيف سوني أيضًا أنه، لم يقتصر الأمر على استراتيجيات تنسيق كبار المنتجين في مدينة تينسل لإسكات منتقدي "إسرائيل"، بل كانوا أيضًا على اتصال وثيق بالحكومة الصهيونية وجيشها.

على سبيل المثال، أرسل المنتج جورج بيريز رسائل إلى زملائه في سلسلة البريد الالكتروني لتقديمهم إلى عقيد في الجيش الصهيوني هو كوبي ماروم وقال بيريز في رسالة إلى قائمة بريدية من زملائه "يرجى للجميع استخدام قائمة الرد على الكل" من هنا فصاعدًا. لقد ضمنت كوبي ماروم قائدًا متقاعدًا في الجيش الإسرائيلي؛ كان كوبي لطيفًا بما يكفي لمنح عائلتي وأنا بجولة جيب في مرتفعات الجولان خلال رحلتنا في يونيو إلى إسرائيل، كما اصطحبنا لزيارة قاعدة عسكرية على الحدود بين إسرائيل وسوريا، وهي المنطقة التي ظهرت في الأخبار مؤخرًا. من الصعب تخيل أن "الأطفال" [يقصد المجندين في الجيش الصهيوني] الذين التقينا بهم في القاعدة، هم على الأرجح منخرطون في قتال مع أعدائنا".

وأشار بيريز أيضًا إلى أن "كوبي يعمل بشكل وثيق مع أصدقاء جيش الدفاع الإسرائيلي (FIDF) الذين يحتاجون إلى تبرعات"، ونصح أن هوليوود بحاجة إلى "البحث بعمق للمساعدة في النضال المستمر من أجل بقاء إسرائيل". كما حاولت المجموعة بقيادة كافانو تجنيد نجمة السينما "الإسرائيلية" الأمريكية ناتالي بورتمان في صفوفها، لكن الممثلة الحائزة على جائزة الأوسكار؛ بدت أكثر قلقاً من مشاركة تفاصيلها الشخصية: كيف وضعوني على هذه القائمة؟". أيضا رايان سيكريست أجابت موجهة كلامها إلى كافانو"[C]  أرجو إزالتي من قائمة البريد الالكتروني هذه؟ لا ينبغي أن تنسخني علنًا سأضطر إلى تغيير عنوان بريدي الالكتروني الآن. شكرا لك".

في حين أن ازدراء بورتمان العلني لمجموعة المنتجين المؤيدين "لإسرائيل" بشكل واضح جدير بالملاحظة، كان رد كافانو أكثر من ذلك، والذي كشف عن مدى قرب العلاقة بين الدولة الصهيونية وهوليوود. كتب كافانو بشكل مسعور ضد النجوم اليهود المعارضين للسياسة الصهيونية، وقال "آسف. أنتم اليهود المحقون الذين يتم ذبحهم بسبب معتقداتهم وأعضاء كان الذين ينادون بمقاطعة أي شيء إسرائيلي أو يهودي أقل أهمية بكثير من عنوان بريدك الالكتروني الذي يتم مشاركته مع 20 من زملائنا الذين يحاولون إحداث فرق. أعمق اعتذاري... تناولت الغداء بالأمس مع القنصل العام الإسرائيلي. لقد كان مرتبكًا للغاية وقلقًا عندما سمع أنك تدعم جي ستريت حتى أنه توسل إليَّ أن أوصل بينكما".

وهكذا، تثبت رسائل البريد الالكتروني المسربة بما لا يدع مجالًا للشك أن كلًا من الحكومة الصهيونية والجيش الصهيوني على اتصال ببعض أقوى الأشخاص في عالم السينما الهوليودية والبريطانية، من أجل دفع رسالة مؤيدة للكيان إلى الأمام والقضاء على أي انحراف عن هذا الخط.

