Menu

المخيمات الفلسطينية نبض المقاومة والمواجهة  وحاملة شعلة العودة

بسّام عليّان

    مقدمة:
       منذ حدوث النكبة عام 1948 ظلت المخيمات الفلسطينية أحد أكبر الشواهد الحقيقية على معاناة الشعب الفلسطيني جراء الاحتلال الصهيوني لأرضه واقتلاعه من أرضه، وظلت هذه المخيمات الشاهد الحي على الجرائم الصهيونية والغربية بحق الشعب الفلسطيني، وأحد أكبر رموز المعاناة الفلسطينية المستمرة منذ 75 عامًا. فالمخيمات الفلسطينية جرح النكبة الفلسطينية النازف.
    ومعروف أن مأساة الشعب الفلسطيني هي نتاج التآمر الاستعماري الغربي والصهيوني على فلسطين، الذي نجم عنه قيام ما يسمى بدولة "إسرائيل"، لتكون حارسة للمصالح الإمبريالية الغربية في المنطقة، وثكنة عسكرية لقمع حركات التحرر الوطني والاجتماعي في المنطقة العربية.
     مرت أكثر من سبع عقود على "المخيم" والذي انتصبت فيه أول خيمة كشاهد على نكبة الشعب الفلسطيني في العام 1948، وحينها تجسد العنوان الأبرز لمعاناة التهجير القسري والنفي الذي تعرض له الشعب الفلسطيني الصامد فوق أرضه وفي الشتات.
ومن هذا المجموع من المخيمات هناك 63 مخيمًا مسجلًا رسميًا لدى وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين؛ حيث هناك 19 مخيمًا في الضفة الغربية وثمانية مخيمات في قطاع غزة وعشرة مخيمات في الأردن و14 مخيمًا في سورية، و12 مخيمًا في لبنان. إضافة إلى أن هناك عدد من المخيمات أو التجمعات الفلسطينية غير المعترف بها لدى الأونروا في هذه المناطق ومنها أيضا ما تم تدميره أو نقل سكانه أو إغلاقه.
    في حين يبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى الأونروا حسب الجهاز المركزي للإحصاء في فلسطين "أنّ عدد اللاجئين الفلسطينيين لدى "الأونروا" بلغ حتى كانون أول 2020 نحو 6.4 مليون لاجئ فلسطيني، بينما بلغ عدد الفلسطينيين في العالم 14 مليون لاجئ"؛ وتمثّل هذه التقديرات الحدّ الأدنى لعدد اللاجئين الفلسطينيين، باعتبار أن هناك لاجئين غير مسجّلين، إذ لا يشمل هذا العدد من تمّ تشريدهم من الفلسطينيين بعد عام 1949، حتّى عشية حرب حزيران 1967، ولا يشمل أيضًا الفلسطينيين الذين رحلوا أو تمّ ترحيلهم عام 1967 على خلفية الحرب، والذين لم يكونوا لاجئين أصلًا، كما أن هناك الكثير من الفلسطينيين رفض التسجيل لدى الأونروا لاستغنائه عن خدماتها، وأن الكثير من الفلسطينيين لم يسجلوا أنفسهم لإقامتهم خارج مناطق عمل الأونروا التي تنحصر في الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن وسورية ولبنان. وظل الفلسطينيين يعقدون النوايا على أن الحياة في هذه المخيمات ما هي إلا مرحلة مؤقتة استعدادا للعودة إلى الديار، فهي ليست للاستقرار، وما زالت الأجيال المتعاقبة تحتفظ بمفاتيح البيوت وكواشين الأراضي (الطابو)، وبعضًا من التراث المادي والمعنوي الذي يذكرهم بالعودة ويبقي جذوة الحنين متقدة إلى الوطن.
    وها هي (75) عامًا؛ تمر على النكبة الفلسطينية، ومن ذلك الوقت وإلى اليوم؛ تحول المخيم من كونه شاهدًا على النكبة والتهجير القسري إلى رمز للعودة لكامل التراب الفلسطيني، وتحول من مفهوم الذل والعار إلى مفهوم الكرامة الوطنية وعزة الإنسان الفلسطيني والعطاء الثوري والنضالي وحرصه على هويته ورفضه للتوطين وتشبثه بالعودة إلى الأرض الفلسطينية مهما كلف الثمن. ورغم طول المدة فالشعب الفلسطيني ما يزال صابرًا وثائرًا يناضل من أجل تقريب يوم العودة إلى مدنه وبلداته وقراه التي شردوا منها.
