Menu

السلطة الفلسطينية والعودة مجدداً إلى كتائب "دايتون" الفاشية

عليان عليان

بعد المهزلة  التي ارتكبتها  القيادة المتنفذة لمنظمة التحرير، وفي السلطة الفلسطينية ممثلةً بالتنازل عن طرح موضوع الاستيطان في مجلس الأمن، لاستصدار قرار  يدين الاستيطان مجدداً  بوصفه غير شرعي وغير قانوني، على النحو الذي حصل عام 2016 في استصدار القرار رقم  2334،  واكتفائها بإصدار بيان رئاسي لا يسمن ولا يغني من جوع يدين الاستيطان، وفق تفاهم بين رئيس السلطة والإدارة الأمريكية بوساطة الإمارات التي لعبت دور (المحلل)، وتتعهد بموجبه حكومة الكيان الصهيوني "شكلياً" بوقف الاستيطان ووقف هدم المنازل واقتحام المدن لعدة شهور، بعد هذه المهزلة جاء العدوان الصهيوني على مدينة نابلس، الذي أسفر عن استشهاد عشرة مواطنين وإصابة ما يزيد عن مائة مواطن فلسطيني، ليؤكد مكافأة الكيان الصهيوني ومن خلفه الإدارة الأمريكية للقيادة المتنفذة على سخائها في تقديم التنازلات المجانية، مقابل ثمن بخس  غير قابل للدفع.

 لقد أصابت الفصائل الفلسطينية السبعة "الشعبية، والديمقراطية، وحماس، والجهاد، والقيادة العامة، والصاعقة، وحركة المبادرة" في تنديدها بفعلة السلطة، في بيانها الصادر الثلاثاء الماضي، والذي أكد أن "ما قامت به السلطة الفلسطينية من صفقة مقابل التراجع عن موقفها لا يعني إلا استمرارها في مسلسل بيع الأوهام لشعبنا، والارتهان للإدارة الأمريكية المتواطئة مع الاحتلال ضد شعبنا وحقوقه، على مدار عشرات السنين، إضافة إلى الخضوع لحسابات أمريكا المتعلقة بالحرب الروسية الأوكرانية، في ظل الصراع الدولي الدائر".

 ما يجب الإشارة إليه هنا أن السلطة الفلسطينية لها صحيفة سوابق، في خذلان مقاومة شعبنا ليس في إطار التنسيق الأمني فحسب، بل في إطار مجلس حقوق الإنسان، وفي الذاكرة "تقرير جولدستون" عام 2009، الذي أدان جرائم الاحتلال في عدوانه على قطاع غزة وقاربه بالتطهير العرقي لفظاعة نتائجه، ممثلةً بارتقاء (1410) شهيداً، وإصابة ما يزيد هم (1872) معظمهم من المدنيين، وإلحاق تدمير شامل للبنى التحتية للقطاع. إذ إنه أثناء مناقشة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ( 2008- 2009 ) في مجلس حقوق الإنسان، عرض تقرير جولدستون للتصويت عليه، لكن مدير مكتب المنظمة في جنيف إبراهيم الخريشة، تراجع عن طرحه للتصويت، بناء على طلب قيادة السلطة، رغم توفر أغلبية مريحة في المجلس، للموافقة على ما جاء فيه، وإدانة  الكيان الصهيوني.

 لقد كشفت التقارير والتسريبات  الإسرائيلية، بأن العدوان على نابلس وقبله على جنين   يأتي في إطار ترتيبات متفق عليها بين قيادة السلطة وحكومة الائتلاف الصهيوني  المتطرفة برئاسة نتنياهو، عبر أداتي الاتصال المخولة بذلك وهما تساحي هانغبي – مستشار الأمن الإسرائيلي، وحسين الشيخ – عضو لجنة فتح المركزية وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وبإشراف استخباري أمريكي، تشتمل على امتناع السلطة عن متابعة موضوع الاستيطان في الأمم المتحدة لفترة تقترب من السنة،  ووضع الخطوات العملية لوأد ظاهرة المقاومة في الضفة الغربية، وخاصةً في مناطق  الشمال وعدم الاكتفاء بالتنسيق الأمني على أهميته، ولعل أبرز هذه الخطوات، تلك  التي تعيد الاعتبار "لكتائب دايتون" التي أشرف على إقامتها وتدريبها الجنرال الأمريكي "كيت دايتون" لوضع حد لانتفاضة الأقصى التي اندلعت عام 2000 بعد طرح خطة خارطة الطريق عام 2003، ولتفعيل قرارات مؤتمر شرم الشيخ لمكافحة الإرهاب عام 2006.

