جاء اللقاء الثلاثي الذي عقدته فصائل المقاومة بمستواها القيادي في العاصمة اللبنانية بيروت، تتويجًا لمسار مشترك اشتقته هذه القوى ومضت فيه منذ سنوات، هذا المسار قد أثمر سابقًا غرفة العمليات المشتركة للأذرع العسكرية لفصائل المقاومة، التي تحول تأسيسها لمحطة مهمة في تطور أداء وقدرات المقاومة، وعنوانًا لقدرة شعبنا على تغليب تناقضه الأساسي مع العدو الصهيوني وواجبه في قتال هذا العدو على أي تناقضات داخلية، ومع تصاعد حالة الاشتباك بين شعبنا ومقاومته والعدو الصهيوني في الضفة؛ فالمؤكد أن قوى المقاومة تدرك انه ليس عليها إعادة اختراع العجلة، بل التمسك بالعوامل التي كفلت تحقيق الانتصار في محطات عديدة، وسد الثغرات ومعالجة نقاط القصور، بما يمكن شعبنا من مقومات هزيمة العدو وردع هجومه الوحشي على شعبنا.
تدرك قوى المقاومة أن ما تعنيه معركة فلسطين التي تدور أحداثها المركزية على ارض الضفة في هذه المرحلة، ليس اشتباكًا بين برامج سياسي، أو جدل حول شكل الحل او سقف هذا الفصيل أو ذاك، فالعدو قد قرر تصفية الوجود الفلسطيني في الضفة وأعلن ذلك بوضوح، فيما وقفت جماهير شعبنا متشبثة بخيار الصمود والاشتباك والتضحية في وجه هذا العدوان، وقالت المقاومة كلمتها بدءًا بالمجموعات والكتائب المسلحة ومرورًا بفصائل المقاومة و أذرعها العسكرية، وصولًا لمحور المقاومة الذي يقف داعمًا ومساندًا ومنخرطًا في هذه المعركة بأدوات شتى.
ما أظهره اللقاء ومجموع التصريحات والمواقف التالية له، و ما صرح به نائب الأمين العام للجبهة الشعبية جميل مزهر، يؤكد أن الرؤية المطروحة لدى المقاومة لا تقف عند حدود تعزيز التنسيق والتوجيه العام بتصعيد الفعل المقاوم، ولكن المضي نحو وحدة ميدانية وقيادية للمقاومة تشكل أداة لتحقيق هدف استراتيجي فلسطيني وهو هزيمة العدوان الصهيوني الهادف لتصفية الوجود الفلسطيني في الضفة، وتحرير الضفة باعتبار ذلك جزءًا من مسار لتحرير كل فلسطين، ونقطة هزيمة استراتيجية تفتح الباب أمام سقوط الكيان الصهيوني.
إن التفاصيل بشأن هذا المسار بالتأكيد لن تكون مطروحة للإعلام، ولكن العناوين الرئيسية التي عبر عنها قادة المقاومة واضحة، والإرادة السياسية التي استحضرت هذا الموقف المعلن وقررت لحظته تعكس استعدادًا لمرحلة مختلفة في مسار صعود المقاومة في الضفة المحتلة، وإذا كان العدو سارع لالتقاط أخبار اللقاء والتحريض ضد قادة المقاومة المشاركين فيه، فإن الأحرى أن يكون هناك التقاط فلسطيني للحظة المفصلية التي يعلن فيها العدو استعداده للمجزرة وتعلن فيها مقاومة فلسطين وشعبها استعدادها للاستشهاد في سبيل الانتصار وهزيمة العدوان.
لا يوجد خاسرًا وطنيًا من هذا الموقف الوطني الرامي لتعزيز كل أشكال الدفاع عن شعبنا والنهوض بواجب العمل الفدائي في مواجهة العدوان المتمادي والمجازر اليومية، بل إن ما طرحه قادة المقاومة في هذه المحطة وما سبقها وتلاها يشكل مخرج للكل الفلسطيني من اي تناقضات داخلية، وعنوانًا للوحدة الوطنية في خندق المواجهة مع العدو الصهيوني.