Menu

مروان عبد العال:

السردية الفلسطينية، التوثيق والنجاحات

القدس العربي

الملتقى الخامس للتضامن مع الشعب الفلسطيني حلّ هذا العام ضيفاً على جوهانسبورغ وحفيد نيلسون مانديلاّ، حيث للإنسان والمكان رمزيتهما في الضمير العالمي. رمزية تتشابه مع ما يعيشه الشعب الفلسطيني وخاصة في غزّة من حرب إبادة وتطهير عرقي.
مروان عبد العال كاتب وروائي وفنان وقيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وعضو مكتبها السياسي، شارك في هذا الملتقى، معه هذا الحوار:
■ حلّ المُلتقى الدولي الخامس للتضامن مع الشعب الفلسطيني في لحظة مؤثرة في تاريخ نضاله عقب طوفان الأقصى. ما هي الأجواء التي سادت في جوهانسبورغ؟
■ عقد المؤتمر في اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني في 29 تشرين الثاني/نوفمبر. وهو يوم مخصص لنصرة الحق التاريخي لشعب فلسطين في أرضه، وتضامناً معه في المظلومية التي يعيشها، منذ حلّت الحركة الصهيونية على أرضه. أتى المؤتمر في توقيت استثنائي يتعرّض فيه الشعب الفلسطيني لحرب إبادة وتطهير عرقي، وعنصرية بغيضة لا مثال لها في التاريخ. وعقد المؤتمر في جنوب أفريقيا يحمل دلالة كبيرة، حيث يُشكّل المناضل نيلسون مانديلاّ أحد رموزه. الإنسان الذي دفع ضريبة كبيرة، وربط حريته بحرية شعبه، وبقي في السجن 25 سنة تقريباً، حاور سجانيه كسياسي، وشكّل مصدر إلهام للمقاومين الفلسطينيين. وفي المؤتمر جرت مقاربات جدية بين فلسطين ونيسلون مانديلا، وفلسطين وجنوب أفريقيا.
■ وهل كان لتلك المقاربات ندوات جانبية أم ماذا؟
■ كانت جلسات مفتوحة شاركت فيها شخصيات عالمية وفلسطينية كانت ممثلة في المؤتمر، بينهم وزير الدفاع اليوناني السابق كوستاكوس أستيكو والدكتور بابلو الليندي ووزير خارجية لبنان السابق الدكتور عدنان منصور وعبد القادر بن قرينة رئيس حركة البناء في الجزائر، والحاخام الأمريكي ديفيد فيلدمان ووزير النفط الهندي السابق ماني شانيكيرا، وماندا مانديلاّ حفيد نيلسون مانديلاّ، وهو الجهة الداعية للمؤتمر.
■ وكأن أجواء المؤتمر تعود لسبعينيات القرن الماضي والتضامن العالمي الجارف مع الشعب الفلسطيني قبل أوسلو؟
■ التضامن دائم مع الشعب الفلسطيني. وللتضامن جانب عاطفي، فالقضية الفلسطينية تشكّل رمزاً للحرية والعدالة في العالم، وملتقى التضامن عقد في أكثر من مكان، واكتسبت دورته الخامسة أهمية أكبر لعقدها في جنوب أفريقيا. فالحملة العالمية لحق العودة تصرّ على عقده سنوياً بحضور مناصرين للقضية الفلسطينية ينتمون لكافة بقاع الأرض ويعيشون في حوالي 65 دولة، وعددهم أكثر من 300 شخصية، يتفاعلون فيما بينهم، عبر جلسات مفتوحة. وكان لورشات العمل دوراً مهماً وهي ثلاث، تناولت الإعلام والنضال من أجل تثبيت السردية الفلسطينية، بمواجهة الهجمة الإعلامية الكبيرة التي حاولت تزييف الحقيقة خاصة في الحرب الأخيرة. وأخرى متخصصة بالجانب القانوني، ناقشت الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق الإنسانية، كجرائم حرب، وضرورة اللجوء إلى المحاكم الدولية، والثالثة خاصة بالمجتمع المدني والرأي العام، وكيفية الوصول له في كافة مناطق العالم عبر حركة الشارع.
