Menu

أطلق نداء للمثقّفين والكتّاب

اتحاد الكتّاب الّلبنانيّين يدعو إلى حالة طوارئ ثقافيّة وتربويّة

بيروت - بوابة الهدف

دعا اتحاد الكتّاب الّلبنانيّين، اليوم الخميس، الى اعلان حالة طوارئ تربوية وثقافية يشارك فيها مثقفّون وتربويّون يُغلّبون المصلحة العامّة على مصالحهم الفئويّة الضيّقة.

وقال الاتحاد، في بيان صحفي: مؤشرّات عديدة وخطيرة على لبنان توقّفت عندها الهيئة الإداريّة لاتحاد الكتّاب الّلبنانيين، في اجتماعها الدوري، فلم تجد سبيلًا سوى نداء توجّهه الى المثقفّين من كتّاب وشعراء وأدباء، وأهل فكر وأصحاب بصيرة ورؤية، لأن يُبادر كلٌ في موقعه وبما يستطيع، علّ الصوت العقلاني ينتصر على صوت الغرائز والتعصّب والبغضاء وعلى صوت الأحقاد المتوارثة عن جهل وسوء استقراء، وعلّه – هذا الصوت العقلاني- يصل الى مسامع الطبقة الحاكمة التي يبدو أنّها أصبحت أسيرة أساليب عاجزة وفاشلة وقاصرة عن معالجة الداء الذي استفحل في جسم الوطن.

وأضافت: إلى الّلبنانيّين الغيارى على وطنهم لبنان، وطن مقاومة كل محتلّ وغاز ومستعمر، وطن الكلمة والحرف والانفتاح، بل وطن الانتصار على الأعاصير كافّة، وهو لكل ذلك، اتخذ شجرة الأرز، بكل عنفوانها وقوتّها وديمومتها واخضرارها، شعارًا لعلَمه. اليكم هذا النداء الوطني، وكلّنا ثقة أن ما يُعتمل في نفوسكم هو أعمق وأقوى وأثبت من كل الكلمات.

ودعا الاتحاد إلى الحفاظ على وحدة لبنان وتنوعّه، موضحًا أنّ  قوّة لبنان الحقيقيّة، ليست بما يملك من ثروات طبيعيّة، وهي غنيّة جدًا قياسًا بمساحته الجغرافيّة الضيّقة، وليست في ارتقاء أبنائه سلالم الريادة التي يعترف بها القاصي والداني على امتداد الكرة الأرضية، وليست في جمال طبيعته وطيب مناخه وعذوبة مائه، وكلّها عوامل قوة لايُستهان بها، انما الميزة الأساس والعامل الأبرز لقوتّه هما تمكنّه من الحفاظ على وحدته وعلى تنوعّه. وحدة أرضه ومؤسّساته، وتنوّع أبنائه حتى ليكاد أبناؤه يتوزّعون على كل الأديان والطوائف والمذاهب والأعراق، وفي ذلك ميزة لبناء الإنسان الّلبنانيّ لا تتوافر لغيره من أبناء المحيط.

واعتبر أنّ لبنان نموذج انساني وحضاري ليس له بديل. ومن واجبنا كمثقّفين ونخب فكريّة ان نُعلي دومًا من قيمة وحدتنا وتنوّعنا، لأن الأعداء يستهدفون هذه الوحدة وهذا التنوّع، وفي مقدّمة من يستهدف ذلك هو العدو الصهيوني، الذي يطمح الى قيام الدولة اليهوديّة بمفهومه الصهيوني.

وأشار إلى أنّ السبيل السياسي، المُمكن والمُتاح والذي يجد شبه إجماع وطني عليه، للحفاظ على وحدتنا وتنوّعنا، هو تطبيق اتفاق الطائف تطبيقًا سليمًا وشاملًا. فهذا الاتفاق هو نتيجة مؤلمة لتضحيات الّلبنانيّين على امتداد سنوات طويلة من الاقتتال الذي دمّر الحجر وهجّر البشر، واستدعى تدخلات سلبيّة من البعيد والقريب، ولا زالت هذه التدخلات سببًا أساس في ما يعانيه لبنان من أزمات سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة وتربويّة.

