Menu

تجارة اختراع الذاكرة في الكيان الصهيوني

جمال كنج

 *هذه المقالة الأولى من سلسلة مقالات لفضح الأساطير والتاريخ الاصطناعي والثقافة الصهيونيه المختلقة لتبرير احتلال فلسطين 

 
الكيان الصهيوني هو الوحيد على الأرجح في تاريخ ما بعد حقبه الاستعمار  الذي تم اختلاقه بواسطة اقليه سكانيه من اصول غير محلية وبدعم مباشر من المستعمر البريطاني، حيث شنت الجماعات الصهيونية المسلحة حملة تطهير عرقي بين العام ١٩٤٧ و١٩٤٨ واجبرت أكثر من 800،000 من شعب فلسطين (وفقًا لبيانات الأمم المتحدة) على ترك منازلهم عنوه، وسلبت أراضيهم، وازالت أكثر من 500 قرية وبلدة من الوجود.
 
منذ أكثر من نصف قرن قبل عام 1948، اختلقت الصهيونية السياسية سردًا مشوهًا من خلال تجميع الأساطير والقصص الخرافية لبناء تاريخ زائف فوق أنقاض منازل الفلسطينيين، هذا وقد سرق المشروع الصهيوني الهوية الثقافة للسكان الأصليين، واستخدم البربوغندا (هزبارا) لصناعة جغرافية كاذبة وتاريخ أسطوري محور.
 
لم يكن بإمكان الصهيونية تحقيق هذا الخداع بدون التواطؤ الكامل للقوى الاستعمارية والكنيسة الغربية- كل منهما ليخدم أجندة خاصة به - الذين تبنوا الروايات الصهيونية لتبرير نهب أراضي شعب فلسطين.
 
على سبيل المثال، في رسالتها الأخيرة بالذكرى السنوية الـ 75 للمشروع الصهيوني، كررت رئيسة المفوضية الأوروبية، "أورسولا فون دير لاين،" واحده من أكثر الأكاذيب التي تروج لها الحركة الصهاينة دون مسائلة، زاعمه انهم “جعلوا من صحراء فلسطين أرض مزهره".
 
تخيل لو ادعى شخص ما أنه يستحق الثناء على جعل الصحراء تزدهر في السويد، تبدو هذه الفكرة سخيفة، أليس كذلك؟
 
اذن لماذا لا يبدو أمرًا مضحكًا بذات القدر عندما يدعي الصهاينة، أو أداتهم "المسيحية الصهيونيه" في الغرب، نفس الشيء بشأن بلد يقع في صلب الهلال الخصيب، ويحظى بنسبه مطر سنوية مماثله لمعدل هطول المطر في السويد؟ في الواقع، ان معدل سقوط المطر في القدس ومنطقه الجليل في فلسطين التاريخية، يفوق حتى متوسط هطول الأمطار في 
   (صحراء) ستوكهولم.
 
هذه الظروف المناخية ليست ظواهر مستحدثه، بل اشير اليها في توراه العهد القديم عندما وصف أرض الكنعانيين (الفلسطينيين الأصليين) في سفر الخروج 3:17 بأنها "أرض تفيض باللبن والعسل".
 
إذا افترضنا بأن المفوضية الاوروبية "فون دير لاين" غير مدركه بالكتاب التوراتي، أو جاهله بخصائص مناخ فلسطين، لكن من غير المرجح ايضا أن يكون الصهاينة غير ملمين بالوعود المزعومة المنصوص عليها في توراتية العهد القديم. ورغم ذلك، فإن نشر الأساطير الصهيونية لم يواجه مراجعه نقديه من قبل المثقفين في الغرب حتى تغلغلت الاكاذيب الصهيونية في كتب التاريخ الغربية، الى ان وصل الجهل الى أعلى المستويات.
 
ما زال الغرب يتجاهل وجه نظر المثقفين الفلسطينيين واليهود التي فضحت اساطير الحركة الصهيونية، ومثالا على ذلك، المفكر اليهودي، أحد هعام، مؤسس حركه الصهيونية الروحيه، الذي زار فلسطين في عام 1891، اي قبل اكثر من عقد من زياره ثيودور هرتزل، مؤسس الصهيونية السياسية للارض المقدسة، كان هعام من بين المثقفين اليهود الاوائل الذين شككوا في مقاصد الصهيونية السياسية في فلسطين، عندما ارسل الى اتباعه في أوروبا قائلا: "نحن هنا في الخارج معتادون على الاعتقاد أن أرض إسرائيل (فلسطين) اليوم خرابٌ تقريبًا، صحراء لم يُزَرع فيها... ولكن في الحقيقة، ليس الأمر كذلك. في جميع أنحاء البلاد من الصعب أن تجد حقولًا لم تُزَرَعْ."
 
ادعاء الحركة الصهيونية، بان فلسطين بلاد قاحله، مخالف لوصف التوراة في العهد القديم لفلسطين بانها أرض "اللبن والعسل"، ولم تكتفي الحركه الصهيونيه بمخالفة كتبهم الدينيه، بل اختلقوا كذبه اخرى لا تقل عن الاولى حين ادعوا بأن فلسطين "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض". وتم تكرار هذا الشعار من قبل الزعيمة الصهيونية جولدا مائير عندما صرحت لصحيفة الأحد للأخبار البريطانية في عام 1969: "لا يوجد شيء اسمه فلسطينيون"، ردد ذلك ايضا وزير المالية الإسرائيلي الحالي بيتزاليل سموتريتش، العنصري، في باريس في مارس الماضي، حيث قال إنه "لا يوجد شيء اسمه الشعب الفلسطيني".
 
لفضح هذه الأسطورة، وبما أن الصهاينة قد شوهوا حتى السرديات التوراتية حول طبيعه ارض فلسطين، فسأتردد عن التطرق للعهد القديم بشأن وجود الكنعانيون في بلاد كنعان، كذلك لن أشير إلى التسع حملات الصليبية التي هزمت، على ما يبدو، بواسطة شعب غير موجود، ولن أستشهد بتعداد الاستعمار البريطاني للسكان في فلسطين، علاوة على ذلك، لن أجادل في الأمر الغير قابل للنقاش: أنا أكتب، وبالتالي أنا موجود، لكنني سأعود لمصدرين صهيونيين، سبقا تأسيس الكيان الصهيوني لتبيان حقيقه وجود الشعب الفلسطيني.
 
 في مدونته اليومية في عام 1895، كتب هرتسل، مؤسس الصهيونية السياسية: "سنحاول إبعاد السكان المعدمين عبر الحدود... يجب أن يتم عملية الاستصلاح والطرد بحذر وتعقل".
 
بالمثل، في منتصف الأربعينات من القرن الماضي، أوضح يوسف ويتز، مدير الصندوق القومي اليهودي: "يجب أن يكون واضحًا أنه لا يوجد مكان في البلاد لكلا الشعبين."
 
وهذا دليل وبشهاده من  زعماء الحركه الصهيونية عن بوجود شعب في فلسطين يجب طرده لافساح المجال لإقامه الكيان الصهيوني.
 
خمسه وسبعون عاما بعد النكبة، أقف كابن لوالدين فلسطينيين "غير مرئيين" تم "ابعادهم" من منازلهم لايجاد "مكان" لمهاجري بلاد الخزر الذين اعتنقوا اليهودية في اوروبا. 
قد تكون نجحت الحركه الصهيونىه وبمساعده القوى العربيه، بابعاد الفلسطيني"المعدوم" من جزء من وطنه، ولكنا فشلت من  إخراج أرض "اللبن والعسل" التي تعيش في قلوب ابناء فلسطين اينما وجدوا.