     ونحن نرى ونسمع ونراقب الأحداث اليومية في مخيمات الضفة الغربية؛ علينا أن نضع القارئ البعيد عن المخيمات بصورة موجزة عن أسماء المخيمات الفلسطينية؛ وأين تقع:-
         مخيمات الضفة الغربية: تشير سجلات دائرة الإحصاء الفلسطيني أن عدد اللاجئين في الضفة الغربية بلغ 914000 لاجئ فلسطيني يعيش جزء منهم في مخيمات الضفة الغربية البالغ عددها 19 مخيمًا وفق الأونروا، وهي: مخيم الأمعري، مخيم الجلزون، مخيم الدهيشة، مخيم العروب، مخيم الفارعة، مخيم الفوار، مخيم بلاطة، مخيم بيت جبرين، مخيم جنين، مخيم دير عمار، مخيم رقم واحد، مخيم شعفاط، مخيم طولكرم، مخيم عايدة، مخيم عسكر، مخيم عقبة جبر، مخيم عين السلطان، مخيم قلنديا، مخيم نور شمس، وهناك مخيمات غير منظمة أو غير معترف بها من الاونروا؛ وهي: 1 ـ قدورة 2 ـ بيرزيت 3 ـ سلواد (أو غزة) 4 ـ العوجا 5 ـ جنيد.
       في حين أن إجمالي عدد المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية يبلغ ثلاثة ملايين و200 ألف فلسطيني تقريبًا.
     مخيمات قطاع غزة: وعددها 8 مخيمات ويقدر عدد اللاجئين في غزة بـ 1,4 مليون نسمة تقريباً، ويشكلون أكثر من ثلثي سكان القطاع. والمخيمات هي: مخيم جباليا، مخيم الشاطئ، مخيم النصيرات، مخيم دير البلح، مخيم المغازي، مخيم البريج، مخيم خانيونس، مخيم رفح. 
ويقدر عدد المواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة متصف عام 2022 حوالي 2.17 مليون نسمة.
      مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن: تفيد المصادر بأنه كان للأردن النصيب الأكبر من استقبال اللاجئين الفلسطينيين، وتشير الاحصاءات الرسمية لوكالة الغوث الدولية (الاونروا) إلى أن عدد اللاجئين الفلسطينيين في الأردن حتى عام 2020 بلغ (2.6) مليون لاجئ أي ما يقارب 42% من مجموع اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى وكالة الغوث الدولية في مناطق عملياتها الخمس (الأردن، سورية، لبنان، الضفة الغربية وقطاع غزة). ويبلغ عدد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن ثلاثة عشرة مخيمًا.
والمخيمات في الأردن؛ هي: مخيم الوحدات (مخيم عمان)، مخيم الحسين، مخيم الزرقاء، مخيم حطين، مخيم اربد، مخيم السخنة، مخيم الطالبية، مخيم مأدبا، مخيم الشهيد عزمي المفتي، مخيم البقعة، مخيم النصر، مخيم جرش، ومخيم سوف.
       مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سورية: يبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين في سورية قرابة 581,000 نسمة، غالبيتهم يعيشون في 14 مخيمًا؛ هي: مخيم اليرموك، مخيم خان الشيح، مخيم حمص (مخيم العائدين)، مخيم النيرب، مخيم حماة، مخيم خان دنون، مخيم درعا، مخيم درعا (الطوارئ)، مخيم جرمانا، مخيم السيدة زينب، مخيم سبينة، مخيم الرمل، مخيم حندرات، مخيم الرمدان.
     مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان: ويقدّر عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بنحو 200 ألف لاجئ، وفق تقديرات الأمم المتحدة، يتوزع معظمهم على 12 مخيمًا ومناطق سكنية أخرى في البلاد. والمخيمات هي: مخيم البداوي، مخيم البص، مخيم الرشيدية، مخيم المية مية، مخيم برج البراجنة، مخيم برج الشمالي، مخيم شاتيلا، مخيم ضبية، مخيم عين الحلوة، مخيم نهر البارد، مخيم الجليل (ويفل)، مخيم مار إلياس، وهناك مخيمين أزيلا ودمرا؛ هما: مخيم إسماعيل جمعة الريماوي؛ ومخيم تل الزعتر يقع شرقي بيروت، بمساحة 56.65 دونم، وقد أُزيل عن الوجود خلال الحرب الأهلية اللبنانية.
