مما لا شك فيه ان ما قدم عربيا لدعم الشعب الفلسطيني في المعركة المصيرية ضد العدو الصهيوني وفي مواجهة حرب الابادة غير كافي، او متلائم مع حجم العدوان والتضافر والحشد من قبل حلفاء الكيان الصهيوني والدول الاستعمارية الكبرى.
فبينما تدفقت الدعم المالي بمليارات الدولارات للكيان الصهيوني، ومئات الآلاف من القنابل والذخائر الفتاكة من كل نوع، لا زال أهل غزة يكافحون لأجل ادخال كل شربة ماء ونقطة دواء او وقود هم في امس الحاجة اليه.
نذكر هنا ايضا ان الاف المرتزقة في أقل التقديرات قد تدفقوا للقتال في صفوف الجيش الصهيوني المعتدي، فيما يبدو أن الأمة العربية قد نسيت مهاراتها الأثيرة في حشد مئات الآلاف من الشباب العربي وزجهم في حروب التدمير الذاتي والفتن والاقتتال الطائفي، فلقد حشدت قوى عربية رسمية وشعبية مئات الآلاف من المقاتلين وارسلتهم للموت في الاقتتال العربي في أكثر من بلد، ولكنها اليوم لا تحشد نصف اعدادهم من المتظاهرين ناهيك عن غياب أي إسهام جدي لها في المعركة.
لا يستثنى من هذا التوصيف دور النخب الفلسطينية المهيمنة على المشهد سياسيا واجتماعيا وثقافيا واقتصاديا، فلقد تهربت تباعا منذ بداية الحرب من القيام بأي أدوار جدية ولو على مستوى الموقف، وانتظرت لحين اراقة انهار من الدماء في غزة للبدء في تظهير مواقف تضامنية خجولة لا ترتقي لحجم المعركة او ارادة الجماهير على امتداد الوطن المحتل، كما لا زالت ضالعة في شن حملات الإحباط والتخذيل ضد تلك الجهود الجماهيرية التي تحاول الانخراط في المواجهة وفي التصدي للعدوان الصهيوني على كامل الارض الفلسطينية.
اذا كان هناك ما تكشفه هذه الحرب بوضوح هو عجز وفشل وارتهان هذه النخب، وفي المقابل إغلاق مساحة التغيير الحقيقي في هذه البنى وفي المشهد السياسي والاجتماعي، في عصر الإعلام الرقمي والممول ومواقع التواصل الاجتماعي، التي خلقت في مجموعها أوهام خطيرة لمجموعة من قوى التغيير المفترضة، وهذه قضايا كان يمكن اعتبارها غير ملائمة لطرحها في وقت الحرب، ولكن هذه الحرب التي طالت، كان يمكن ايضا ان تشكل بتفاعلاتها وتفاعلات الإنسان الفلسطيني مع شعبه وقضيته محول لتحرك وعمل اجتماعي وتنظيمي وسياسي هام يعيد تشكيل الكثير على مستوى المشهد الفلسطيني.
المقصود هنا أن كل الهجوم على العمل الوطني المنتظم فصائليا، والتمويل الذي تم ضخه لصناعة نخب بديلة سواء في إطار المرحلة الأولى من زمن أوسلو، او في التجارب المتعلقة بالعقد الاخير تحديدا وما شهده من هدر هائل لطاقات الفلسطينيين التنظيمية لحساب حفل استعراض كبير طغى حتى على كل أشكال العمل السياسي والجماهيري الجاد رغم ان هذا تحديدا لم ينقطع ولكن اجتزأت فضاءات ومساحات فلسطينية أغلقت بالقمع والدعاية وضخ المال في وجه اي محاولة للتنظيم الحقيقي والفاعل جماهيريا.
ما علاقة كل هذا بالحرب وما نواجهه اليوم من تحديات ملحة؟ العلاقة هي حاجتنا لفعل والتحرك العاجل لصد العدوان في كل جبهاته واشكاله على امتداد وطننا المحتل ومناطق انتشار شعبنا وفعله، وهذا لن يكون مواتيا او ممكنا بالاستناد لهذه النخب المرتهنة، او وفقا لاليات صناعة النجوم والمؤثرين وما الى ذلك من عمليات عالم التسويق وادارة الاعمال.
ما هو على المحك فلسطينيا وعربيا أكثر من مجرد معركة عسكرية، او حتى المعنى المباشر لمصير الحرب وعمليات التدمير، فإمة ونخب وأحزاب وقوى وحكومات رسمية، وعشرات آلاف الجمعيات في العالم العربي، التي لم تستطع إنتاج استجابة ملائمة في ضوء الزلزال الذي حدث في ٧ اكتوبر وكل توابعه، هي بالتأكيد في خطر، أمة يذبح اطفالها فيما لا زالت مصالح القتلة على أراضيها قائمة ومستقرة وآمنة عليها ان تراجع كل حساباتها.