Menu

توريط أميركا في الحرب

حلمي موسى.

خاص - بوابة الهدف

 

 

كتب حلمي موسى*

لمنع الحرب مع لبنان بعد اغتيال الشهيد وسام الطويل أعلن حزب الله أنه لم ينته بعد من الرد على اغتيال الشهيد صالح العاروري. وبدا للوهلة الأولى وبوضوح أن تصعيداً متزايداً على الحدود مع لبنان هو أمر الساعة وأنه قد يصل إلى حرب واسعة في ظل استمرار التهديدات. ومن المؤكد أن هذا يفشل المساعي الأميركية لتقليص التوتر على الجبهة الشمالية  ومنع نشوب حرب واسعة فيها وهو أحد أهم أهداف جولة وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن الحالية. ولذلك، وكما كان اغتيال الشهيد العاروري وسيلة إسرائيل للتصعيد في الشمال  فإن اغتيال الشهيد الطويل تأكيد على السياسة الإسرائيلية الرامية لتوريط أميركا في حرب. وربما أن هذا ما أشار إليه معلقون من أن الرئيس الأميركي بايدن كان يطمح لاستنزاف بوتين في أوكراينا لكنه صار أكثر انشغالا بمنع التورط واستنزاف أميركا في الشرق الأوسط.

وفي كل حال من الواضح، وفق وسائل الإعلام الإسرائيلية، أن إسرائيل غير مرتاحة من الضغوط الأميركية لتخفيف القتال أو إيقافه في غزة لتسهيل منع نشوب أو توسيع الحرب مع لبنان. وقد كتبت صحيفة "إسرائيل اليوم" يوم أمس أن الضغط الأميركي يواجه معارضة إسرائيلية لفكرة الحسم المتداخل بين الجبهتين الشمالية والجنوبية. وذكرت أن رجال بايدن يضغطون لانهاء الأعمال الحربية في شمال القطاع والسماح للفلسطينيين بالعودة إلى بيوتهم، وذلك رغم حقيقة أن مهمة تدمير الأنفاق في المنطقة ومنع إطلاق النار على إسرائيل لم تنتهِ.

وفي نظر الصحيفة فإن مبعوث بايدن إلى الشرق الأوسط، عاموس هوكشتاين وكذا وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن يطالبان إسرائيل بالإعلان بشكل رسمي عن انتهاء المرحلة الثانية من القتال، رغم معارضة المستوى العسكري. وحسب ما قيل أنها خطة أميركية فإن رجال بايدن يسعون للربط بين انسحاب الجيش الإسرائيلي من شمال القطاع واتفاق تفاهم يمنع الحرب مع حزب الله. هوكشتاين الذي أقلع إلى بيروت يفترض أن يفحص رد حزب الله على هذا الاقتراح الذي سيبدو في نهاية المرحلة الثانية في غزة كإنجاز لبناني على أمل أن يؤدي إلى إنهاء إطلاق النار على بلدات الشمال. وابل الزيارات الذي بدأ مع هوكشتاين وصل إلى ذروته في زيارة بلينكن هذا الأسبوع والتي ستنقل فيها رسالة عن إطار زمني للقتال في غزة. كما ستتم محاولة منع التصعيد في الشمال من خلال تفاهمات على نمط "عناقيد الغضب" في التسعينيات والتي تعهد فيها حزب الله بعدم إطلاق النار على إسرائيل وعدم المس بالمدنيين، التجمعات السكانية والمنشآت المدنية.

ومعروف أن نتنياهو ورجاله متهمون بمحاولتهم التصعيد في لبنان ورفض الضغوط الأميركية لاعتبارات شخصية وسياسية داخلية. ويكرر نتنياهو مؤخراً عبارات من قبيل: أنه "محظور وقف الحرب حتى ننهي كل أهدافها – تصفية حماس، إعادة كل مخطوفينا وضمان ألا تشكل غزة تهديداً على إسرائيل بعد اليوم".

وأشارت "إسرائيل اليوم" إلى أن خطة البيت الأبيض عرضها هوكشتاين على القيادة السياسية الإسرائيلية في الأسبوع الماضي. وحسب الخطة، تعلن إسرائيل رسمياً عن نهاية المرحلة الثانية من الحرب في غزة في الأسابيع القريبة القادمة وهذا الإعلان يقدمه الأميركيون لحزب الله كسبب لوقف الهجمات على إسرائيل. لكن إسرائيل أوضحت لهوكشتاين بأنها تطلب إبعاد تهديد الاجتياح والنار على المستوطنات الشمالية ليس فقط كواقع يتشكل في الميدان بل كنتيجة لاتفاق تفاهمات مبرم. هذه الفجوة لا تزال قائمة بين إسرائيل والولايات المتحدة وفي زيارة بلينكن سيعود ليضغط ضد حرب في الشمال ولانهاء المعركة في الجنوب.