■ عاشت غزّة وما تزال وحشية لم تشهدها حرب من قبل. كيف قدمتم كفلسطينيين هذا الواقع للمشاركين في المؤتمر؟
■ المفيد أن الوفد الفلسطيني كشخصيات وطنية فاعلة مثّلوا حركة حماس وهم من غزّة وكانوا خارجها مع بدء العدوان. وقيادات من الجهاد الإسلامي ومن الجبهة الشعبية وحركة فتح. كوفد تداولنا في الأولويات، بدءاً من وقف العدوان، وإدخال المساعدات وفتح المعابر، وحق المقاومة بانتصارها، وحرية الأسرى، إنه الموقف الفلسطيني، وصدر بيان بهذا الشأن عن المجتمعين على هامش المؤتمر.
■ وهل توصلتم إلى مقاربة ما بين جنوب أفريقيا وفلسطين؟
■ زرت سابقاً جنوب أفريقيا، والتقيت بقيادات من المؤتمر الأفريقي في كيب تاون. وكان موقفها بضرورة عدم الموافقة على أية فكرة فصل داخل فلسطين، سواء جغرافياً أو بين شعبين. ورأت أن الموافقة على حل الدولتين، موافقة على التجزئة العنصرية بين يهود وعرب. يرون الحل بدولة واحدة تتجاوز العنصرية والصهيونية. وهذا ما استعدته على المنبر.
■ وماذا عن ردّة الفعل بعد تلك الاستعادة؟
■ جرت نقاشات متعددة بعيداً عن المنبر، وتركت بصمات على الحوارت التالية. سمعت من أحد قادة المؤتمر الوطني الأفريقي (وهو أبيض ومن أنصار مانديلاّ) حيثيات انضمامه للمؤتمر الوطني ومعاداته للعنصرية. إذ قال كنا الأقلية وبسطنا سيطرتنا على موارد جنوب أفريقيا كافة، وتعاملنا مع سوانا وكأنهم خدمنا كوننا مميزون. وكان لنا تبريرنا الأيديولوجي لهذا التعالي، فنحن الجنس الأرقى. وأضاف بأنه كقائد وافق على المفاوضات حين بدأت العنصرية تسقط من ذهنية البيض وباتوا يخجلون بها. وأخبرنا عندما كان يدخل بلداً آخر وهو يحمل جواز سفر جنوب أفريقيا (وانا الأبيض) فينظر لي شزراً. حذّرنا من دخول المفاوضات وفكرة الاحتلال والعنصرية قائمة في عقل الآخر فيما يخص الساحة الفلسطينية، والحروب التي شنتها إسرائيل في ظل أوسلو خير دليل على هذا الرأي، وكذلك توسيع الاستيطان عشرات المرّات. وبشأن الأسرى والحرية فقد رفض نيلسون مانديلاّ حريته على حساب حرية وطنه وناسه. وهذا موقف أمين عام الجبهة الشعبية أحمد سعدات المعتقل. وردد من أطلق سراحهم من النساء والأطفال بأنها فرحة منقوصة. وقالت إسراء الجعابيص حين سُئلت عن وجعها “فلسطين كلها موجوعة” الأنا تذوب بالعام.
■ هل كان للمؤتمر دور بخصوص الإعلام وإيصال الصورة من فلسطين للعالم؟
■ شخصياً شاركت باهتمام في ورشة الإعلام. المشاركون بغالبيتهم من أوروبا ومن أمريكا اللاتينية وكذلك من فلسطين. وإلى تنوع الهويات غلب جيل الشباب، ولهم امكاناتهم بصناعة المحتوى عبر وسائط التواصل الاجتماعي. لهؤلاء الشباب عبارات ومصطلحات ولغة مختلفة. واللغة ليست فقط الكتابة بالإنكليزية، إنما معرفة عقل الآخر ولغته. شارك في الورشة شباب كان لهم دورهم الفاعل في ايصال السردية الفلسطينية للعالم، عقب عملية طوفان الأقصى وطغيان الإعلام المعادي. كلامهم أكثر من رائع، سيما في توضيح ما ركّزت عليه وسائل إعلام الغرب من تعابير كالدفاع عن النفس، ودعشنة حركة المقاومة حماس، والأهم نجاحهم في توثيق القصص الفلسطينية الإنسانية الصغيرة.
