Menu

التضامن الأممي مع الشعب الفلسطيني ركيزة أساسية لكسر جبهة العدو

معاذ الجحري

1-1671038.jpg

"كتب معاذ الجحري"

يعتبر طوفان الأقصى تحولا مفصليا على أكثر من صعيد وقد نجح في إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية وجعلها تحتل مكانة الصدارة على المستوى الدولي.

يحاول هذا المقال إلقاء نظرة مركزة على أشكال التضامن الشعبي عبر العالم وبعض إنجازاتها المحققة وتأثيراتها المحتملة على مجريات حرب الإبادة الجماعية للعدو الصهيوني على قطاع غزة بشكل خاص والعدوان الإجرامي على الضفة الغربية وفي قلبها القدس .

يكتسي تضامن شعوب المعمورة مع كفاح الشعب الفلسطيني أهمية بالغة لعزل العدو وكسر جبهته ويشكل عنصرا أساسيا من بين العناصر الأخرى لمقومات حرب التحرير الشعبية التي تقوم بالإضافة إلى ذلك على وحدة الشعب بكل فئاته ومكوناته وتصميمه على النضال حتى النصر واصطفافه وراء المقاومة التي أبدعت طرقا ووسائل خاصة وبسيطة لكن فعالة انطلاقا من شروطها الملموسة. ويسري هذا على جميع حركات التحرر من الاستعمار. وهذه المقومات هي سر صمود ونجاح المقاومة الفلسطينية المسلحة المسنودة بالمقاومة المسلحة في جنوب لبنان وفي العراق واليمن.

قبل السابع من أكتوبر وخلال الأيام الأولى التي تلته، كان التضييق في العديد من البلدان الأوروبية هو سيد الموقف. ففي ألمانيا ساد التضييق على النشطاء ومنع التظاهرات المؤيدة لكفاح الشعب الفلسطيني وتجريم لحركة المقاطعة BDS وكل هذا بدعوى معاداة السامية استنادا إلى تعريف فضفاض ومغرض لها  وهو التعريف الذي تعتمده IHRA . حتى الحزب اليساري  Die Linke  عبر عن تضامنه مع الكيان الصهيوني وحقه في الدفاع عن نفسه بعد اندلاع العدوان على غزة. ونحن لا ننسى قرار ولاية برلين بمنع الكوفية الفلسطينية في المدارس الحكومية ولا ننسى الاعتداء الجسدي الذي تعرض له تلميذ من طرف أستاذه بسبب حمله للراية الفلسطينية داخل ساحة مدرسة بهذه الولاية.

نفس الوضع في بريطانيا تقريبا. بل قام حزب العمال بالتخلص من زعيمه جيريمي كوربين بدعوى مواقفه المعادية للسامية. أما الرئيس الفرنسي فقد ذهب بعيدا، إذ اعتبر أن الذين يعادون السامية والصهيونية هم أعداء الجمهورية. ومنعت السلطات الفرنسية، المناضلة القيادية المعروفة، عضوة المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، مريم أبو دقة، من إلقاء محاضرات وتنظيم لقاءات والتعريف بقضية ومعاناة شعبها، وقامت هذه السلطات باعتقالها وقررت ترحيلها.

وخلافا لما كان يجري في مختلف بلدان العالم من تظاهرات، قررت فرنسا، إضافة إلى ألمانيا، منع وتفريق بالقوة التظاهرات المؤيدة للشعب الفلسطيني وذلك بدعوى تهديد النظام العام، مع أن الأمر يتعلق بمظاهرات سلمية. أكثر من ذلك هدد وزير العدل الفرنسي بالسجن من 5 إلى 7 سنوات كل من يبدي تعاطفا معينا مع المقاومة الفلسطينية. وتم تحرير محاضر تقضي بغرامات مالية لمتظاهرين وصحافيين كانوا يقومون بتغطية تلك المظاهرات كما تم اعتقال الكاتب العام للكنفدرالية العامة للشغل J.P Delescault مسؤول هذه المركزية النقابية بشمال فرنسا بسبب بيان لها تدعم فيه الشعب الفلسطيني ومقاومته.

هذه الإجراءات القمعية هي طبعا منافية للدستور الفرنسي وللإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن والذي ينص في فصله الثاني على الحق في مقاومة الاضطهاد. كما تتعارض مع قرار المحكمة الأوروبية التي اعتبرت أن المقاطعة التي تقوم بها حركة BDS إنما تدخل في حرية الرأي والتعبير عن موقف سياسي. وتعد دليلا قاطعا على مستوى التصهين والسلطوية الذي وصلته الدولة الفرنسية في عهد إيمانوييل ماكرون، رئيس البرجوازية الكبيرة الاحتكارية. ويسري هذا على ألمانيا التي تعاني من عقدة الذنب نتيجة الممارسات النازية في حق اليهود وهي الممارسات التي تكررها العصابات الصهيونية السادية في فلسطين، مركز الأرض.