ارتباط المخيم بالهوية الوطنية الفلسطينية
     لعل السمة الأبرز للمخيمات الفلسطينية أينما تواجدت؛ هي ارتباطها بالمقاومة والحفاظ على الهوية الوطنية. فمشاركة أبناء مخيمات اللاجئين في مسيرة المقاومة الوطنية الفلسطينية تمثلت في إسقاط البرنامج الاحتلالي الهادف لإذابة الهوية الوطنية، وإجبار الفلسطينيين على قبول الأمر الواقع. فغالبية أبناء المخيمات ولدوا في ظل الاحتلال وسياساته القمعية والإجلائية، واستيقظوا على محاولات طمس وتبديد الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني، وتضييق الخناق على حرية الرأي والتفكير والإبداع، ومحاولات تزوير الثقافة والتراث الوطني. فالارتباط بالهوية الوطنية أكد على ديمومة أن يظل أبناء المخيمات هم طليعة المقاومة رغم ظروف مخيمات اللاجئين من الفقر والاكتظاظ السكاني والحيّز الجغرافي الضيق الذي يحوي عشرات الآلاف من السكان في ظروف معيشية صعبة للغاية على كافة الأصعدة، كما أكد دورها البارز في تأهيلها بتوفر مقومات الثورة المنظمة للتمرد دومًا على واقع الاحتلال، فجاءت المخيمات ممثلة الإطار الشعبي الأوسع الذي احتضن هذه المنهجية وطورها، حتى أن الاحتلال أقدم على بناء سور عال في نهاية حدود كل مخيم، بالإضافة للأسلاك الشائكة وإغلاق كافة مداخلها بالجدران الإسمنتية العالية لفصلها عن المحيط الخارجي.
     وقد كرست حالة المقاومة التي تعيشها مخيمات اللاجئين في الأراضي المحتلة أخلاقيات مجتمعية انتقلت بها إلى حيز التنفيذ العملي، وأبرز تجلياتها تمثلت بترسيخ قاعدة عامة للتعاطي مع المشاكل، بدلًا من الاستغراق في تحليل وتحديد المصاعب والتعقيدات الناجمة عنها. ولعل في مقدمة المؤشرات الاجتماعية للمقاومة، نجاحها بتوفير بنية تحتية عريضة لحياة مستقلة معزولة عن الاحتلال وخاصة في مخيمات الضفة المحتلة التي تنتفض في وجه الاحتلال.
***
على الرغم من استبدال الخيمة بالبيوت الطينية، ومن ثم الإسمنتية، فقد حافظ المخيم على اسمه في الوعي الجماعي للفلسطينيين، كنوع من الرغبة بأن يكون مكانًا طارئًا للإقامة المؤقتة، فالمخيم شاهد على نكبة الشعب الفلسطيني، وشاهد على الجرائم الصهيونية التي ارتكبت بحقه، وشاهد على الغطرسة الغربية والرأسمالية العالمية وتجار السلاح الذي يصمتون أمام ما تقترفه أموالهم وأسلحتهم في تغذية الاحتلال والاصطفاف إلى جانبه ضد المعاناة الفلسطينية اليومية. وسيظل أبناء المخيمات يحملون الهوية الوطنية الفلسطينية في مواجهة المشروع الأميركي الغربي الإمبريالي الصهيوني. وفي الوقت نفسه، يظل المخيم الفلسطيني بارزًا كأحد معالم الصبر والصمود والتحدي والعطاء والمقاومة الفلسطينية، فمن قلب المخيم خرجت الحركات الثورية، وكان أبناء اللاجئين هم جنودًا للكفاح والنضال والمقاومة فالمخيم كان ولا يزال دافعًا لتحرير الأرض الفلسطينية وتحقيق العودة. 
