Menu

عن احتجاجات الشوارع الأوروبية

كاظم الموسوي

تغيرت الشوارع الأوروبية بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وتصاعد قرع طبول حرب يقودها حلف الناتو، وتديرها الولايات المتحدة الامريكية صراحة وبلا التباس، حيث فرضت إدارة الحرب الأمريكية على أوروبا المشاركة المباشرة في سياسات الحرب تحت اسم دعم أوكرانيا وتقديم المليارات لآلة الحرب فيها وتشريع ما تسميه بالعقوبات والإجراءات العدوانية ضد روسيا والضغط عليها وعلى من يتعاون معها، مبينة ظهور تحالفين واضحين، متصارعين ومستعدين لمواصلة حرب تتدحرج نحو أخطر أنواعها وأشدها تهديدا للبشرية. وبالتأكيد تولد تداعيات على مختلف الاصعدة وتنعكس على حياة المواطنين عموما. ولهذا تدافعت موجات من الغضب على هذه السياسات في الشوارع الأوروبية، متنوعة من الاضرابات والتظاهرات المحدودة إلى الاحتجاجات الشعبية الواسعة، تقودها النقابات وقوى يسارية في المعارضة للأحزاب الأوروبية الحاكمة، والتي أغلبها من اليمين التقليدي أو اليمين الوسط.

وسائل الإعلام بكل أنواعها، لا سيما الفضائيات منها، تكشف صورها مباشرة وتعلن عنها كما هي في واقع الشوارع الأوروبية وامتلائها بالمحتجين وشعاراتهم والرايات التي تعبر عنهم والتي تنوعت أشكالها وفئاتها الاجتماعية، وأغلبها جاءت رد فعل سياسيا وانعكاسا للأزمة الاقتصادية التي ضربت أوروبا بعد تلك المواقف والسياسات التي تزعم محاصرة روسيا والتخلي من صادراتها إليها، لا سيما الطاقة والغذاء.. فأثرت عكسيا في الحياة الاقتصادية في الغرب عموما، وتراجعت القدرة الشرائية لدى مواطني البلدان التي اشتركت مع الإدارة الأمريكية في مواقفها وقراراتها ضد روسيا وحلفائها.

وحتى التظاهرات التي خرجت تحت شعارات السلام في أوكرانيا ووقف الحرب والانحياز لموقف الناتو، والتي تدعمها الحكومات الغربية ومن يؤيدها من الأحزاب والنقابات والبرلمانيين، رفعت شعارات تطالب بزيادة الأجور وتحسين الأوضاع الاقتصادية للعاملين في مؤسسات الدولة وإعادة النظر بسياسات دعم الحرب والعقوبات والمقاطعة التي حملت الحكومات قسطا من أضرارها المتفاقمة على حياة المواطنين اليومية.

شاركت أغلب نقابات العمال في أوروبا وقوى اليسار الأوروبي في أوسع الاحتجاجات مدافعة عن حقوق أعضائها في العمل والأجور، وأكثرها في قطاعات حساسة كقطاع الطاقة والموانئ والطيران، وامتدت إلى نقابات عمال النقل والمواصلات العامة والعاملين في الصحة والتعليم وغيرها مما حكم الشارع الأوروبي في الحياة اليومية لأغلب العواصم الأوروبية وكشف التفاوت والنزاعات المخفية بين الفئات الرأسمالية المتحكمة بالسلطات والقواعد الشعبية المنتجة للخيرات أو الداعمة للتطور والتقدم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.

عكست ذلك طريقة تعامل الحكومات الأوروبية مع الاحتجاجات السلمية، ومن بينها الحكومتان، الفرنسية والألمانية، مدعيتا مثال الديمقراطية في العالم، حيث مارستا القمع الوحشي للمتظاهرين ومنعهم من التعبير عن سوء حالهم وغلاء معيشتهم وعن آرائهم والمطالبة بحقوقهم، وقد فضحت وسائل الإعلام هذه الممارسات الوحشية وعرت ديمقراطية حكومات الغرب أمام العالم.

أثار إعلان تزويد أوكرانيا بأنواع أخرى من الأسلحة، كالدبابات والصواريخ والطائرات موجة غضب إضافية، حيث اندلعت احتجاجات في أكثر من مدينة أوروبية، خاصة التي توجد فيها مصانع للأسلحة، مثل مدينة ميونخ، معارضة  بشدة نقل الدبابات الألمانية إلى أوكرانيا، وردد المتظاهرون شعارات مناهضة للحرب وطالبوا بحل دبلوماسي للأزمة  والكف عن تصعيد الأزمة واستمرار اشعالها.

صب زيت الممارسات الحكومية العنفية ضد المحتجين على الرد عليها بما يقابلها ورفع الصورة إلى مواجهات عنف بين قوى أمنية مدججة بالسلاح ومدنيين يضطرون إلى المقاومة بكل الأساليب المتاحة لهم، من حرق إطارات وغلق شوارع، إلى مهاجمة مؤسسات الأمن وحرقها وأشباه ذلك، مما يدفع الى نقل مشاهد عنف ترتفع وتيرتها كل مرة، وتضع المسؤولية من جديد على عاتق الحكومات وقراراتها وتبعيتها لسياسات مفروضة عليها ولا تعكس خيارات شعوبها وإراداتها الوطنية، وهو ما يستدعي النظر إليه من زوايا الأسباب الحقيقية لما يجري وما يؤدي إلى استمرار الاحتجاجات في الشوارع الأوروبية خصوصا.