 لقد بات مطلوباً من قيادة السلطة، أن تعيد الاعتبار لهيبتها في الضفة الغربية، من بوابة تجريد المقاومة من سلاحها، على النحو الذي قامت به أثناء وبعد انتفاضة الأقصى بمطاردة كتائب المقاومة المسلحة وتصفيتها، ومطاردة رجال المقاومة من قبل "كتائب دايتون" بعد أن رفعت قيادة السلطة وأجهزتها الأمنية شعارها الناظم "لا سلاح إلا سلاح الأجهزة الأمنية" ما يعني تكريس دورها كوكيل أمني للاحتلال، بدون ثمن سياسي محدد أو بدون أفق يفتح على حل سياسي ينقذ ماء وجه السلطة المهدور، والاكتفاء بوعود أمريكية حول حل الدولتين، الذي تم قبره بصفقة القرن، وبقانون القومية اليهودي، وعبر الإجراءات الاستيطانية والتهويدية على الأرض في القدس وعموم الضفة الغربية، وخاصةً في المنطقة (ج).

كتائب دايتون الجديدة المتفق عليها بين الأطراف الثلاثة "الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وقيادة السلطة الفلسطينية" تأتي في إطار المشروع التالي الذي أشارت إليه القناة العبرية (14) ولم يصدر نفي بشأنه من قبل قيادة السلطة:

1-تدريب قوات أمن فلسطينية خاصة مكونة من خمسة آلاف عنصر أمني في الأردن بإشراف أمريكي.

2- مشاركة جنرالات أمريكيين في التنسيق الأمني، حيث سيحضرون الاجتماعات بين السلطة و (إسرائيل) لعدة شهور، لاختبار فعالية التنسيق الأمني ومخرجاته.

3- دخول قوات الأمن الفلسطينية التي يتم تدريبها إلى جنين ونابلس، مع تقليص كبير لنشاط الجيش الإسرائيلي، في إطار التنسيق الأمني المتفق عليه.

4- إشراف أمريكي على نقاط الاحتكاك في الضفة الغربية، ومشاركة فرق غربية في عمليات المراقبة.

5- تغيير توجهات السلطة في التعامل مع المقاومين، ووقف السياسة القديمة.

هذه الإجراءات غير المسبوقة ضد مقاومة شعبنا، لن تفت في عضده بحكم عدة اعتبارات من ضمنها ( أولاً) أن المقاومة شبت على طوق  التنسيق الأمني وأفشلته في كثير من المناطق بوسائلها الخاصة (وثانياً)  أن المقاومة في الضفة الفلسطينية باتت ظاهرة يومية يتكامل فيها الفعل المقاوم للكتائب مع الفعل المقاوم الفردي، بشكل أذهل الاحتلال وألحق به خسائر كبيرة (وثالثاً) أن المقاومة باتت تستند إلى استراتيجية وحدة الساحات، وهذا ما تبدى في مبادرة فصائل المقاومة في قطاع  غزة، بإطلاق الصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية رداً على عمليات الاقتحام الصهيونية لمدينتي نابلس وجنين وغيرهما من مدن ومخيمات وقرى الضفة الفلسطينية (ورابعاً) أن المقاومة باتت ليس نخبوية فصائلية فحسب، بل مقاومة شعبية يشارك فيها عموم أبناء شعبنا تحت الاحتلال، ناهيك أن المقاومة المسلحة باتت تستند إلى حاضنة شعبية غير مسبوقة، وليس أدل على ذلك المسيرات الجماهيرية المواكبة لجنازات الشهداء، والمسيرات الجماهيرية في الميادين تلبية لنداء الكتائب، كما حصل أمس الأول عندما طلبت "عرين الأسود" من الجماهير التواجد في الميادين في فترة زمنية محددة.

 الموقف جد خطير، فالسلطة غير مؤتمنة على قضايا شعبنا، وإلغائها التنسيق الأمني  ما بين الفترة والأخرى، بات نكتة سمجة، تستهدف امتصاص نقمة أبناء شعبنا، وهي بهذا السلوك المخادع البائس، ترش الملح على جروح  أهلنا في الأرض المحتلة، ما يقتضي من الفصائل أن تأخذ دورها على الأرض، في التصدي للمؤامرة الصهيو أميركية  السلطوية الجديدة، وأن تدفع باتجاه المقاومة الشاملة، حتى لا يستفرد الاحتلال بهده المدينة أو تلك، وأن تلتقط اللحظة السياسة، التي تتطلب إقامة قيادة موحدة للانتفاضة والفعل المقاوم من الفصائل ومن كافة الفعاليات الشعبية، ومن كتائب المقاومة التي باتت تنتشر في طول الوطن وعرضه.