Menu

لماذا يجري "شيطنة" شهر رمضان المبارك؟

راسم عبيدات

خاص - بوابة الهدف

 

كتب راسم عبيدات*

 

عملية " شيطنة" شهر رمضان والتحريض عليه من قبل حكومة "إسرائيل" والجماعات التلمودية والتوراتية والجماعات المتطرفة المرتبطة بها، والتي تطمح إلى فرض وقائع جديدة  في المسجد الأقصى، تتجاوز قضيتي التقسيمين الزماني والمكاني، بالعمل على إيجاد حياة وقدسية يهودية فيه، تخرجه من قدسيته الإسلامية الخالصة إلى مقدس مشترك "إسلامي - يهودي" في المرحلة الأولى، بعد استكمال كل طقوس ما يعرف بالهيكل المعنوي، من أداء طقوس السجود الملحمي، انبطاح المستوطنين على وجوههم، كأعلى شكل من أشكال الطقوس التلمودية والتوراتية، ومحاكاة إدخال قرابين الفصح الحيوانية إلى ساحاته، وأيضاً إدخال قربين الفصح النباتية من أوراق الصفصاف وثمار الحمضيات الجافة وسعف النخيل، ناهيك عن النفخ في البوق، ودخول الحاخامات بلباس الكهنة البيضاء، وأداء الصلوات والطقوس التلمودية والتوراتية بشكل جماعي وعلني، وغيرها من المظاهر والطقوس التلمودية الأخرى .

دولة الإحتلال والجماعات التلمودية والتوراتية، منذ تولي المتطرف بن غفير المسؤولية عن وزارة الأمن القومي، سعت بدعمه وإسناده، وكذلك دعم وإسناد جماعات الهيكل المختلفة إلى إقامة الهيكل المزعوم بشكل عملي، بالعمل على جلب خمس بقرات حمراء من ولاية تكساس الأميركية، ووضعها في مزرعة سرية قرب مدينة "بيسان" حتى تبلغ من العمر عامين، حيث يجري ذبح إحداها على جبل الطور، ونثر رمادها، بعد أن يتم حرقها بخشب الزيتون على أكبر عدد من اليهود، بغرض التطهر، وبما يتيح لأكبر عدد من اليهود اقتحام الأقصى لأن هناك حاخامات ومدارس فكرية ودينية يهودية، ترفض فكرة دخول الأقصى، بدون بند التطهر. وهذه البقرات جلبت في شهر تموز/ 2023.

عملية "الشيطنة" لشهر رمضان الفضيل، ليست مرتبطة فقط بمعركة 7 أكتوبر 2023، بل تلك العملية كانت تزداد وضوحاً وحدة من بعد معركة "سيف القدس "، أيار 2021، تلك المعركة التي تدخلت فيها المقاومة الفلسطينية كما قالت من أجل منع قيام الجماعات التلمودية والتوراتية بتغيير الوضع القانوني والديني والتاريخي للمسجد الأٌقصى، وكذلك لمنع تهويد ساحة باب العامود، وعدم طرد وتهجير سكان حي الشيخ جراح الشرقي، ولذلك مع اقتراب شهر رمضان المبارك، كنا نشهد حملة إعلامية ورسمية "إسرائيلية" على الشهر الفضيل، بالقول بأن هذا الشهر يجري استغلاله من قبل الفصائل والنشطاء المقدسيين، لكي يتحول هذا الشهر إلى منصة للتحريض على "إسرائيل" ودفع الأمور للانفجار في مدينة القدس، وكذلك يستغل المسجد الأقصى من أجل القيام بمسيرات ومظاهرات وإطلاق هتافات ورفع صور وأعلام للفصائل وقادتها، وفي المقابل كنا نشهد ارتفاع كبير في عدد المقتحمين للأقصى من الجماعات التلمودية والتوراتية، حتى وجدنا بأن بن غفير نفسه بالإضافة إلى عدد من أعضاء الكنيست ووزراء من حكومة نتنياهو وحاخامات شاركوا في عمليات الاقتحام تلك.

جماعات الهيكل ومنظماته بتسمياتها وعناوينها المختلفة، باتت تطالب بأن يتم اعتماد المسجد الأقصى كمكان مقدس يهودي، بل اعتبار "جبل الهيكل" أقدس مكان لـ"الشعب" اليهودي.

 

وزادت من مطالبها، بحيث باتت تطالب بأن يسمح لها باقتحام الأقصى ليس فقط من باب المغاربة، بل من كل بوابات الأقصى، وأن تكون الاقتحامات جماعية وفردية وبدون مرافقة الشرطة، وبأن لا يكون لها مسار محدد، وأن تؤدي صلواتها وطقوسها التلمودية والتوراتية بشكل علني، وأن لا يغلق المسجد الأٌقصى في وجهها، في فترة الأعياد الإسلامية، وفي العشر الأواخر من شهر رمضان، وأن تكون الاقتحامات على مدار الأسبوع .