المخيمات هي شرارة المقاومة
     مع تصاعد وتيرة المقاومة الحالية في الضفة الغربية المحتلة، فإن الشرارة من المخيمات، كالعادة، إذ إن غالبية التشكيلات العسكرية القائمة الحالية تتواجد في مخيم بلاطة في نابلس، ومخيم جنين في مدينة جنين، ومخيم عقبة جبر في أريحا، ومخيم الدهيشة في بيت لحم، ونور شمس في طولكرم، وشعفاط في القدس . فمخيم جنين هو "الرقم الصعب" في الضفة وأيقونة المقاومة المستمرة. وتقف سلطات الاحتــلال اليوم عاجزة أمام مخيم جنين. ففيما فشلت في تطويعه عبر ممارسات ترغيبية، ليس بمقدورها ضبط المقاومة داخله. بموازاة ذلك، تتصاعد المقاومة وتخرج خارج حدود المخيم، مقدمةً نموذجًا نضاليًا يلهم الشباب الفلسطيني المقاوم. ولمن لا يعرف فجنين كانت المدينة الوحيدة في فلسطين، التي سقطت عام 1948 وأُعيد تحريرها بمساعدة عسكرية كبيرة من الجيش العراقي (آنذاك). فمخيم جنين والمقاومين في المخيم وباقي المخيمات الفلسطينية يشكلون معًا أيقونة ومنارة وهداية لكل إنسان يقاوم الاحتلال والظلم والاضطهاد.
    وفي السياق العسكري والأمني والتاريخي والاجتماعي استطاع أبناء مخيمات الضفة الغربية أن يشكلوا معًا مقاومة باسلة لهذا الاحتلال عنوانها العريض: نحن في هذه المخيمات لاجئين؛ لجأنا مرة واحدة ولن نكرر اللجوء إلا بالعودة إلى أرضنا في حيفا ويافا واللد والرملة وعكا وصفد وكل مكان محتل من أرضنا فلسطين، وأن أبناء هذا المخيم ليسوا لقمة سائغة لهذا الاحتلال يمضغها متى يشاء، وعلى الاحتلال أن يفهم جيدا" بأنه كلما دخل مخيماتنا يجب أن يدفع الثمن باهظا.
المخيم يهزم المشروع الصهيوني
     فالمشروع الأميركي الغربي الإمبريالي الصهيوني؛ الذي يتخذ من الاحتلال الإسرائيلي ثكنة عسكرية لإقامة مشروع الشرق الأوسط الكبير؛ يهدف إلى القضاء على القضية الوطنية الفلسطينية، لأن النقيض الرئيسي للحركة الصهيونية وللإمبريالية الأميركية الغربية، ومشروعها؛ هو الشعب الفلسطيني ووجوده على هذه الأرض، وإصرار الشعب الفلسطيني على العودة إلى دياره وأرضه وممتلكاته.
    وظلت المخيمات شوكة في حلق الصهيونية والإمبريالية؛ فالمخيمات الفلسطينية هي حاضنة المقاومة الوطنية، وحاملة شعلة العودة للأرض الفلسطينية المحتلة، وليس صدفة أن يكون استهداف المخيمات الفلسطينية قاسمًا مشتركًا بين جميع مشاريع الحلول التي طرحت منذ النكبة وحتى اليوم؛ وليس صدفة أيضًا أن تكون عناوين هذه الاستهدافات من مداخل أمنية وعسكرية واقتصادية واجتماعية، تختلف في بعض التفاصيل إلا أنها تتفق على خلخلة النسيج الاجتماعي للاجئين الفلسطينيين داخل مخيماتهم والعبث بموروثهم التراثي والثقافي والتعليمي، والعبث بعادات الشعب الفلسطيني وتقاليده وثقافته الوطنية، تمهيدًا للوصول إلى الهدف النهائي بتصفية قضية اللاجئين وعنوانها المباشر حق العودة. ولقد كان واضحًا للجميع أن الهدف من المعارك التي كانت تُشن على المخيمات هو اشغال الشعب الفلسطيني بقضايا جانبية لجعله عاجز عن تأدية واجبه الثوري ضد الاحتلال الإسرائيلي، عبر دفع المخيمات للانزلاق في دوامة حروب داخلية. ويأتي استهداف المخيمات اليوم جزءًا لا يتجزأ من المشاريع الأميركية الإسرائيلية الصهيونية للحل في نظرهم، ويمكن لأي كان أن يعرف سبب إصرار الإسرائيليين والأميركيين على إلغاء المخيمات وفكفكة بنيتها الأساسية كأساس لأي حل مستقبلي، وطرح تفسيرات جديدة لحق العودة، وكل هذا يأتي في إطار إلغاء قضية اللاجئين الفلسطينيين وتصفية حق العودة. 
