Menu

سياسات التنسيق: وصفة انتحار وتدمير

بوابة الهدف الإخبارية

بوابة الهدف الإخبارية

حين يطرأ خطر يتهدد الوجود تذهب الجماعات البشرية والشعوب لأقصى درجات التضامن والاستعداد المشترك، لمواجهة هذا الخطر ومنعه، ولا جدل في أن ما يواجهه الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة بالذات تهديد بالإبادة المعنوية والمادية، وعدوان ممنهج متعدد الأوجه والأدوات والمسارات يهدف لحسم الصراع لمصلحة العدو الصهيوني في كل قطاعات المواجهة، بما يضمن افقاد الفلسطينيين لقدرتهم على المقاومة، وتمرير هذه السياسات دون دفع العدو لأثمان تذكر، وبكلمات أخرى والوصول لوضعية استعباد وخضوع وإبادة صامتة.

أي تباينات داخلية فلسطينية في هذه المرحلة بالذات لا يمكن أن تكون مسوغًا للتقاعس عن مواجهة هذا التهديد الوجودي، أو السماح بالتخلي عن مواجهة التناقض الرئيسي لحساب تناقضات ثانوية، فما بالك باصطناع هذه التناقضات وتوسيعها، لتصبح أداة تمزيق للبنية الوطنية والاجتماعية التي تواجه العدوان، وهذا بالضبط ما تفعله سياسات التنسيق الأمني التي تنتهجها السلطة الفلسطينية وتتمسك مؤسستها الأمنية بتنفيذها على شاكلة برنامج قمع وملاحقة متصل ومتسع، يطال معظم المنخرطين في المقاومة باختلاف أشكالها واختلاف الأدوار فيها.

سبق أن أورد "رأي الهدف" في مقالات سابقة أن هذه السياسة حتى بالنسبة للمنظور المصلحي، ما هي إلا وصفة انتحار بالنسبة للسلطة الفلسطينية، ناهيك عن بعدها التدميري الخطير على المشهد الوطني الفلسطيني ككل، ولكن عين الأمن لا تقرأ المقالات إلا بوصفها هجوم أو شتائم تنال من قيادتها وبرامج تشغيلها المرفوضة والمدمرة وطنيًا، ولكن ما نقف عنده اليوم ليس الوضع السابق الذي قمعت فيه السلطة الفلسطينية بنى مقاومة قد تظهر وقد تفعل، ولكن حالة مقاومة تنخرط فيها شريحة واسعة من أبناء شعبنا، وجزء منها مسلح ونشط بالفعل ضد العدو ويخوض اشتباكه اليومي معه في كل ساعة على مختلف المحاور، وهو ما يعني أن التنسيق الأمني وأوامر الملاحقة والاعتقال وإزالة الحواجز الشعبية الموجهة لمنع اقتحامات الاحتلال أو إعاقتها، قد تحولت إلى تدخل بالنار وبالفعل العملياتي في حالة الاشتباك بين المجموع الفلسطيني والعدو الصهيوني، فهل يمكن تسمية هذه الممارسات إلا بأنها سعي لنقل الاشتباك للداخل الفلسطيني بما يشكل خدمة صافية لمصلحة العدو الصهيوني؟

لم يعد ممكنًا التغافل عن تأثير هذه السياسات والممارسات، أو حتى اعتبارها جزءًا من آثار الانقسام وانعكاساته، فمما لا شك فيه أن شعبنا في ساحات المواجهة قد تجاوز هذه التوصيفات والتقسيمات، ولا يجادل اليوم أحد بأن أبناء حركة فتح هم جزء أساسي من مكونات المقاومة المنخرطة في مواجهة العدوان الصهيوني وخصوصًا في ساحة الضفة المحتلة التي تعتبر الساحة الرئيسية للعدوان الصهيوني المتصاعد.

لا شك أن مخرج شعبنا في مواجهة هذا العدوان الاحتلالي والتهديد الوجودي هو الوحدة والمقاومة، ولكن إذا كانت المؤسسة الأمنية للسلطة الفلسطينية ترفض أن تكون جزءًا من مقاومة الاحتلال، فعلى الأقل ألا تكون أداة لتدمير قدرة شعبنا على المقاومة وتمزيق بنيته الوطنية والاجتماعية، وإذا كان هناك ما هو ايجابي في إعلان السلطة الفلسطينية على لسان رئيسها في خطابه أمام الأمم المتحدة بشأن ملاحقة العدو دوليًا، فالمؤكد أنه من الضروري ألا تشكل ممارسات الملاحقة والتنسيق الأمني أداة لتعطيله ونقل التناقض للداخل الفلسطيني بسعيها لمعاقبة وقمع الضحية الفلسطينية حين تحاول الدفاع عن نفسها.