غير أن القوى التقدمية والمنظمات المدنية الحية الداعمة للقضية الفلسطينية صممت وتحدت تهديدات وأوامر السلطات وحطمت جدار الترهيب وخرجت رغم أنف هذه السلطات في تظاهرات حاشدة بالعديد من المدن كما في مختلف بقاع العالم وخاصة في بلدان المراكز الرأسمالية الإمبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.

يشهد هذا البلد الشاسع، أمريكا، أقوى المظاهرات على الإطلاق، يشارك فيها الأمريكيون من مختلف الأعراق والألوان، وصلت حد إغلاق المطار في كل من واشنطن ونيويورك ومحطة القطار في إحدى أكبر مظاهرات اليهود الأمريكيين الذين تظاهروا أيضا بمبنى الكونغرس. لا يتعلق الأمر ببعض اليهود وإنما بأغلبية اليهود وهم يدعمون فلسطين ويتبرؤون من الكيان الصهيوني بكل قوة ووضوح مؤكدين على موقف اليهودية الأصيل الذي يرفض كيانا خاصا باليهود وعلى الأخوة بينهم وبين المسلمين باعتبارهما شركاء في المعاناة. ويعتبرون أن قيام "إسرائيل" هو عصيان لله وأنه لن يكون هناك سلام ما دام هذا الكيان موجودا. وأكدوا أن الناس الذين يعيشون تحت الاحتلال والقهر والحصار والتمييز العنصري عليهم أن يقاتلوا من أجل حقوقهم. وفي مناطق أخرى أحرقوا علم "إسرائيل" ورفعوا لافتات كتب عليها "اليهود ليسوا صهاينة".

وفي ألمانيا احتل المتظاهرون جزءا من جامعة في برلين ما أدى إلى توقيف الدراسة بها ليوم كامل. وفي فرنسا فجر أحد النواب من اليسار الفرنسي (فرنسا الأبية) فضيحة مدوية تتمثل بوجود 4 آلاف مقاتل ضمن جيش الاحتلال يحملون الجنسية الفرنسية داعيا إلى تقديمهم للعدالة باعتبارهم مجرمي حرب.

وعموما تميزت هذه المظاهرات بإبداع أشكال تعبيرية تثير الإعجاب وتستحق كل التنويه والتقدير كالاعتصام بمجسمات أطفال في أكفان ملطخة بالدماء ومسيرات بالشاحنات والسيارات والدراجات الهوائية والنارية الى غير ذلك من الأشكال التي لا يتسع المجال لحصرها. 

ومن أروع الإبداعات على الاطلاق خروج تظاهرات عارمة في منتصف ليلة 31 يناير في مختلف بلدان القارات الخمس للتضامن مع الشعب الفلسطيني بدل الاحتفال بليلة رأس السنة. ومن غريب الصدف أن ذلك تزامن مع إمطار سماء الكيان الصهيوني بصواريخ المقاومة التي دكت العديد من المدن وعلى رأسها تل أبيب.

وعمت منطقتنا من المحيط الى الخليج مسيرات شعبية ووقفات احتجاجية هامة وطبعا متفاوتة من حيث الحجم والاستمرارية حسب الإمكانيات والآليات المتوفرة. ففي البلدان التي تم فيها بناء إطارات تنسيقية واسعة تضم القوى الحية اليسارية والديمقراطية والإسلامية المقاومة للتطبيع خرجت الجماهير بالملايين وهي حالة المغرب حيث توجد الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع التي أمطرت الساحة بمبادرات ميدانية هائلة. 

غير أن رفع شعار "خيبر خيبر يا يهود، جيش محمد سيعود" وشعار "الله أكبر عاصفة لليهود ناسفة" الذي تصر على رفعه بعض المكونات الإسلامية هو إساءة للقضية ويعد واحدا من عوامل تفكيك تلك الإطارات الوحدوية. 
ونشطت وانتعشت بشكل ملفت للنظر حركة المقاطعة BDS في مختلف البلدان بما في ذلك في منطقتنا خاصة في لبنان والأردن والبحرين والكويت و مصر وتونس والمغرب. 

وسجلت هذه الحركة انتصارا ثمينا على شركة "بوما" التي أعلنت رسميا انسحابها من رعاية المنتخب الصهيوني وذلك بفعل ضربات حركة المقاطعة العالمية. كما سجلت في المغرب تراجعا هاما لماكدونالد وهزيمة لستاربوكس وبداية مواجهة جماهيرية مع متاجر كارفور.