    أبناء المخيمات يتمسكون بحق العودة
      إلا أن هذه المخيمات؛ ورغم عديد المشكلات التي تعيشها، ما زالت تعلن وبشكل يومي تمسكها بحق العودة إلى الأراضي والممتلكات التي هجرت عنها قسرًا؛ نتيجة إرهاب العصابات الصهيونية المدعومة من الغرب الرأسمالي وأمريكا الإمبريالية. كما وأنه وبفضل وعي الشعب الفلسطيني، لم تنجح مساعي زرع الهزيمة في نفوس الفلسطينيين، والمخيمات التي أرادوا لها مصيرًا انهزاميًا باتت هي من تقف في وجه مؤامرة شطب الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية التي غُيَبت عن جدول اعمال المجتمع الدولي، بعد أن قدمت هذه المخيمات ثلة من أبنائها مقاتلين ثائرين مقاومين؛ أعادوا قرع أجراس الوجود الفلسطيني لتعود القضية إلى الواجهة من جديد. وساهمت مقاومة أبناء المخيمات في الضفة خلال هذه الفترة في عقد مؤتمرَي العقبة وشرم الشيخ، للوصول إلى حلول أمنية وسياسية واقتصادية وحتى عسكرية تعيد الهدوء لساحة الضفة. لكن أبناء المخيمات في الضفة وسعوا من رقعة تشكيلاتهم العسكرية داخل مخيماتهم، وتغلبوا على الواقع الأمني القائم؛ وعلى سياسة التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال، ورغم معاناة مداهمات قوات الاحتلال التي تواصل اقتحام المُخيّمات الفلسطينيّة وتشن حملات الاعتقال اليومية، حيث تأتي هذه الاعتقالات لكسر جذوة الشباب الفلسطيني اللاجئ في المقاومة، إلا أن أبناء المخيمات يتمتعون بقوة إصرارهم على النضال ضد الاحتلال بكافة الأشكال. فمن قلب المخيم خرجت الحركات الثورية، وكان أبناء اللاجئين هم جنودًا للنضال والمقاومة، فالمخيم كان ولا يزال دافعًا لتحرير الأرض وتحقيق العودة.
الجهد المطلوب لمساندة المخيمات
    ومع تصاعد وتيرة العمليات العسكرية في مخيمات الضفة الغربية منذ أكثر من عام، وهي تعتبر نوع جديد تمامًا من المواجهة بين الفلسطينيين والاحتلال في الضفة، جعلت العديد من المحللين والمراقبين الإسرائيليين وغيرهم وفي أكثر من وسيلة إعلام، وعبر أكثر من منصة حذروا من «انتفاضة فلسطينية ثالثة»، بل نقلوا عن مصادر إسرائيلية قولها، إن تقديرات جهاز الأمن الإسرائيلي تشير إلى أن هذه الانتفاضة مقبلة بالفعل، لا محالة.    
     وهنا؛ لا بدَ من الانتباه (الآن) جيدا؛ بأن المخيمات الفلسطينية في الضفة وفي غزة وفي الشتات، تقف في وسط عاصفة شديدة، تتطلب جهدًا استثنائيًا ومضاعفًا من قبل الشعب الفلسطيني بجميع مكوناته بشكل عام؛ والقيادة الفلسطينية إذا أرادت مشاركة شعبها؛ للوصول إلى وضع استراتيجية مواجهة موحدة تضع كل التباينات والخلافات الداخلية جانبًا، وتحكَم لغة الحوار والمنطق والمسؤولية الوطنية على ما عداها وتنبذ أي عمل عنفي من شأنه أن يعرض الحالة الفلسطينية إلى أضرار، والمخيم إلى هزات أمنية، تشكل مدخلًا وسببًا لطرح معالجات تخدم بالنهاية الأعداء. لذلك بات مطلوبًا عملًا مشتركًا فلسطينيًا وعربيًا وإســــلاميًا من العالم العربي والإسلامي والمجتمع الدولي بوقف التطبيع مع العدو الإسرائيلي وقطع العلاقات العلنية والسرية، وبوحدة فلسطينية حقيقية تقوم على الثوابت الوطنية الفلسطينية وعلى أساس احترام إرادة الشعب الفلسطيني؛ وبالأخص إرادة أبناء المخيمات الفلسطينية المقاومة.