■ إلى جانب الغبطة الداخلية من التضامن التي يعيشها المظلوم كما الشعب الفلسطين ماذا كانت حصيلة هذا المؤتمر؟
■ بغير الخطابات، هي مناسبة لبناء علاقات وتواصل. منهم من زارنا في مخيمات لبنان، ومنهم من نعرف بزيارته لرفاقنا في السجون الصهيونية، وآخرون يعملون باجتهاد في أوروبا لترجمة تصريحاتنا وتوزيعها في مختلف أنحاء العالم. شباب أصبحوا جزءاً من صناعة المحتوى.
■ كم تحتاج فلسطين لمثل هذه التظاهرات العالمية؟
■ نحتاج لأن تتمأسس تلك الجهود ولا تبقى لحظوية. وكانت مناداة داخل المؤتمر لتشكيل جبهة عالمية لنصرة الشعب الفلسطيني، وللمواجهة عبر توثيق وتخليد جرائم الإبادة. دخل الصهاينة إلى صناعة الهولوكوست حتى باتت ايديولوجيا، وخلّد الشعب الأرمني إبادته. وعلى الشعب الفلسطيني أن يخلّد المذابح التي ارتكبت بحقه منذ لاحت فكرة بناء وطن قومي لليهود على أرضه، وصولاً إلى الإبادة الجماعية في غزة. والعودة مفيدة إلى ما كتبه الأكاديمي الإسرائيلي ألين بيبه، من أن النكبة مصيبة، وهي تطهير عرقي فعلي.
■ كروائي وفنان كيف توصف الإبادة الحالية في غزة؟
■ هي إبادة بشرية متكاملة الأوصاف، وإبادة ثقافية. دمّرت إسرائيل أكثر من 22 مركزاً ثقافياً، وقتلت عشرات المثقفين والأكاديميين والشعراء والأدباء، واغتالت 90 صحافياً. عدوان يحاول تصفير الذاكرة، وإعادة احياءها هو الهدف المستقبلي بعد توقف العدوان. فكما نشأ أدب المنفى بدءاً من غسان كنفاني ومحمود درويش، وكذلك أدب السجون، لا بد من ولادة أدب الإبادة، تماماً كما أدب الإبادة الذرّية التي حصد عنها اليابانيون عشرات الجوائز. الدولة التي تبيد أهلنا بغزّة تحتاح لتمرد أخلاقي، وليست جديرة بالحياة.
■ وماذا عن نتاجك التشكيلي المستوحى من هذه الإبادة؟
■ بدأت تنفيذ أفكار أولية لنساء من دون أطراف وبين أيديهن أطفال بالأكفان أو وجوههم يغطيها الدم. الوجوه رمادية كما نرى غزة الآن مطحونة بالرماد.
أبرز حضور المؤتمر: ماندا مانديلاّ حفيد الزعيم نيلسون مانديلاّ. وزير النفط الهندي السابق ماني شنكاريارا. وزير الدفاع اليوناني السابق كوستاكس أساسيكو. الدكتور بابلو ألليندي حفيد سلفادور الليندي. وزير خارجية لبنان السابق عدنان منصور. رئيس حركة البناء الوطني في الجزائر عبد القادر بن قرينة. عبد مغربي كاتب وصحافي مصري. تيم اندرسون كاتب وناشط اوسترالي. نائب البرلمان التركي الدكتور نجم الدين كالكسيان. الحاخام ديفيد فلدمان من جماعة ناطورا كارتا في الولايات المتحدة. صابر ابو مريم من مؤسسة فلسطين في باكستان. عضو الحزب الديمقراطي العالمي في تشيلي مايكل مارزوقي الفلسطيني الأصل. سامر الحسيني حفيد المجاهد عبد القادر الحسيني. عائلة الكفل أبو خضير الذي أحرقه الصهاينة في شعفاط. الفنان اللبناني معين شريف. النائب اللبناني ابراهيم الموسوي، وممثلين من عشرات الدول في العالم. وحضرت المؤتمر سفيرة فلسطين في جنوب أفريقيا حنان جرّار. ومثّل حركة حماس باسم انعيم وخالد القدومي، وحركة فتح عباس زكي.