من جانبه أكد المعلق العسكري لصحيفة "هآرتس" عاموس هارئيل أن أميركا مصممة على منع حرب شاملة مع حزب الله. وأشار إلى أنه إلى جانب سعي بلينكن لبلورة وتقليص حدة الحرب في غزة توجد له مهمة أخرى مستعجلة وهي محاولة تهدئة النفوس المشتعلة على الحدود مع لبنان. إطلاق الصواريخ والقذائف المضادة للدروع التي أطلقها حزب الله في يوم السبت الماضي على وحدة المراقبة الجوية في جبل ميرون، رداً على اغتيال قائد حماس صالح العاروري في بيروت، ضخمت أجواء الحرب. جهات إسرائيلية رفيعة تكثر من التهديد مؤخراً بمواجهة واسعة أكبر مع حزب الله إذا لم يتم التوصل إلى تسوية يتم فيها إبعاد حزب الله عن الجدار الحدودي.

ونقل هارئيل عن صحيفة "واشنطن بوست" أن الرئيس الأميركي، جو بايدن، كلف رجاله بمهمة "منع حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله. وحسب الصحيفة فإن موظفين أميركيين يخشون من أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يمكن أن يعتبر أن حرب ضخمة في لبنان مفتاح لبقائه السياسي إزاء انتقاد الجمهور لأداء حكومته في الهجوم من غزة في 7 تشرين الاول. الإدارة الإميركية حذرت نتنياهو من حرب واسعة. توجد لرئيس الحكومة مصلحة واضحة في إطالة فترة الحرب في غزة طوال السنة القادمة ويصعب تبديد الخوف الأميركي حيث أنه في هذه المرة نتنياهو، وظهره إلى الحائط، لم يفحص أيضاَ تسخين آخر على الساحة الشمالية.

 

وبحسب هآرتس فإن تقريراً لوكالة الاستخبارات التابعة لوزارة الدفاع الأميركية قدر بأن الجيش الإسرائيلي سيجد صعوبة في مواجهة مثل هذه الحرب بسبب الحاجة إلى توزيع قدراته بين لبنان وقطاع غزة. تسريب التقرير للصحيفة يبدو أنه خطوة متعمدة من قبل الإدارة الإميركية، لكن يجب أخذ التقرير بتشكك معين. المخابرات الأميركية أيضاً توقعت هزيمة فورية لأوكرانيا عندما قامت روسيا بغزوها قبل سنتين تقريباً.

          وزير الدفاع، يوآف غالنت، قال في نهاية الأسبوع الماضي بأن إسرائيل تفضل الدبلوماسية على وقف القتال مع حزب الله، وتسوية الوضع على الحدود وإعادة السكان إلى بيوتهم. ولكنه أضاف "نحن نقترب من النقطة التي فيها الساعة الرملية لحل المشكلة ستنقلب". عضو كابينت الحرب، الوزير بني غانتس (المعسكر الرسمي) قال بأن "الوضع الذي فيه سكان المنطقة الشمالية لا يمكنهم العودة إلى بيوتهم يحتاج إلى حل مستعجل. ومن بدأ التصعيد هو حزب الله. إسرائيل معنية بالحل السياسي وإذا لم يحدث ذلك فان الدولة والجيش الإسرائيلي سيزيلون هذا التهديد. جميع أعضاء مجلس الحرب يتفقون معي حول هذا الموقف".

وفي نظر هارئيل فإن مشكلة الخط الرسمي لغانتس تتعلق بالشريك المفروض عليه، نتنياهو. قرارات إدارة الحرب في الواقع يتم اتخاذها عندما ينجحون في التوصل إلى قرارات في مجلس الحرب. لكن الوزير إيتمار بن غفير والوزير بتسلئيل سموتريتش، اللذين احتفظ بهما نتنياهو خارج هذا المنتدى المصغر، ما زالا ينجحان في التأثير على سير الأمور. ممثلو اليمين المتطرف يؤججون طوال الوقت الخلافات بين إسرائيل والولايات المتحدة وداخل المجتمع في إسرائيل، في الوقت الذي فيه هما وغيرهم من الوزراء يبثون السموم على الجيش الإسرائيلي. يبدو أن نتنياهو أسير لديهما.

 

 

*كاتب صحفي من غزة