وينبغي مضاعفة الجهود مع التركيز على مقاطعة الجهات الأكثر دعما للعدو مثل سلاسل المطاعم العالمية المعروفة (ماكدونالد، بابا جونز، دومينوز بيتزا، بيتزا هيت، برجر كينج)، الثمور، كارفور، أكسا، أهافا، HP4، صودا ستريم وغيرها) انظر موقع (BDS)

غير أن أكبر نجاح حققته حملات تضامن الشعوب بتكامل مع صمود المقاومة المسلحة بكل مكوناتها وروافدها وصمود الشعب الفلسطيني وخاصة سكان غزة وتشبتهم بأرضهم هو إسقاط خطاب التهجير الجماعي لسكان غزة إلى سيناء وسكان الضفة الغربية إلى الأردن الذي روج له علنا وبقوة الكيان الصهيوني وحلفائه وخاصة الامبريالية الأمريكية وهذا على الرغم من أن أعمال الإبادة الجماعية الواسعة والمستمرة تصب عمليا في هذا المسعى. 

وبفعل الضغط الشعبي اتخذت بعض البلدان الأوروبية مواقف إيجابية مخالفة للاتحاد الأوروبي. فقد أدانت بلجيكا ما أسمته العقوبات الجماعية للشعب الفلسطيني وأكدت على دور المحكمة الجنائية الدولية كما تقدم برلمانها الاتحادي بمسودة قانون لحظر التجارة مع المستوطنات.

ودعت إسبانيا إلى إدخال المساعدات الإنسانية بشكل منتظم وإلى هدنة دائمة والاعتراف بالدولة الفلسطينية وفتح مفاوضات على أساس حل الدولتين. واتخذ البرتغال مواقف مماثلة لإسبانيا. وأربك هذا الحراك العالمي ومعه المقاومة المسلحة خطاب الامبريالية الغربية وخاصة الإمبريالية الأمريكية التي أصبحت تردد خليطا من المواقف المتناقضة. ولكن لا شيء نهائي، فقد أصدر الكونغرس الأمريكي، في ذروة الحرب، قرارا يساوي بين معاداة السامية ومناهضة الصهيونية"

وأقدمت جنوب إفريقيا على خطوة شجاعة بمقاضاة الكيان الصهيوني أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية للفلسطينيين.

ولكن هناك ضعف متابعة في إفريقيا الغربية وذلك بسبب ضعف الروابط مع الفصائل الفلسطينية وغياب ترجمة مواقفها وتصوراتها إلى اللغة الفرنسية وهي ثغرات ينبغي تداركها بسرعة.

إجمالا فإن القوى اليسارية التقدمية والمجتمع المدني المناضل لعبت ولازالت أدوار طلائعية في تحريك هذا التضامن على الصعيد العالمي. وقد أدركت هذه القوى منذ البداية طبيعة المعركة التي يخوضها الشعب الفلسطيني باعتبارها معركة تحرر وطني ولم تسقط في فخ شيطنة حركة حماس وأن الخلاف مع المشروع المجتمعي للإسلام السياسي الذي يقود المعركة المسلحة قصة أخرى مع العلم أن خوض الكفاح المشترك جنبا إلى جنب بين قوى إسلامية وتقدمية قد يساهم في تقريب مسافات الخلاف وبناء قواسم العيش المشترك الآن وغدا. بقي أن أشير إلى الدور الخاص المنوط بشعوب منطقتنا العربية/المغاربية وقواها التقدمية فهي لا تتضامن وفقط وإنما تناضل ضد عدو مشترك لها وللشعب الفلسطيني. وإذا كنا لم نتوفق بعد في الوقف النهائي للعدوان وإسقاط التطبيع فذلك يعود في نظري من جهة لمستوى النفوذ الصهيوني على المستوى العربي والدولي بشكل عام ومن جهة أخرى لاشتداد أزمة الرأسمالية الإمبريالية بل بداية انهيار الإمبراطورية الأمريكية في ظل صراع ضاري مع القطب الصاعد بقيادة الصين وما يترتب عن كل هذا من حرصها الشديد على الحفاظ على ريادة الكيان اللقيط للمنطقة باعتباره قاعدتها الأمامية بها. أؤكد في نهاية هذا المقال على تقييم حصيلة العمل ومضاعفة الجهود وتكثيفها، وبالنسبة للقوى التي ليست لها قدرة كبيرة على التعبئة والحشد في مسيرات كبرى يمكنها العمل محليا في عمق الشعب بما في ذلك المقاطعة الاقتصادية للعدو على طريق تفجير التناقضات في صفوف جبهته المكونة طبعا من الكيان الصهيوني والإمبريالية الغربية بقيادة أمريكا والأنظمة العربية العميلة وخاصة المطبعة منها.