لا يوجد أية مقولة قد تضيف أو شرح قد يضيف، معطيات جديدة لأي منا، بشأن خطورة ما يجري في مخيم عين الحلوة، ودناءة مرتكبيه، فأن تأتي لجسد ممزق ومدمى ومليء بكل الجراح ومثقل بالعذابات والآلام، كما هو حال المخيم وأهله، لتقول أنك ستخوض معركتك فوقه، فهذه جريمة لا تحتاج إلى شرح أو وصف.
ولكن ما لا يمكن المرور عنه، هو حقيقة أن مشروع استكمال تدمير المخيم وتهجير أهله عبر استعادة الاشتباك، ما زال قائمًا وفاعلًا، بل وقد ازداد مدبريه ثقة بقدرتهم على اِنفاذه؛ فقد كشفت مجريات الأحداث عن عجز في المنظومة الوطنية، بما يعكس استحكام الأزمة الوطنية التي استنزفت وأضعفت قدرة المنظومة الفلسطينية، بمختلف أطرافها على القيام بفعل جامع، أو إحداث تأثير فعال واستجابة للتحديات ولو بصيغ اِنقاذية طارئة، وبعيدًا عن الصورة العامة رغم أهميتها، هناك أهمية للذهاب نحو فهم جدي لفهم تفاصيل هذا العجز، لما لذلك من ضرورة في مواجهة الخطر الداهم الذي يواجهه أهلنا في المخيم؛ وقف نزيف الدم وفعل التهجير.
فمن حيث الأساس، عجزت القوى الفلسطينية على اختلافها عن وقف النار والاشتباك، رغم بذلها جهود جدية وكبيرة في الوصول لصيغ تهدئة أو وقف لإطلاق النار بين طرفي القتال، ورغم قدرة هذه القوى على تجميع مواقف سياسية لبنانية وفلسطينية، ذات ثقل، فإن كل اتفاق لوقف الاقتتال قد تم خرقه، ومن الواضح، أنه سيتم خرقه مستقبلًا وصولًا لاستعادة الاشتباك جولات وجولات، وعلى المستوى الميداني، بدت هذه القوى عاجزة أو غير راغبة بالقيام بفعل ميداني للفصل بين المشتبكين، سواء بأدوات جماهيرية أو بصيغة انتشار أمني جماعي وموحد؛ يخلي خطوط التماس من المشتبكين ويفكك ميدانيًا عوامله، أو حتى بصيغ المعالجات الاجتماعية والسياسية المحلية المباشرة مع المتضررين وذوي الضحايا.
لعل الأخطر في المشهد السياسي هو التعامل مع الحدث كما لو كان حدثًا يخص الفلسطينيين في لبنان وبناهم الفصائلية والوطنية في هذا البلد، وليس تحد وطني خطير، فلم تظهر هناك ردود فعل لا سياسية أو جماهيرية خارج هذا الحيز، إلا إذا استثنينا الجهد الفصائلي على مستوى المواقف والبيانات أو الجهود والتواصل السياسي بين الفصائل وبعضها البعض.
جانب آخر لا يقل خطورة في دلالته، هو ذلك الصمت والفشل الذي أظهرته مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الأهلية التي تعج بها مخيماتنا في الساحة اللبنانية، وكذلك في الوطن والخارج، رغم أن عديد من هذه المؤسسات يعمل يوميًا مع مئات أو آلاف من المنتسبين والمرتبطين بها وبمشاريعها، وهو انعكاس مباشر لخضوع هذه المؤسسات لبرامج تشغيلية وتنفيذية مرتبطة بتمويلها وبنوده، وفقدانها للوعي الحقيقي بموقعها الاجتماعي والوطني المفترض.
قد يبدو هذا التشخيص، بما قد يحتويه من صواب وخطأ، محاولة أخرى للنقد وتوجيه الاتهامات وتعبير عن الغضب، ولكن الحقيقة اليوم، أننا أمام مهمة اِنقاذ وطني للوجود الفلسطيني في لبنان، وليس لمخيم عين الحلوة وحده؛ تستدعي الكثير من العمل سواء بمعناه السياسي العام والإغاثي والوطني والإنساني، أو بالعمل المباشر مع أهالي المخيمات؛ عمل ينخرط فيه الكادر الوطني والفصائلي في ورشة لتفكيك الأزمات ومعالجتها، بما يتيسر من أدوات وقدرات فلسطينية، وبعيدًا عن فكرة استجداء الأونروا والفاعلين الدوليين الذين ما زالوا في مجموعهم؛ عامل أساسي في صناعة الأزمة ومفاقمة مخاطرها على وجودنا برمته.