ولكن مجموعة صهاينة هوليود التي فشلت في تجنيد بورتمان؛ تمكنت من سحب منتج الهيب هوب الشهير راسل سيمونز إلى مستنقعها، وهو مؤسس ديف جام للتسجيلات وهو أيضًا، أي مؤيد الكيان هذا، كان محل جدل مؤخرًا، بعد أن تقدمت ضده 20 امرأة بتهمة الاغتصاب أو غيره من أشكال سوء السلوك الجنسي.

تكشف رسائل البريد الالكتروني أن تعزيز التواصل مع الكيان الصهيوني داخل المجتمع الإفريقي الأمريكي هو أحد اهتمامات سيمونز الأساسية، في محاولة لاختراق التضامن الفلسطيني – الإفرو أميركي، وعندما سئل عما إذا كانت لديه أي أفكار حول كيفية تحسين صورة "إسرائيل"، قال "رسائل بسيطة من غير اليهود، خاصة من المسلمين لتعزيز السلام وحق إسرائيل في الوجود... لدينا الموارد والرغبة في كسب قلوب الشباب المسلمين والمسلمين بدلًا من فقدانها".

وعند سؤاله عن ماهية الموارد لديهم، قال "لدينا المئات من برامج التعاون بين الأئمة والحاخامات وأتباعهم. لدينا العديد من الأئمة المحترمين الذين سينضمون إلى الحاخام الرئيسي السابق ميتزكر الحاخام شنير وغير اليهود في الترويج لخطة السلام السعودية"، واختتم حديثه قائلًا: "من خلال هذه الحملة سنساعد إسرائيل".

تحول المد

على الرغم من الجهود الحثيثة التي يبذلها سيمونز وآخرون؛ بدأ الرأي العام الأمريكي، في السنوات الأخيرة، بالانقلاب على "إسرائيل"، ومن المرجح أن يتعاطف الشباب الأميركيون، على وجه الخصوص، مع محنة الشعب الفلسطيني ويدعمون قيام دولة فلسطينية مستقلة؛ يتعلق الكثير من هذا بصعود وسائل التواصل الاجتماعي وقيام جيل جديد من النشطاء باختراق الحواجز لتسليط الضوء على الظلم الذي تمارسه حكومتهم.

اليوم، من المرجح أن يرى الأمريكيون روايات مباشرة وغير موثقة عن الوحشية الصهيونية على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، كما أوضح عالم السياسة المخضرم نعوم تشومسكي "إن حجاب الدعاية المكثفة [يتم] التخلص منها ببطء، [و] المشاركة الأمريكية الحاسمة في الجرائم الإسرائيلية؛ تتجلى أيضًا بشكل أكثر وضوحًا، مع الالتزام بالنشاط، يمكن أن يكون لذلك آثار مفيدة".

ومع ذلك؛ يستمر دعم الحكومة الأمريكية للكيان الصهيوني في الارتفاع، خاصة ما بين عامي 2019 و 2028، حيث من المقرر إرسال ما يقرب من 40 مليار دولار من المساعدات، كلها تقريبًا عسكرية، مما يعني أن أموال دافعي الضرائب الأمريكيين تساهم في القمع والتشريد الفلسطيني.

النجم الكبير لوتش كان أكثر تفاؤلًا بشأن هذه القضية، حيث قال إن أولئك الذين يقفون في طريق العدالة سيحكم عليهم التاريخ بشكل سيء، قائلاً: "إن إنكار حقوق الإنسان للفلسطينيين هو من أكبر الجرائم [في العصر الحديث] وحقوق الفلسطينيين هي أحد أكبر أسباب القرن الماضي وهذا القرن؛ علينا جميعًا أن ندعم الفلسطينيين؛ إذا كان لديك أي اهتمام بحقوق الإنسان، فلا شك: يجب دعم الفلسطينيين. وهؤلاء الناس الذين يعارضونهم، في النهاية، سوف يتلاشون، لأن التاريخ سيظهر أن هذه كانت جريمة مروعة؛ عانى الفلسطينيون من التطهير العرقي في وطنهم؛ علينا دعم الفلسطينيين، توقفوا". ومع ذلك، لا ينوي هؤلاء المتصهينون "التلاشي" ويواصلون القتال نيابة عن الحكومة الاحتلالية.