بات من الواضح من ازدياد عمليات الاقتحام، وخاصة في فترة الأعياد اليهودية في عام 2023، من شهر آب وحتى منتصف تشرين أول، أعياد رأس السنة العبرية، يوم الغفران وعيد العرش اليهودي، والتي زاد عدد المقتحمين فيها للأقصى عن ثمانية آلالاف مقتحم، مع ممارسة كافة طقوس إحياء الهيكل المعنوي.

عمليات الاقتحام تلك وممارسة الطقوس التلمودية والتوراتية علناً في ساحة الأقصى، الهدف منها، نزع القدسية الإسلامية الخالصة عن المسجد الأقصى، لكي يصبح في المرحلة الأولى مقدس ديني مشترك، أي اليهود شركاء في المكان، يكون لهم حياتهم وقدسيتهم الخاصة بهم، مقابل الشيخ المسلم حاخام يهودي، ومقابل الطفل المسلم طفل يهودي ومقابل المصلي المسلم مصلي يهودي.

حكومة الاحتلال باتت تعتقد أنه بعد 7 أكتوبر، أن هناك فرصة ذهبية، تمكنها من الإجهاز والسيطرة على مدينة القدس، وخاصة في ظل تنامي الفاشية في المجتمع اليهودي، وكذلك تقدم الفاشية اليهودية من أطراف المشروع الصهيوني إلى قلبه، وإمساكها بمفاصل القرار السياسي "الإسرائيلي"، والتحكم بالحكومات "الإسرائيلية" بقاء وسقوطاً، كما يحصل الآن مع حكومة نتنياهو.

يبدو بأن شهر رمضان هذا العام سيكون ساخناً، حيث العدوان مستمر ومتواصل على شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس والداخل الفلسطيني -48-، فبن غفير يعلن وبموافقة نتنياهو وقيادات الشرطة، بأنه سيتم فرض قيود على المصلين في الأقصى في شهر رمضان المبارك، وهذه القيود التي سيجري تنفيذها وتطبيقها تحت حجج وذرائع الأمن، أعتقد بأنه لا أساس لها، حيث قال رئيس وزراء الاحتلال السابق لبيد بأنها حجج سخيفة، وكذلك المستشارة القضائية للحكومة غالي بيهاراف ميارا، قالت بأن هذه القيود لا داعي لها ومضرة.

الأسباب الحقيقة لهذه  القيود، يمكننا القول بأنها تحمل أبعاداً سياسية لها علاقة بالسيادة والسيطرة على المدينة، وعلى المشهد الذي سيكون حاضراً من خلال وجود أكثر من ربع مليون مصلٍ في الأقصى أيام الجمعة وليلة القدر، مشهد يقول بعروبة وإسلامية هذه المدينة بكل تفاصيلها  وعناوينها، فهذا المشهد المعبر عنه بحشود بشرية في الأقصى وفي أسواق المدينة وأزقتها وشوارعها، تلغي المزاعم "الإسرائيلية" بأن القدس موحدة وعاصمة لـ"إسرائيل"، حيث مقابل هذا الحشد والطوفان البشري، نجد عسكرة شاملة للمدينة، آلالاف الجنود ورجال الشرطة ووحدات المستعربين والحواجز الشرطية الثابتة والمتحركة والسواتر والحواجز الحديدية والمكعبات الإسمنتية على مداخل القرى والبلدات المقدسية وإغلاق المداخل والحواجز المحيطة بالقدس، عدا عن عمليات القمع والتنكيل والتفتيشات المذلة الماسة بكرامة الناس وخصوصية أجسادهم.

إجراءات وقيود الاحتلال ضد المصلين وفرض القيود على الأقصى وعلى مدينة القدس، ستدفع نحو التصعيد وانفجار الأوضاع، بما يتعدى جغرافيا القدس، وهذا الإنفجار سيطال كل الساحات الفلسطينية، من الضفة الغربية، إلى الداخل الفلسطيني -48- وقطاع غزة، وسيخلق تطوراً في الفعل الشعبي العربي والإسلامي، وقد يخرجه من محدوديته ونخبويته، وكذلك هذه القيود "الإسرائيلية" ستزيد من إحراج الأنظمة العربية من دول النظام الرسمي العربي وأحلاف التطبيع وما يعرف بالسلام "الإبراهيمي"، والتي عرتها معركة 7 أكتوبر، وكشفت عن تواطئها مع دولة الاحتلال في الحرب العدوانية المستمرة على قطاع غزة، ولذلك ربما لكي تبيض صفحتها  وتمنع عريها الكامل والمفضوح، وقد تُقدم على اتخاذ خطوات تخفف من حالة الاحتقان والغضب الشعبي ضدها وضد مواقفها وسياساتها، وخاصة إذا ما توسعت دائرة الحرب نحو المنطقة والإقليم.

يبدو أن بن غفير وغالانت ونتنياهو وسموتريتش، قرروا زيادة لهيب الحريق في المنطقة وإشعالها من بوابات القيود على المصلين في شهر رمضان المبارك

 

*كاتب صحفي ومحلل سياسي فلسطيني