Menu

ألا نقتل وحدنا

 

 

في الأيام المنقضية صعدت قوات جيش القتلة الصهاينة هجومها نحو مستشفى ناصر، المستشفى الوحيد العامل داخل مدينة خانيونس، وصبت حمم من القصف الجوي وقذائف المدفعية ونيران الرشاشات الثقيلة على نحو لا يمكن وصفه أبداً، فر النازحون من المستشفى حاملين أطفالهم، يحيط بهم القصف من كل جانب، دون وجهة محددة أو ملاذ معروف، فيما توافدت الإصابات وجثامين الشهداء للمستشفى تباعاً جراء الغارات الوحشية.

هذا فقط مشهد واحد من الإبادة التي يتعرض لها شعبنا في قطاع غزة، في شمال القطاع ووسطه ومدينة غزة. تكررت ذات المشاهد والمجازر تزامناً، هذا هو الحال وتزداد الوحشية التي لا حدود لها في كل يوم، لا يوجد خط أو معدل أو مدى زمني يمكن أن يتوقف عنده جيش القتلة، يعلن ذلك، يصر على ذلك بوضوح، ويحظى بدعم أميركي مطلق لاستمراره في مذابح الإبادة.

في ظل تواطئ من سائر المؤسسات الدولية، وعجز شعبي عربي، حيث لم يرق الحراك الشعبي منذ بداية الحرب لمستوى الضغط الحقيقي على الموقف الرسمي المتخاذل حينا والمتورط أحياناً والفاشل في حالات أخرى، لا تعدنا منظومة القتل والإبادة الصهيونية إلا باستمرار المذابح.

ليس الحراك الاحتجاجي الشعبي على ضعفه وقلة حيلته عربياً من يتحمل مسؤولية هذه الإبادة، ولكن استمرار هذا انصاف المواقف مسيطرة على المشهد العربي بالتأكيد عامل رئيسي في المذابح التي امتدت من جنوب القطاع حتى شمال الضفة المحتلة، فاستمرار سفارات الاحتلال و أميركا وألمانيا وبريطانيا مفتوحة، وقواعدها عاملة في تزويد العدو بالإمداد أو بالمساندة العسكرية انطلاقاً من الأرض العربية، هو وصمة العار الأبشع في تاريخ هذه الأمة، وعجز هذه الأمة عن كسر حصار شعب فلسطين المجوع حتى الموت في غزة يجعل من هذه الوصمة لطخة لا تمحى إلا بزلزال كبير وانتفاضة تمحي كل هذا الخزي والخذلان وتوقف الإبادة وتنتصر لحق فلسطين وشعبها.

"لا ندعم وقف إطلاق النار حالياً" "لا نرى داع لوقف إطلاق النار حالياً"، تتولى تصريحات من يتحدث باسم الإدارة الأميركية بذات الجمل يومياً، قبل وبعد وأثناء كل مجزرة، والمعادلة معروفة، لا ترى الإدارة الأميركية أن هناك ضغط أو ضرر كاف يلحق بها أو بالاحتلال بما يضطرها للموافقة على وقف الإبادة المستمرة لشعب فلسطين، والجواب أكثر وضوحاً: ليلحق بها هذا الضرر والدمار حتى تقتنع بوقف الإبادة.

إن الإضرار بالمصالح الأميركية ومعها سائر دول العدوان وبالمعنى المادي الملموس والمباشر والمسلح بكل أدوات الفعل دون استثناء، لم يعد واجباً وطنياً فلسطينياً، أو عربياً فحسب، بل واجب إنساني، يجب أن ينبري له كل مؤمن بقيم الإنسانية أو من تبقت فيه ذرة منها.

إن الحراك الخجول أو أنصاف المواقف أو المتجرد من الانحياز الواضح ضد مجرمي الحرب ومرتكبي الإبادة، ليس إلا مشهد هامشي في مسار حملة إبادة مستمرة، لا سبيل إلى وقفها إلا بتصعيد هذا الحراك إلى مصاف النضال والتصدي الشجاع والاشتباك الحقيقي مع مصالح قوى العدوان كافة بدون استثناء لأي وسيلة من وسائل الفعل النضالي.