Menu

قيادة الطوارئ الفلسطينية المؤقتة.. بين الواقع والطموح

محمد حسين

بعد عملية السابع من أكتوبر النوعية التي وجهت ضربة قوية للمؤسسة الأمنية والعسكرية والسياسية الصهيونية ،وجعلت هذا الكيان على مدى أكثر من ستة ساعات فاقداً للسيطرة التامة على مجريات ما حدث ما إن استفاقت قيادات وجنرالات هذا الكيان من الصدمة حتى بدؤوا بعملية قصف غير مسبوقة في التاريخ على  قطاع غزة ، سقط من خلالها عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، وقام العدو بعملية تدمير ممنهج لكل البنى التحتية  (جامعات ، مدارس ، مستشفيات ، مكتبات ، أبراج سكنية ، طرق ، كهرباء ، شبكات مياه ، في حالة انتقامية لم نشهد مثلها في تاريخ المعارك منذ الحرب العالمية الأولى والثانية   رداً على عملية السابع من أكتوبر .

أكثر من مئة يوم على بدأ معركة طوفان الأقصى والعدو الصهيوني يحاول دون جدوى تحقيق أهدافه المعلنة في القضاء على المقاومة الفلسطينية وتهجير الشعب الفلسطيني لكن مجريات الميدان تؤكد فشل هذه الأهداف رغم هول الدمار الذي يقترفه بحق الشعب الفلسطيني ، في المقابل المقاومة الفلسطينية ترد في الميدان وتكبد العدو الصهيوني خسائر فادحة بالأرواح والمعدات ، حسب اعترافاته فقد قتل ما لا يقل عن 550 جندي منذ عملية السابع من أكتوبر وأصيب 5000 جندي بجراح .

لقد سارع الكيان الصهيوني ومنذ اليوم الأول للمعركة بتشكيل قيادة طوارئ أو مجلس حرب ضم من خلاله المجرم نتنياهو ، زعيم المعارضة غينيس ، لتكون الساحة الداخلية الصهيونية أكثر قوة في مواجهة شعبنا الفلسطيني ومقاومته الباسلة . وسارع إلى طلب النجدة من الحليف الأمريكي والغربي. 

إزاء هذا الحدث الكبير ومجرياته وتوحد كل الأحزاب الصهيونية خلف حكومة الحرب ضد شعبنا الفلسطيني يتساءل أي مواطن فلسطيني لماذا لم يتشكل لدينا قيادة وطنية فلسطينية موحدة في مواجهة هذا العدوان الشرس خاصة في ظل عجز السلطة الفلسطينية لأسباب عديدة عن القيام بدورها وضعف وتراجع دور منظمة التحرير الفلسطينية .

استناداً لقراءة المشهد وخطورته على قضيتنا الوطنية ولكي نكون على مستوى تضحيات شعبنا الفلسطيني لتحقيق إنجازات نوعية تقدمت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بمبادرة تشكيل قيادة طوارئ وطنية مؤقتة  من الفصائل الرئيسة تكون بمثابة مرجعية مؤقته عليا للشعب الفلسطيني،  تكون مهمتها وقف العدوان والتصدي له، وتوفير مقومات الصمود للشعب الفلسطيني لنثبيته في وطنه، كسر الحصار وإدارة قطاع غزة ما بعد الحرب، وتبادل الأسرى، وتهيئة الظروف المناسبة لإنهاء الانقسام الفلسطيني عبر عملية انتخاب للمجلس الوطني الفلسطيني والتشريعي والرئاسي بمشاركة الجميع، تكون مدخلا مهما لتفعيل وتطوير وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وقائدة نضاله، باعتبار أن المرحلة هي مرحلة تحرر وطني. 

وفي هذا السياق أجرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين حوارات ثنائية وثلاثية مع القوى الفلسطينية فمنهم من رحب من حيث المبدأ ومنهم من وضع استفسارات كثيرة وآخر صمت أو تجاهل المبادرة ، من خلال ما رشح عن الحوارات ومواقف بعض القوى أستطع القول إننا أمام اتجاهين للتعامل مع المبادرة، الأول يخشى أن تكون هذه القيادة الفلسطينية المؤقتة المرجعية الأساسية للشعب الفلسطيني وتمس بتمثيل منظمة التحرير الفلسطينية للشعب الفلسطيني ،رغم أن المبادرة تعلن وبشكل قاطع أن المنظمة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وهناك خشية من أن  تشكل هذه القيادة المؤقتة مدخلاً مهماً في تغيير النظام السياسي الفلسطيني برمته، وبذلك يخسر أصحاب هذا الاتجاه كل مكاسبهم  ومصالحهم التي تشكلت عبر عشرات السنين، كما  يخشى من زوال مشروعه السياسي لذلك تجاهل المبادرة. 

أما الاتجاه الآخر فهو  ينطلق في موقفه من المبادرة من مسألتين، المسألة الأولى الحسابات الإقليمية والعربية وتشابك علاقاته معها مما يشكل ضغطاً عليه، فهو لا يريد فتح معركة سياسية إضافة للمعركة العسكرية التي يخوضها في الميدان،  أما المسألة الثانية والتي لازالت مسيطرة عليه  رغم كل الذي جرى، فهو مصٌر على المزاوجة بين السلطة واستحقاقاتها ومرحلة التحرر الوطني واستحقاقاتها، لذلك طرح فكرة تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم الجميع بمرجعية الإطار القيادي للأمناء العامين،  هذا الإطار المجرب في أكثر من محطة ومفصل ولم يستطع أن يقدم شيئاً، إن هذا الطرح يعيدنا إلى الحلقة المفرغة لنعود بذلك إلى المربع الأول في مخرجات الحوارات الوطنية الفلسطينية السابقة.

أعتقد إذا أراد القطار  الفلسطيني أن يقلع فيجب عدم وضع العربة أمام القطار،  فقيادة الطوارئ الفلسطينية تتمتع بصلاحيات تؤهلها إذا كانت المصلحة الوطنية الفلسطينية تقتضي تشكيل( حكومة وحدة وطنية.. حكومة تكنوقراط.. حكومة مصغرة ) فهذا من صلاحياتها إلى حين إجراء الانتخابات للمجلس التشريعي وانتخابات الرئاسة.

أو إذا رأت أنه من ممكن إجراء تغيرات فورية في جسم منظمة التحرير الفلسطينية فهذا يجب أن يكون من صلاحياتها إلى حين إجراء الانتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني، لقد بات ملحا على ضوء التطورات الحاصلة والتضحيات الجسام الغير مسبوقة للشعب الفلسطيني أن تأخذ قرارات استراتيجية بعيدا عن أية حسابات ذاتية أو خارجية، إن معركة طوفان الأقصى هي سلسلة نوعية من نضال الشعب  الفلسطيني يجب أن يبنى عليها لتحقيق أهداف هذا الشعب البطل  في كنس الاحتلال من الأرض الفلسطينية كاملة وعودة اللاجئين.