كما دعا إلى التصدّي لمحاولات زعزعة القيم الإنسانيّة الفطريّة والأخلاق الحميدة ومضامين الرسالات السماوية، معتبرًا أنّ أخطر ما تواجهه البشريّة اليوم هو تلك الحملات الداعية إلى إباحة كل أنواع الشذوذ الذي يخالف الطبيعة بكل مكونّاتها. فلا الشجر يعيش بانفراد أنواعه، ولا الحيوانات تستمر ان اقتصر جنسها على تركيب بيولوجي واحد، فكيف بالانسان الذي هو خليفة الله على الأرض؟

وفي هذا السياق أضاف:  انهم يُسخّرون إعلامًا مأجورًا لنشر أضاليلهم، ويستفيدون من جهلةٍ، أصحاب شهادات لتبرير دعواتهم، وأخيرًا وصلوا الى فرض قوانين لا إنسانيّة ولا شرعيّة كي يضلّلوا أطفالًا بعمر الورود، لتغيير أجناسهم.

وتابع: انّهم ينقلبون على كل قيمة أخلاقيّة، وعلى كل دعوة دينيّة سمحاء، اذ بعد محاولتهم نشر التطرف الديني والطائفي، جاءوا الى مرحلة التفريط بكل القيم التي أرستها الرسالات السماويّة والقوانين الوضعية، لأن فيها خير البشريّة جمعاء.

وأردف: انهم يستغلّون الفنون أيضًا لنشر الرذيلة، وحسنًا فعلت وزارة الثقافة بالتصدّي لهذا الاستغلال الرخيص الذي يحاولون تمريره تحت ذريعة الحريّة الشخصيّة وحريّة الإبداع والتعبير، مؤكدًا أنّ الإبداع يعني محاولة الارتقاء بالإنسانية وليس الحطّ من قدرها.

ودعا الاتحاد أيضًا إلى الحفاظ على التربية والتعليم بجناحيه الرسمي والخاص قائلًا: لا ينكر سوى جاهلٍ، أهميّة التربية والتعليم في حياة الشعوب بعامّة وفي حياة الّلبنانيّين بخاصّة. هذا التعليم ذو المستوى الجيّد هو الذي جعل للّبنانيّين فرادة في الريادة في الوطن العربي وفي العالم. وللأسف فإن جملة مخاطر تُحدق بالتربية والتعليم في لبنان، فبعد إقرار مناهج غير متطورة قبل ثلاثة عقود ، نرى اليوم جمودًا ومراوحةً في انتاج مناهج جديدة تُعيد للبنان مكانته الفريدة في التعليم والتربية.

ولفت إلى أنّ ملايين الدولارات تُصرف في زمن القلّة والعوز والفقر، لكن كثيرًا من القائمين على تطوير المناهج يفتقرون الى الفهم الحقيقي والبعيد لأهميّة المنهج في بناء الانسان، فتراهم إما باحثين عن مصلحة ماليّة رخيصة، وإما لاهثين وراء موقع وجاهي زائل. وفي ذلك مسؤوليّة كبرى على وزارة التربية لكن المسؤوليّة الآدبية تقع على كل مُثقف وأديب وكاتب، لأن يدلي بدلوه عن المفاهيم التي يجب ان تحكم المناهج. ان الاستسلام لسوق العمل وحده، يجعل من المتعلّمين أدوات تنفيذ لا روّاد ابتكار وارتقاء. وان الإمعان في ضرب اللغة الأم، لا يعني تطورًا في امتلاك لغة اجنبية مهما تكن مهمة، فمن لا يملك لغة التكوين لن يمتلك لغة التمكين كما يجب.

وأضاف: إضافة الى مخاطر الجمود والمراوحة  في انتاج المناهج، فهناك خطر مُحدق بالتعليم الرسمي، إذ تضغط الدول والمؤسّسات المانحة لتحويله الى قطاع لتعليم النازحين فقط من خلال استغلال تجهيزاته ومعلّميه وأبنيته، ودمجهم في الدوام الصباحي، مقابل فتات من أموال، هي لا تساوي عُشْر ما تنفقه هذه الدول والمؤسّسات على تعليم النازحين في البلاد المجاورة.

وأكد أنّ اقتصار التعليم الرسمي على تعليم النازحين يعني انتهاء هذا التعليم الذي أعطى للوطن خيرةً من كوادره ومثقّفيه وأدبائه وقياديّيه في ميادين شتّى. وأن انتهاء هذا التعليم لا يعني سلامة وديمومة وارتقاء التعليم الخاص الذي في كثير من مدارسه هو مصالح تجارية تقوم على الربح المادي، وحين يطمئن الى عدم منافسة التعليم الرسمي فإن مستواه سوف يتراجع دون شك.

وختم بالقول: على ضآلة مواردنا لدرجة الانعدام، وعلى ضعف امكانياتنا، نثق ان الشعراء والأدباء والمفكّرين والباحثين وأهل الرأي وأرباب الحرف والقلم، قادرون ان يتصدّوا وأن يصحّحوا وأن يمنعوا وأن يحولوا دون الانزلاق إلى القاع السحيق.